اللاجئون السوريون ومساجد المملكة المغربية
بدر الدين الخمالي
الثلاثاء 18 مارس 2014
في أقل من ثلاثة أيام صدرت مذكرتان في غاية من الغموض والاستشكال وغاية من الضبابية وعدم الوضوح الأولى عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والثانية عن وزارة الداخلية وكلاهما بخصوص تصرفات وكلام يقوم به بعض اللاجئين السوريين في مساجد المملكة المغربية الشريفة دون أن تذكر طبيعة تلك التصرفات ومضمون ذلك الكلام.
المذكرة الأولى الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والموجهة إلى مندوبي الشؤون الإسلامية تدعوهم لحث القيمين على المساجد بالسهر على عدم استمرار بعض التصرفات الصادرة عن بعض المواطنين السوريين الوافدين على المملكة والتي تشوش على بيوت الله ومن يؤمها كما طلبت منهم عند الضرورة القصوى، (إخبار السلطات المحلية حتى تصان حرمة المساجد وأمن مرتاديها)، كما جاء فيها أن الوزارة بلغ إلى علمها (أن بعض المواطنين السوريين الوافدين على المملكة يدخلون بعض مساجد المدن الكبرى فيتحدثون فيها بكلام ليست أماكن العبادة مجالا له، يشوش على بيوت الله ومن يؤمها…) بتفكيك البلاغ نقف على ثلاث كلمات مفتاحية يدور حولها وهي السوريون -كلام وتصرفات- تشويش وإذا كانتا الكلمتان الأولان تفيدان أن الفاعل هم المواطنون السوريون حصرا، وأن الفعل هو عبارة عن كلام وتصرفات، فإن النتيجة المرعبة التي استدعت تحرك الوزارة هي التشويش على المصلين ومن يؤم دور العبادة بما يفيد أن مسالة الكلام والتصرفات ليس لها أي مضامين عقدية أو مذهبية دينية على اعتبار أنه -كلام ليست أماكن العبادة مجالا له- بحسب بلاغ الوزارة كما أنها لا تنحو في اتجاه التأثير الإيديولوجي أو السياسي على المصلين وان غاية أثرها تشويش فقط لا غير.
إذا كان هذا هو المستفاد من بلاغ الوزارة الغامض بخصوص طبيعة التشويش الذي يقوم به بعض السوريين في المساجد وتوقيته، هل هو قبل الصلاة أم بعدها أم أثناءها؟ وهل هو في داخل المساجد أم خارجها أم على أبوابها وهل الكلام والتصرفات مفهومة أم غير مفهومة بالنسبة للمصلين؟ وهل هي مجردة أم مصحوبة بإيذاء للمصلين والتأثير على بيئة المساجد ومحيطها كل ذلك سكت عنه بلاغ الوزارة الذي زاد الغموض غموضا حينما طالب القيمين على المساجد إبلاغ السلطات المحلية في حالة ما إذا رأوا بحكم ما يمتلكون من سلطة تقديرية أن تصرف أو كلام ما صادر عن أحد السوريين والسوريين فقط بشكل حصري داخل أحد مساجد المملكة قد يشكل تشويشا.
صحيفة الصباح اليومية ذهبت في تفسيرها لهذا الغموض إلى أبعد حد حينما كتبت على صدر صفحاتها وفي عنوان مثير أن (المد الشيعي على المساجد يستنفر وزارة الأوقاف)، معتبرة أن التشويش يستهدف الوحدة المذهبية للمغرب وثوابته الدينية، وزادت من عندها ما لم يصرح به بلاغ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية حين تحدثت باسمها، حيث اعتبرت أن التصرفات المرصودة هي تصرفات مشبوهة تروم المساس بالوحدة المذهبية والدينية المغربية، وأن حضور السوريين بالمساجد تجاوز دائرة التسول وطلب المساعدة إلى أخذ الكلمة والتداول في أمور الدين بحمولات خارجة عن تعاليم المذهب المالكي وربطت بين الأمر وبين موضوع التشيع مشيرة إلى أن بعض السوريين الوافدين على المغرب يتمتعون بقدرة عالية على الخطابة.
هذا النوع من إطلاق الكلام على عواهنه وهذا النوع من التفسيرات المجانبة للصواب وللحقيقة لم يكن سوى انعكاس مباشر للغموض الذي اكتنف بلاغ الوزارة بخصوص طبيعة التصرفات والكلام، وثانيا لكونه مجانب للحقيقة والواقع الذي أصبح يعرفه الجميع ويلاحظونه من مظاهر البؤس والتشريد التي يعاني منها اللاجئون السوريون الفارين من ويلات البطش والإجرام الأسدي ليس في المغرب فقط بل بعدد من الدول العربية والإسلامية حيث لا يجدون ملجأ سوى بيوت الله لاستعطاف المصلين واستجدائهم وهم في الغالب نساء وأطفال وشباب يافع.
الغموض والضبابية ستزيد حدتها مع إصدار بلاغ ثان لوزارة الداخلية يهدد فيه بالطرد الفوري وترحيل أي سوري يشوش على المساجد خارج الأراضي المغربية حيث جاء فيه (على إثر بلاغ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتاريخ 4 مارس 2014، المتعلق بالتصرفات الصادرة عن بعض المواطنين السوريين الوافدين على المملكة والتي تشوش على بيوت الله ومن يؤمها، وبالنظر لاستمرار هذه التصرفات، فإن وزارة الداخلية ستقدم على الطرد الفوري لكل مخالف تبعا للقانون رقم 03-02 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب في المملكة المغربية).
لغة التهديد التي استعملتها وزارة الداخلية المغربية في حق السوريين المقيمين بالمغرب بناء على بلاغ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المتعلق بالكلام والتصرفات المشوشة والمستند إلى قانون دخول وإقامة الأجانب يضعنا في حيرة من أمرنا لان الأمر في مجمله يصبح غير مفهوما وغير مستساغ أبدا.
أولا لأن السوريين المقصودين بنص البلاغين هم في الأصل لاجئون فروا من ويلات الحرب الدائرة رحاها في بلادهم، وأنهم لم يأتوا إلى بلادنا للاستجمام وللإقامة، وأن الظروف القاسية التي يتعرضون لها في بلادهم هي التي دفعتهم إلى الرحيل رغما والتشرد في بلاد الله عن أنوفهم، وإن الفاقة والعوز هي التي دفعتهم إلى الوقوف بأبواب المساجد واستجداء المصلين أو في الطرقات بعدد من المدن المغربية من أجل سدّ الرمق، وأغلبهم نساء وأطفال، وقد لاحظت هذا بأم عيني خاصة بمسجد السوريين بطنجة حيث يوجد عدد من النسوة السوريات وأطفالهن وغاية ما ينطقن به من كلام هو طلب المساعدة، وغاية ما يقمن به من تصرفات هو البكاء والنحيب على ما آلت إليه أوضاعهن، وقد حق لهن ذلك وحق لنا كذلك أن نبكي معهن، وأن نتألم لألمهن، وأن نتضامن مع جميع السوريين على الحال التي وصلوا إليه بسبب الظلم والعدوان الغاشم والإجرام والتقتيل الذي ترتكبه عصابات الأسد في حقهم، كما أن أغلب السوريين اللاجئين في البلاد العربية هم من السنة الذين فروا من إجرام العصابات النصيرية الأسدية وعصابات “حالش” الشيعية المتطرفة.
فإذا لم يلجأوا إلى مساجد الله وإلى بيوت الله، أين يلجأون بربكم، وكان بالأحرى أن نفتح لهم بيوتنا ونقاسمهم أقواتنا وطعامنا وكساءنا حتى يمن الله عليهم بالعودة إلى بلادهم سالمين غانمين كما وصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخواننا في الدين، أليس المسلمون مثلهم (كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، فما بال وزارة التوفيق؟ هل نسيتم أن ديننا يحضنا على مساعدة إخواننا ومدّ يد العون لهم ونصحهم؟ هل نسيت وزارة التوفيق حظها من القيم النبوية وعمل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف تقاسم الأنصار مع المهاجرين طعامهم وشرابهم وبيوتهم نصرة لهم؟ ثم أين هي أخلاق الصوفية التي ما فتئ السيد أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يحاضر فيها ويؤلف؟ أليست تدور حول الإيواء والإكرام وإطعام الطعام والتجاوز عن الناس؟ فما بال بلاغ وزارته يتغاضى عن الوضع المزري الذي يعيشه السوريون ولا يرى إلا تصرفاتهم وكلامهم الذي هو كلام وتصرف الغارق في أزمته المغادر لبيته الفار بنفسه؟
أليست الزوايا والمساجد في تاريخ المغرب كانت الملجأ للمساكين والفقراء والمحتاجين؟ فما بالها اليوم أصبحت تغلق أبوابها في وجوههم وتحرم عليهم أن ينطقوا فيها أو يتكلموا بطلب المساعدة؟
لقد كان على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدل إصدار البلاغات الجوفاء أن تفكر في إيجاد حلول منسجمة مع الدين والأخلاق وحسن الضيافة والإيواء التي عرف بها المغاربة في مقاربة مندمجة تشاركية مع جميع الهيئات والمؤسسات التي تشتغل ضمن المنظومة التضامنية وهيئات اللجوء الوطنية والدولية، وكان ينبغي عليها إن لاحظت أي سلوكات خارجة عن القانون أن تحددها بصريح العبارة وأن تتخذ فيها الإجراءات المنصوص عليها في القانون مادام أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وكان على وزارة الداخلية قبل أن تصدر بلاغها الذي يقضي بالطرد الفوري في حق اللاجئين السوريين أن يوضح إلى أين سيطردهم وهم ما أتوا إلى بلادنا استجماما واسترواحا وإنما فرارا من الحرب التي أحرقت اليابس والأخضر في بلادهم.
لقد تركت تلك البلاغات وللأسف الشديد انطباعا سلبيا لدي شخصيا، وأعتقد أن كثيرا من المغاربة يتشاطرون معي نفس الرأي حتى ظننت ولوهلة أنه لو كان لدينا وزارة للأوقاف والشؤون الإسلامية يرأسها السيد الموقر أحمد التوفيق في زمن قدوم المولى إدريس الأول فارا بجلده من بطش الحكم العباسي في العراق لتم منعه من الكلام ولتم ترحيله الفوري لأنه يقوم بالتشويش.