ضاعت الصلاة… ضاعت الكرامة
هوية بريس – ذ. أحمد اللويزة
فضل الصلاة ومكانتها في الإسلام لا يكاد أحد من المسلمين يجهلها سواء علما علمه، أو فطرة يشعر بها، أو تماهيا مع ما يسمعه هنا وهناك. لكن واقع المسلمين في علاقتهم بالصلاة يدمي القلب، فالركن الأعظم والشعار الأبرز تركه أغلب المسلمين!!! وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: “لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضاً: الحكم، وآخرهن الصلاة” مسند أحمد.
ولم يعد ترك الصلاة يشكل حرجا لدى أغلب تاركيها، والبقية إلا من رحم الله تبلدت مشاعرهم نحو ترك المسلمين للصلاة، ولم يعد الأمر يثير في النفوس اشمئزازا ولا في القلوب استنكارا. وكأن الأمر هين إلى هذه الدرجة من التطبيع مع ترك الصلاة، وانقطع الإنكار حتى بالقلب عند الكثير، واسأل من حولك عن شعوره نحو تارك الصلاة وفراغ المساجد وقلة أهلها.
إذا كان هذا واقع فريضة بهذا القدر، وإن كنت لم أتكلم عن قدرها كما وردت به النصوص الشرعية، والتي فرضت في ظروف غير عادية، واقتضت فرضيتها رحلة طويلة الأمد طوي فيها الزمن والمسافة بين مكة والمدينة، وبين الأرض والسماء عند سدرة المنتهى، ويكفي ذلك إشارة أنها فريضة ارتبطت برفعة القدر وعلو المنزلة؛ فردا وجماعة وأمة. فكيف لهذه الأمة تريد الرفعة والسمو وهي ضيعت أعظم ركن في دينها، وفرطت فيه تفريطا عظيما، وقدمت عليها التفاهات والسخافات والشهوات والملهيات، وكمثال تأمل حال المساجد وقت المباريات الكروية. ستبقى هذه الأمة في الحضيض بلا قيمة ولا قامة ما دامت الصلاة عندها بلا قيمة. وستبقى في المؤخرة ما دامت الصلاة مؤخرة.
إنه لمن المفروض لو كان لهذه الشعيرة العظيمة قيمة فعلا عند الأمة لعطلت لأجلها كل المصالح، وتوقفت كل الأشغال، وأغلقت كل المتاجر… وكل شيء في سبيل الصلاة يهون؛ إذ يلتحق المسلمون جميعا للقاء ربهم عز وجل يجددون معه العهد ليبارك لهم في أمر دينهم ودنياهم، كما قال الحق سبحانه: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} (الجمعة:10).
لقد توعد الله من أخر الصلاة وعيدا شديدا فقال جل شأنه: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَنْ تَابَ…} (مريم:59-60). {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُون} (المَاعُونَ:1).
فإن كان هذا الوعيد في شأن من يتهاون بالصلاة فكيف بمن تركها بالكلية. وإن كان هذا الوعيد في شأن الآخرة فلا يمنع أنه جزاء أيضا في الدنيا، فها هي الأمة تعيش الويلات بشتى ألوانها، أليس ذلك من عاقبة ترك الصلاة؟. وللإشارة فإن ترك الصلاة وتضيعها له تأثير على ما سواها من الأعمال فهي الأصل وغيرها من العبادات تبع. فمن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ومن تركها فهو لما سواها أترك، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.
فلا غرابة والأمة قد فرطت في الشعيرة العظيمة التي بها فلاح الدنيا والآخرة أن تعيش الهوان والضياع والتخلف، والأغرب أنها لا زالت تستغرب حالها وتستنكر واقعها كأمة مسلمة، وتبحث عن حلول متوهمة بعيدا عن الحلول الشرعية الواقعية. ولا طالما طال التقصير في حق الصلاة سيطول ليل هذا الهوان. ولا طالما لم ترجع الأمة إلى الصلاة تقيمها وتعظمها فلن ترجع لها هيبتها ومكانتها.
قد يتساءل المرء عن علاقة الصلاة بصلاح دنيا الناس، فهذا الدين الذي جاء بشريعة أقامت الدنيا على أصول شرعية، ورفعت قدر أتباعها وجعلت منهم سادة العالم، وكانت الشرائع كلها قائمة على صلاح الدين والدنيا، وقد كانت الصلاة أول ما شرع في هذا الدين العظيم بمكة، ولم يشرع بعدها شيء من الأحكام العملية التفصيلية إلا بعد الهجرة إلى المدينة.
وفي هذا إشارة إلى أهمية هذه الشعيرة في الإسلام، وفي تعامله عليه معها عليه الصلاة والسلام تعظيما وأداء والتزاما إشارة إلى القيمة التي ينبغي أن تحظى بها عند عموم المسلمين، والمتأمل في أحكام هذه العبادة يدرك أثرها على المسلم من الجانب الروحي والجانب المادي لما تعلمه من الانضباط، والالتزام بالوقت، والإتقان في الأداء، ونكران الذات، والتواضع وهلم جرا مما لو وظف في الحياة لحققنا فيها تقدما ورقيا. ولنا في قول الله عز وجل: {وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك} (طه:132)، إشارة أخرى، إذ ما دام الشغل الشاغل من تطوير الحياة الدنيا هو توفير لقمة العيش بكرامة واستحقاق، فلنحافظ على الصلاة ولنأمر بها الكبير والصغير والأزواج والأبناء والله لا يخلف وعده.
ومما يرد على هذا الموضوع وهو مطروح عند كثير ممن انبهر بالغرب وتقدمه الدنيوي رغم أنهم لا يصلون فلا شك أن نظام الحياة الدنيا عندهم يسير على وفق ما تقتضيه الصلاة من قيم وآثار، ومما استفاده الغرب من دين الإسلام وعلموا أنه كان من أسرار تقدم المسلمين وعزهم في الزمن الغابر. ولا يتجاوز ذلك علمهم بظاهر الحياة الدنيا والغفلة عن الآخرة كما قرر ذلك القرآن. أما المسلم فقد ربط الله مصيره الدنيوي بمدى اجتهاده على مصيره الأخروي، وذلك بإقامة أمر الدين حتى تقوم أمور الدنيا على أساس متين ومقصد نبيل، {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (الحج:41). والله أعلى وأعلم.