عن مخططات إفشال المؤسسات العامة والقطاعات الحيوية في الدولة.. هم زَرَعوا وهم حَصَدوا
هوية بريس – د. عبد العلي الودغيري
إذا رأيتَ قطاعاً حيوياً من قطاعات الدولة، كان في قمة الصُّعود والنجاح، ثم بدأَ في الانحدار شيئاً فشيئاً، أو وجدتَ مؤسسة أو هيئة كبرى عمومية، كانت في تفوُّق ونجاح، ثم سرعان ما تدحرَجت ووصلت أسفلَ المُنحَدَر، فلا تقل إن السبب في ذلك دائماً هو سُوءُ الحَكامة والتّدبير، والتقصير في التكوين والتأطير، أو نقص في المال والعَتاد، أو قلة الحماس وفُتور الهِمَم، أو غير ذلك من الأسباب الظاهرية التي يعتذرون بها ويتعلَّلون. قد يكون هذا السببُ أو ذاك وارداً، أو كلُّها مجتمعةً. ولكن الذي يحدُث أكثر، وعرفناه بالمُعاينة والتجربة، أن مخطَّط إفشال المؤسسات والقطاعات والمرافق العمومية الأساسَ، يكون مُحكَماً ومدروساً ومُتعمَّداً ومطبوخاً على نار هادئة.
يُخطِّطون لإفشال المؤسسات العامة والقطاعات الحيوية في الدولة، ويُنفِّذون ذلك بإحكام، لأن النيةَ عندهم تكون مبيَّتةٌ، والقصد يكون متعمَّداً، لبيعها بأبخس الأثمان، أو إهدائها بلا سِعر ولا ثمن، إلى مَن هَيَّأُوه وصَنَعوه ونَصَّبوه لذلك من الخواص المحظوظين .
المدرسةُ العمومية كانت إلى وقتٍ قريب في قمة عطائها ونجاحها. وفي أَمَدٍ قصير وجدناها تَفشَل وتسقُط في قَعر الهاوية، وبسرعة فائقة رأيناها تُباع أو تُهدَى لمن يهمُّه الأمر من سَماسِرة التعليم. من أين جاؤوا؟ وكيف صُنِعوا ؟ أنتم أدرى.
وجامعاتُنا، أيضاً، خرَّجت آلاف الكفاءات في كل تخصُّص وفي كل علم وفن، وإلى عهد غيرِ بعيد، كانت مَفخرةً بين الجامعات العربية. ثم لم تلبَث أن زُلزِلت أركانُها وهُدَّت آساسُها، فأَفلَسَت لتقوم محلَّها جامعاتٌ خصوصية بأموالٍ تقاطَرت من كلّ حَدَب وصَوب. وقُل مثلَ ذلك في القطاع الصِّحي، من كُلِّياته التي خرَّجت آلاف الأطباء المتخصّصين وأَمهرَ الجرّاحين، إلى مُستشفياته الجامعية والعادية، وكانت في مستوىً مقبولٍ أو جيّد ، خدمةً وتجهيزاً وتأطيراً. ثم أُهمِلَ شَأنُها وتُرِكت لتنهار وتسقُط من تلقاء نفسها. وإذا بأصحاب الجيوب المُنتَفخة والأرصِدة السوداء الوَسِخة -وكانوا في قاعة الانتظار- يخرجون من مَكامِنِهم لتبييضها. ينقَضُّون على صحة المواطنين، كما انقَضَّ آخرون على مدارسهم وجامعاتهم، فاستحوذوا على عقولِ أبنائهم ، بعد أن استَولوا على جُيوب أوليائهم… ولكنهم يقولون: جئنا من أجل «إنقاذ الموقف»..!!
ومع هذا يسألون: لماذا فشل التعليم؟ ولماذا فشلت الصحة؟
لأنكم أنتم الذين خطَّطتم وأنتم الذين نفَّذتُم.
أَنتُم زرعتُم وحَصدتُم.
كتاب عقيدة الصدمة يتحدث عن هذا الامر بطريقة مفزعة .