جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا (1928)
ذ. إدريس كرم
هوية بريس – الإثنين 14 أبريل 2014
مدخل
المتتبع لميلاد الحركة الوطنية وأدواتها المعرفية والسياسية والإعلامية يندهش عند مقارنة الأعمال بأعمار الفاعلين، مثلما يندهش للمقاومة المسلحة ضد الغزو الفرنسي والإسباني بالقياس لما كان لدى المقاومين والغازين من أسلحة وتنظيمات وأموال وتجهيزات، ولذلك يعتبر البحث في التنظيمات التي عرفتها النخبة الشابة، قبل تصدرها المشهد السياسي، في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي، ضرورة حتمية لمن يريد معرفة آلية اشتغال المجتمع المغربي وضوابطه المعرفية والاجتماعية.
وهو ما نحاول إبرازه في دراساتنا المختلفة التي من ضمنها هذه الدراسة التي سنردفها بحول الله بأخرى في نفس السياق، لنتبين أسباب تعثر عقد مؤتمر هذه الجمعية بفاس، ودور الطلبة المغاربة في النضال الوطني، من غير أن يكونوا قد تلقوا دروس التدريب على المواطنة، التي يوصى اليوم بإدخالها في المناهج التعليمية، التي يريد لها البعض أن تكون مطبوعة بالطابع الدوارجي، لأن خبراء الغرائبية والتشرذم والتجزيئية، قالوا بأن إصلاح التعليم لا يتم إلا بإعادة المغربة لزمن الكهوف، ليكونوا فرجة للسائحين، ومشاهد للحانين إلى الوصل ما بين العهد الروماني والعهد الاستعماري، على اعتبار أن أسلافنا لم يكونوا على وجه هذه الأرض، وهو ما روجت له بكثافة المدرسة الاستعمارية المنطلقة من الجزائر زمن كانت مقاطعة فرنسية، ونودي به في مؤتمرات شمال إفريقيا التي كانت تعقد بالربا ط، انطلاقا من سنة 1922 والتي سنسلط عليها الضوء بحول الله لاحقا.
ظهور الجمعية
شكلت جمعية “طلبة شمال إفريقيا المسلمين” نموذجا متقدما للتطلعات الوحدوية للمغاربة والجزائريين والتونسيين في فرنسا وذلك في سنة التأسيس 1928 من طرف الطلبة المتواجدين هناك، لتحقيق غايتين ساميتين كما جاء في التقرير الأدبي المقدم للمؤتمر الثاني المنعقد بالجزائر في شهر غشت 1932 وهما:
الأولى: غاية مادية، وهي مساعدة المعوزين من الطلبة حتى يسهل عليهم العيش خارج بلادهم في طلب العلم، فيتفرغون لدراستهم دون أن يشغل فكرهم البحث عن أبواب الاسترزاق، فيصبح كل من لديه مواهب فكرية قادرا على استخدامها لإتمام دراسته، فيأتي منها بكل الفوائد للوطن والبلاد.
والغاية الثانية: هي الغاية الأدبية، تلك الغاية الأصيلة لكل جمعية طلابية، وهي تمتين الود والأخوة بين طلبتنا، ونشر روح التضامن والتكاتف بينهم وتبادل الأفكار، وذلك لتتحد آراؤهم وثقافتهم، فتجتمع كلمتهم وجهودهم، ويصيروا كتلة عندما يرجعون إلى أوطانهم ويشرعون في خدمة الصالح العام.
والوحدة التي ترمي إلى توثيقها جمعيتنا تشمل كافة طلبة الشمال الإفريقي، وكيف لا ونحن أبناء بلد واحد ووطن واحد لا يفصل بيننا سوى فوارق واهية لا يمكن اعتبارها أبد الدهر، فطباعنا واحدة وأمزجتنا مستمدة من تراب واحد وطقس واحد نازلون تحت حكم الإسلام.
من أعمال الجمعية
من أعمال جمعيتنا الأدبية نشر الثقافة العربية والتاريخ القومي بين أفرادها، والدعوة لفكرة التعليم بين مواطنينا، والقيام بجولات علمية وزيارات لبعض المعامل بفرنسا، ليروا تطبيق العلوم العصرية في الصناعة.
ولتحقيق برامج الجمعية تم الحصول على مقر للجمعية في حي الطلبة بباريس وهي الوحيدة بين جمعيات الطلبة العرب التي تتوفر على مقر.
فيه يجتمع المجلس الإداري، وتطالع الصحف، وتقام المسامرات، وبفضله تم إقامة خزانة كتب، والقيام بشعائر ديننا الحنيف، والاحتفال بالأعياد الدينية، حيث يشاركنا طلبة الأقطار المسلمة، كما تم إقامة مطعم به للطلبة يستفيدون منه خاصة عند تأخر الأموال المرسلة.
مسامرات الجمعية
كانت الجمعية دائما وراء مسألة القيام بالمسامرات قصد نشر الثقافة القومية بين أفرادها، وتعليم اللغة العربية لمن يجهلها، وتعويد الطلبة على البحث والانخراط في الكتابة والتأليف؛ وفي ما يلي عناوين بعض المسامرات التي ألقيت:
– “الجزائر المسلمة في نظر شبيبتها” لمحمد بن الساعي.
– “إسبانيا في عهد العرب وبعدهم” لعثمان صفر.
– “ابن بطوطة ورحلته” لمحمد الفاسي.
– “مولاي الحسن أبو النهضة المغربية” لمحمد الوزاني.
– “القرصان النصراني” لأحمد بلافريج.
– “عائلة الأطباء الصقليين” لأحمد بن ميلاد.
– “المعتمد بن عباد” لأحمد بلافريج.
– “دولة الموحدين وأثرها في الفلسفة الإسلامية” لعبد الخالق الطريس.
– “موقعة وادي المخازن” لمحمد الفاسي.
– “المرأة عند العرب وفي الإسلام” لمالك بن النابي.
كما قامت سنة 1930 بالاحتفال بمرور ألف عام على وفاة الطبيب الشهير أبي بكر الرازي يوم 22 دجنبر، بنزل “قصر أورسي” تحت رئاسة أستاذ تاريخ الطب بكلية باريس ورئيس المجمع الطبي إد ذاك “موسيو مينيتريي”، حيث ألقى خطابا تحت عنوان: (تأثير الطب العربي على الطب الفرنسي).
ومن المتدخلين الأخ أحمد بلافريج أحد طلبتنا في الأدب، ألقى خطابا نوه فيه بشأن العرب وما تركوه من علوم وآثار عملت على رقي الإنسانية.
عدد طلبتنا وفروع دراستهم
بلغ عدد طلبتنا بفرنسا 206 طالب: التونسيون 171، الجزائريون 21، المغاربة 14.
– الساكنين بباريس 127.
– أما الذين في التعليم الثانوي فعددهم 151: الجزائريون21، التونسيون 119، المغاربة 11.
أما التخصصات فهي: الطب 56، فروع الهندسة 37، الحقوق 26، الصيدلة 10، الأدب 10، طب الأسنان 8، العلوم الطبيعية 4.
وتجدر الإشارة إلى أن المؤتمر الثالث كان سينعقد بفاس في 19 شتنبر 1933، بيد أن عراقيل ستصادف انعقاده فلم يتم ذلك، وتم نقله إلى فرنسا، وهي الفترة التي كان يرأس فيها المجلس الإداري الرئيس محمد الفاسي، وكان بين أعضاء المجلس أحمد بلافريج وعبد الخالق الطريس المنتخبون في مؤتمر 1932.
يتبع…