وقفة مع “فاطمة ناعوت” الحالة وليس الذات
محمد بوقنطار – هوية بريس
إن نظرة متفحصة في خارطة طريق المهرجانات والمؤتمرات، وكذا العدد الضارب في الطول والعرض والمستوعب لجل العواصم العربية وأغلب العواصم الغربية، من التي وطئتها قدما الحقوقية والمهندسة المعمارية المصرية “فاطمة ناعوت”.
ونظرة ثانية إلى نشاط هذه السيدة المصرية وطبيعة ركزها وضجيج خطابها الصاخب، والرافع لواءالتسخطمن المسلمين ودينهم هناك وهنالك…
ونظرة ثالثة إلى غزارة إنتاجها كما وكيفا، في دائرة ما تتبناه من أفكار وتدافعه من أفكار أخرى تعتقد فيها الرجعية والتقليدية والتحجير على واسع مفهوم الأنوثة عندها ولازم حقوقها المدنية والحضارية.
ونظرة أخيرة إلى مجال تخصصها وجامعة تخرجها وهي المهندسة المعمارية التي غادرت ورشات البناء لتسافر سفر قصر وإباحة فطر، مقتحمة بوابة مواجهة الإسلام والمسلمين…
لهي نظرات تبقى كافية في أخذ فكرة مستفيضة عن طبيعة المواجهة الشرسة، وما تقدم بين يديها وما قُدِّم لنسيجها البشري وجيشها الاحتياطي، من أدوات وأسلحة مادية ومعنوية، وهوامش كر خضراء فاقع لونها، وفتوحات ومؤشرات إذن غير مشروط ولا منضبط بحد أو مرعو بزجر.
ولا شك أن الواقف المتأمل في تفاصيل موضوع النظرة الأولى، لا بد أن يتسلل إلى فؤاده الريب والعجب، إذ كيف لمهندسة مغمورة في مجال تخصصها أن تتأبط مشروعها النهضوي والمنضوي في غمد الشعر والأدب والحقوق لترحل به رحلة الشتاء والصيف ليس بين مصر والشام واليمن، وإنما قد استوعب سفر معصيتهاأغلب الأرجاء وأكبر العواصم الغربية، والتي شهدت منابرها المدخولة محاضرات السيدة وعربداتها وشكواها المستصرخة بلغة شعرها وبيان نثرها، حيث لم يكن مضمون ذلك الشعر وذلك النثر سوى التمرد وتوجيه التهم والاستدراك على الوحي الإسلامي والاسترسال في نعته بكل نقيصة ودرك اشتباه، يقع منها كل هذا تحت مكاء وتصدية العدو الغريب والخصم القريب.
لقد وقفت السيدة مرفوعة القامة لا لتكلم الحضور عن آخر صيحات موضة العمارة عند الغرب والعرب -فإن هذا ولغاية معروفة من نفسها قد طلقته طلاقا بائنا بينونة كبرى-وإنما لتضع -حسب الزعم ومقبوح التخرص-أصبعها على مواطن الخلل وملامح الفزع إلى العنف والتطرف ومنابذة التسامح وطي ملمح العفو في أدبيات دين الإسلام وقواعد الانطلاق والتصرف عند معشر المسلمين، نعم لقد وقفت السيدة لتخاطب من على أغلب المنابر الحضور بملء الفم وقوي الشكيمة، معلنة في صراحة طافحة عن موقف تعاطفها وإعجابها الشديد والصادق بسماحة البوذية والكونفشيوسية والبهائية، بل مع دماثة خلق عباد الفئران والبقر والأحجار والأشجار، ولم تنس في أحايين كثيرة تجديد الوصل مع الصفح والفداء المسيحي.
وقد أعربت عن هذا وهي تجتر في قصد مريض حوارها مع ابنها الذي استفسرها عن السر الكامن وراء إمساك المسيحيين عن الشكوى ورفع التظلم أو مقابلة الظلم بالظلم، فأجابته المسلمة الحريصة على إسلامها: أن قوام الدين المسيحي هو الصفح والسلام، وأن الكتاب المقدس للمسيحيين وبكل أسفاره ليس فيه نص ينزع منزع مقابلة السن بالسن والعين بالعين، في إشارة منها لامزةنابزة لشريعة الإسلام الغراء، رامية ومتهمة النص القرآني أو المصدر الأول للتشريع عند المسلمين بتكريس العنف وبث روح الانتقام…
وتلك ولا ريب هي الرسالة والوظيفة الإنسانية لهذه السيدة التي تمثل مع شواكلها جيشا احتياطيا وطابورا خامسا يشاركنا اللسان والدم والوطن، ولكنه أضحى حالة وظاهرة طفقت تصفق للظالمين وتعلي من شأنهم على حساب المظلوم من جنس المسلمين، وللقاتل منهم على حساب المقتول منا، وللجلاد منهم على حساب الضحية منا، وما أطول سيل المتقابلات في أدبيات مذهب هذه الذات وأخواتها من الحالات، والتي كان ابتلاء المسلمين ولا يزال من خياناتهم فاجعا وكارثيا، ويا ليت من اصطفوا إلى جانبه وآثروا موالاته كان له ضمير وقلب، وقد علموا ولمسوا لمس اليد والعين والأنف والأذن أن الرجل الأبيض شكل قطيعه واستغل تفوقه المادي والعسكري ليملأ مناكب الأرض وزواياها خسة ونذالة وفسادا وإفسادا…
وليس بمستغرب على المرء بعد طول أمد انتصارهم ورجحان اصطفافهم، وموالاتهم لقضايا العدو على حساب قضايا الأمة والدين، ليس بمستغرب عليه أن لا يستشرف ولا يطمع في دمعة أو دفق عبرة منهم على بحر دمائنا وتناثر أوراق جثثنا هناك وهنالك، بله أن يرجو منهم مشاركة همومنا أو حتى بقائهم محايدين غير محركين لشهية الغرب في الغصب والنهب الذي ما فتئت قطعانه تمارسه علينا بالليل والنهار والسر والجهار، مبقين له متفردا متلبسا بجريمته وظلم إرهابه، الذي صار للأسف ثوبا مفصلا على مقاسنا ومقاس أكتافنا ورقابنا دون صنف الناهبين والقتلة المغتصبين أجمعين.
ولعل الوقوف على تفاصيل معطوف النظرات المتوالية في السياق سلفا، ومنه الخلوص إلى الربط بين طبيعة تخصص السيدة الحالة وحجم إنتاجها خارج مجال تخصصها، ومدى خبطها وشدة تحاملها على الإسلام والمسلمين، هو وقوف من شأنه أن يجعلك أو ينقلك إلى المستوى الذي يقربك من خصائص ومميزات وميزات هؤلاء الذين تحملوا وأخذوا على عاتقهم حمل تكليف هذا الرمي البئيس، ذلك الرمي الذي ما فتئ يُسمع له زفير ويعلوه عويل وشهيق، وتتحكم في مسار سعيه أهواء طامسة، ولا شك أن هذا من فعل ما تشهده دواخلهم من فورة ميّالة إلى التمرد على اليقين والصواب، ويا ليت هذا التمرد وقف عند حد السطو على التراب، ولكنه للأسف تمرد يبغي الإجهاز على تاريخنا الضارب في عمق الحضارة.
ولنرجع للكلام عن قضية التخصص ولفت الانتباه إلى أنها خصيصة ذات طبيعة مطردة، حيث لا يكاد المرء وهو يقلب في سيرة هؤلاء المترفين أن يعثر له على نشأة لعين من هذه الجوقة، يمكن اعتبارها نشأة سليمة لها مهد وامتداد تخصص، شرط هذا التخصصأن يكون لمهده وامتداده صلة من بعيد أو قريب، أو علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع علم من العلومالشرعية المعتبرة، بل تجد كلهم قد شبوا وشابوا في محاضن الحقول البعيدة كل البعد عن العلوم الشرعية.
فقد لا يبالغ المرء إذا أجزم بأن العديد منهم لا يحسن الغسل ولا الوضوء، ولم تلامس ناصيته في يوم من أيام دهره سجاد بيت من بيوت الله،وهو الذي تجده أينما حل وارتحل لا يتوانى عن الخوض في مقام الفتوى واقتحام عقبة الكلام في المسالك الضيقة التي شابت لها ومنها دوائب العلماء الربانيين، فهم استطالوا الظهور على جدر الإسلام واستباحوا التسلل إلى محاريب قلاعه من جهة اعتقادهم أنها حيطان ومتاريس قصيرة مخلدة إلى الأرض، قد غادرها حراسها من الذين كانوا واقفين على ثغورها، طلبا ورغبا في خبز مستهلك، وإيثارا طافح للدنيا على الآخرة، دفعهم فقد التوازن وشديد الميل هذا إلى مساهمة الكثير منهم في تمرد هذه الجبهة الداخلية لحصون الإسلام المتراصة، بل خلق أرضية ذات طابع شرعي مهمتها التسويغ لهذا الزيغ والضلال، وإقناع العامة بأنه ملمح من ملامح وسطية هذا الإسلام، وسمة تسامح لا تكاد تنفك عن أهله والملتزمين بعرى ثقافته المعتدلة والرطبة والمتسامحة و…
وفي مثل هذا المناخ يمكن لوطاوط الليل أن تمارس صيدهاوعبث مصها لدماء ضحاياها غير عابئة بأشعة الشمس ولا حرارتها، نعم في مثل هذا المناخ الموبوء تطاول أهل الصنائع وتجرؤوا على النقد والنقض والمدافعة خارج قواعد معهود تخصصهم، بل فتحت أمامهم المنابر على اختلاف أشكالها، وتواطأت الألسن واتفقت الأفمام الإقليمية على واجب تقديم الدعم والتشجيع والمساندة، والمسارعة في تحقيق الخيرات المادية لهم ولمن يدور في فلك وظيفتهم القذرة وأفكارهم المستقذرة، فكثرت خرجاتهم، وترادفت أدوار ظهورهم لتملأ باحتكار مخل كل قنوات إعلامنا البئيس.
وجدير بالذكر التنبيه على أن معركتهم لم تكن معركة تذليل للصعوبات، منجنس ما يمكن أن يواجه اللصوصية العالمية، أو من المحتمل أن ينتصب ليقاوم عمليات النهب والغصب لثروات قصعة خيريتنا، وما حبلت به الجغرافية الإسلامية من معادن ونفائس ومدخرات جوفية، لها وزنها ودورها المتحكم في الميزان التجاري العالمي، فكل هذا اسطاع الغرب أن يؤشر على أخذه واحتكار الاستفادة منه وحيازته بالجملة والتقسيط بالرضا لا الإكراه وبالسلم لا الحرب، فقد سبق أن وقّعنا وبصمنا بالعشرة على صفحات وأوراق بيضاء فرقت علينا في مؤتمرات وملتقيات ومعاهدات، عُبِئت بعد أمد قصير على هوى ومطامع وشهوة الغرب في أكلنا وهضم كلنا في معدته الفارغة، وقدعلمنا بعد فوات الأوان أننا بصمنا على تعبئة تقر الاعتداء وتشرعن السطو ونهب الحقوق باسم حمايتنا وتعليمنا قواعد الحداثة وزيف المدنية…
لقد آن الأوان أن نقف على حقيقة أن المستهدف منا هو محاولة سلخنا عن أديم الانتساب إلى هذا الدين العظيم، والذي يعلم الغرب تمام العلم أنه مصدر قوتنا، ومكمن عزنا، ومبلغ كرامتنا ومنزلتنا بين الأمم، وأن هذا الغرب بات يعلم حقيقة عجزه بما يملك من قوة مادية، وحقيقة عدم قدرته على إحراز الانتصارات والمفاوز في هذا الخصوص، ولكنه يناور لاستنزاف قوتنا، وإرجاء وقوع المعلوم من الغيب بالضرورة، ونعني به توريث الله سلطان هذه الأرض لعباده الصالحين.
وليس ثمة من يتقن هذا الدور، ويتفانى في تطبيق بنود الوكالة والتفويض سوى أمثال فاطمة ناعوت وشواكلها جنسا ونوعا، ممن يؤشرون على أن عبء إقرار السلم ومسالمة الغرب الصليبي يقع على كاهلنا، وأن الإرهاب هو صك يحمل الجنسية الإسلامية بامتياز، تؤطره نصوص الوحي وتنفخ في رماده الساخن آيات الذكر الحكيم من جنس قوله جل جلاله “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْوَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ”.
“كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا”.