1– موضوع الإرث كغيره من مواضيع الفقه الإسلامي ينقسم البحث فيه إلى قطعيات وظنيات، ومعلوم في الشريعة الإسلامية أن ما نص عليه الشرع نصا جازما لا يقبل التأويل فإنه يكون قطعي الدلالة ولا يحق لأحد أن ينازع في ذلك الحكم، ثم يتقوى الحكم بعد ذلك بإجماع الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على ذلك الحكم، فيكون ذلك الإجماع دليلا تكميليا يحسم النزاع ويغلق الباب، لأنه لا يعقل أن تبقى الأمة في ضلال غافلة عن حكم من أحكام الشريعة حتى يأتي عالم في آخر الزمان فيصححه.
فوجود اختلاف في بعض أحكام الصلاة لا يعني أنه يجوز لأحد اليوم أن يجتهد في أوقات الصلاة ويقول لنا إنه وبسبب تغير ظروف الناس وصعوبة الاستيقاظ باكرا ووجود اللصوص وتأثر الاقتصاد بسبب نوم الناس بعد صلاة الفجر وتأخرهم عن أعمالهم، فينبغي لنا أن نفتح نقاشا في وقت صلاة الصبح كما ناقش الفقهاء مسائل وضع اليدين والنية والجهر بالبسملة وغيرها من أحكام الصلاة.
فنقول له: القطعي في الصلاة لا يجوز الخلاف فيه، وهكذا لو قال قائل إن نصيب الزكاة ينبغي أن يزاد فيه نظرا لتحقق المصلحة للفقراء والمساكين، فهذه كلها من الاجتهادات الباطلة لأنها اجتهاد في شيء قطع فيه الشرع.
2– ما يتعلق بحظوظ الورثة وتحديد نصيب كل وارث هو مما نص عليه القرآن الكريم، فهو من القطعي الثابت الذي لا يعتد فيه بقول المخالف، فمثلا عند قوله تعالى ((ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد)) فلا يمكن لهذا الحكم أن يتبدل أو ينقض بتغير الزمان أو المكان، فالمؤمن أمام هذا الحكم إما أن يعمله أو يتركه إن كان لا يقدر على العمل به، كوجوده في بلدان لا تحكم بشريعة الله، أما أن يبدله فهذا هو الذي يقول عنه العلماء إنه كفر بالله عز وجل، لأنه تبديل لشريعته، ثم هم بعد ذلك يبحثون في قائل ذلك هل يقع عليه الكفر أم لا، حسب مباحث التكفير التي ينظر فيها إلى اعتبارات كثيرة تحت قاعدة “ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه”
3– الأحكام التي اجتهد فيها أبو بكر وعمر بن الخطاب وغيره من الصحابة رضي الله عنهم في مسائل الإرث هي من باب النوازل التي ليس فيها نص قطعي، ولذلك فإنه لما جاءت الجدة إلى أبي بكر رضي الله عنه لم يستطع أن يعطيها شيئا حتى وجد نصا في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
روى مالك عن ابن شهاب، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة، عن قبيصة بن ذؤيب؛ أنه قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها، فقال لها أبو بكر: ما لك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا. فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس. فقال: المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعطاها السدس: فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري، فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر الصديق، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها. فقال لها: ما لك في كتاب الله شيء، وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئا ولكنه ذلك السدس، فإن اجتمعتما فهو بينكما وأيتكما خلت به فهو لها.
فنحن نلاحظ من هذه القصة تحرز الصحابة رضوان الله عليهم أن يعطوا شيئا أو ينقصوا شيئا مما شرع الله.
4– شدد الله عز وجل في موضوع الإرث تشديدا بحيث لا يبقى لأحد فيه رأي، ومن ذلك أنه سماها فريضة، وأكد أنها قسمته لا قسمة أحد غيره، فقال في بداية آيات الإرث في سورة النساء ((يوصيكم الله في أولادكم)) فالوصية وصية الله لا وصية غيره، ثم قال في ختام تلك الآيات ((تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم، ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ندخله نارا خالدا فيها وله عذاب عظيم))، فبين أن جزاء من يتعدى هذه الحدود النار خالدا فيها، وقال في الكلالة ((يستفتونك في الكلالة قل الله يفتيكم في الكلالة)) والكلالة هي حالة من حالات الإرث، فما دام الله أفتانا فإنه لم يترك للمفتين أن يجتهدوا أو يقدروا المصلحة والمفسدة.
لذلك فإن العلماء لم يختلفوا في هذه المسائل ولم يتجاوزوها، لوضوحها وقطعية نصوصها، وإلا فإن العادة جرت أن يختلف العلماء وتجد بين المذاهب الأربعة أقوالا سببها في كثير من الأحيان المساحة التي تركها الشارع في دلالة النص، أما النصوص القطعية فلا مجال للاختلاف فيها.
5– دفاع العلماء عن هذا الموضوع ليس لأن لهم فيه مصلحة، أو لأنهم يريدون أن يرثوا شيئا من آبائهم ويخشون أن يزاحمهم فيه النساء، إنما يدافعون عن شريعة الله عز وجل بسبب الأمانة التي حملوها في قوله تعالى: ((وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه)) ولأن الرد العلمي التفصيلي لا يملك كل الناس أن يفرغ وقته وفهمه لاستيعابه والاطلاع على أصول المسائل وفهم غلط المغالطين، فهم يبينون أن هذا الشخص الذي تكلم بهذا الكلام ليست له أهلية، كما قد تقوم نقابة الأطباء ببيان أن فلان ليس له علاقة بالطب، وهذا شيء طبيعي في كل تخصص، أنه له نقابة تجمع المهتمين به كي يحافظوا على مصداقية ذلك المجال ويحفظوه من انتحال المنتحلين، فكيف وهذا شرع الله الذي عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأمة أن تتولى حفظه فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”. رواه البيهقي وحققه الألباني في مشكاة المصابيح كتاب العلم الفصل الأول الجزء1 ص/ 53.
وأستغرب ممن يستنكر على العلماء بيان حال شخص منتسب إليهم مدع على الإسلام ما ليس فيه!
6– الاعتماد على عمل المرأة في تبرير مثل هذا التصرف هو خطأ منهجي كبير، أما من الناحية الفقهية فمعروف في علم أصول الفقه أن العلة إذا لم تكن منصوصة أو مطردة لا يقاس عليها، بمعنى أن هذه الحكمة التي نعلل بها تفضيل الرجل على المرأة في الميراث لا تصلح لأن يقاس عليها، وهذا معروف متفق عليه بين العلماء، لذلك لا يصح أن نقول في الزكاة أنه ينبغي الزيادة فيها مراعاة لشدة حاجة الفقراء، وإلا لصار الشرع يتغير على حسب هوى الناس وآرائهم، ولذلك يلزم القائلين بهذا القول أن يسووا بين الرجل والمرأة في كل الأحكام المالية المترتبة على الزواج، بدءا من المهر الذي هو حق الزوجة، فيصح من خلال هذا المنطق أن نقول إن المرأة اليوم تعمل وتكسب المال أكثر من الرجل في بعض الأحيان، فلذلك نسقط المهر أو نوجبه على المرأة للرجل، أو لنكون أكثر عقلانية نوجب المهر على الأغنى منهما، وهكذا في كل نفقات الأسرة فإن المنطق يقضي بأن يتحملها الطرفان على حد سواء، وحين يحصل الطلاق فإن المنطق يقول إن الذي يريد أن يحوز الأبناء عنده هو الذي يتحمل النفقة والسكنى، هذا هو العقل والمنطق، بل لنا أن نتساءل لماذا يحمل الأبناء اسم أبيهم ولا يحملون اسم أمهم، ما هذه الذكورية والتمييز ضد المرأة، يجب أن يحمل الأبناء اسم أحد الأبوين بالتساوي، واحد يحمل اسم الأب وواحد يحمل اسم الأم.
وهكذا حين تبتعد عن الشريعة تتساوى عندك الأمور وتختلط عليك المسالك، ويصبح العقل يقول الشيء ويقول ضده، وكما قال علي رضي الله عنه: لو كان الدين بالعقل لكان مسح باطن الخفين أولى من ظاهرهما، وذلك لأن الباطن هو الذي يتسخ وهو الذي يتصل بأرضية المسجد.
7– على كل مسلم أن يحصن نفسه بنصيب من العلم الشرعي وأن يجتهد في حفظ دينه من هؤلاء المتقلبين، فأنا لا أعلم في تاريخ المغرب الحديث رجلا تقلب كل هذا التقلب من أقصى الجامية المدخلية حتى تبرأ منه أبوه، إلى أعماق السلفية التكفيرية حتى ألقي في السجن كرأس من رؤوس التكفير، إلى أحضان العلمانية اللبرالية والمطالبة بإعادة قراءة النص الشرعي حتى تبرأ منه القريب والبعيد وسجل فيه الشيخ زحل على وقاره وجلالته مقطعا كاملا في عشر دقائق، ولذلك فلا مجال أمامك أخي الكريم صيانة لنفسك عن هذه الشبهات وتثبيتا لدينك في موجات الضلالة إلا أن تطلب العلم الشرعي ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
8– وإن اختلط عليك الأمر فاسلك الطريق السهلة وهي أن تنظر إلى العلمانيين والليبراليين فإذا رأيتهم يثنون على شخص ويمجدونه فاغسل يديك منه، فإن الظالمين بعضهم أولياء بعض، أما إن ناصروه بأقلامهم ونافحوا من أجلهم في صحفهم فاعلم أنه عون لهم على الباطل ومطرقة يكسرون بها أبواب الحق ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ثم أمهله قليلا حتى ترى فيه آيات الله الظاهرة والباطنة، ثم يذوب بعد ذلك كما يذوب الملح في الماء، وكما يتبخر الزبد في شاطئ البحر، وقد أشار الله عز وجل إلى ذلك فقال: ((وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا)).
فإن رأيت خليل العلمانيين فاعرفه واعرف أن دوره من خلال هذه الآية الكريمة: الافتراء على الله عز وجل، ولولا ذلك ما أحبوه ولا أثنوا عليه ولا ناصروه، فمتى كان العلماني مناصرا لرجال الدين كما يسميهم؟
9– لا تنس أخي الكريم وأنت تتبع خيوط هذه المسألة أن تسأل نفسك من الذي يحركها ويطالب بها، هل هي بالفعل نتاج بحث فقهي أم نتاج ضغط دولي وأيديولوجية غربية استعمارية لا تحترم خصائص المجتمعات وديانتها وقدسية مرجعيتها؟
وإذا سألت نفسك هذا السؤال عرفت أن هذه المسألة مما تطالب به منظمات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التي ما زالت إلى الآن لم تستطع أن تدين ما يقوم به بشار وأمريكا وروسيا من قتل وتدمير في أبشع انتهاك تاريخي لحقوق الإنسان، فإذا ربطت بين الأمم المتحدة في شقيها الإنساني والسياسي أصبح السؤال واضحا لديك: ما مقصدهم من وراء هذا؟ ولماذا تتحرك كل ترسانتهم الإعلامية لمناصرة عالم دين؟ أكل هذا حرص على الدين؟ ورغبة في تصحيح علاقة المسلمين بدينهم؟ كما حصل لأحد العباد حين كبر للصلاة فوسوس له الشيطان إنك لست على وضوء، فأجابه: أبلغ هذا من حرصك؟ يعني هل صرت يا إبليس حريصا على صلاتي لتنصحني بأنني لست على وضوء!
10– أما في ما يخص الرابطة فإن كانت رابطة “واتساب” كما تقول، فاعلم أنه حتى رابطة “واتساب” لم تعد تتحمل وجودك، وأنصحك بأن تراجع نفسك حتى لا تصير عصا للعلمانيين مسلطة على إخوانك فإنهم لن يلبثوا أن يتخلوا عنك، فقديما فعلوا وكذلك يفعلون.
في موضوع الإرث حالات متعددة،في أغلبها تأخذ المرأة ضعف مايأخ الرجل كحالة الكلالة وقدّر العلماء نسبة أخذ المرأة أكثر من الرجل بنسبة تفوق 83 بالمائة بينما نسبة الرجل 16وفواصل،وحتى هذه النسبة الأخيرة لو وضعنا بجانبها مسؤولية النفقة والقوامة والمهر والقتال بالنسبة للرجل لرجحت نسبة حق المرأة المقدّسة في الإسلام على حق الرجل فهل يعدل الحثالات عن الكيد للإسلام الذين لايثيرون الحالات التي ذكرنا بالنسبة لأخذ المرأة ضعف الرجل رغم علمهم بهذا!لأن إثارة هذه القضية ستعصف بحقوق كبرى للمرأة،وهذا من تناقضهم وخبثهم الذي يجعلهم يتطرقون لمواضيع تعالج أمراض ومشاكل المجتمع الحقيقية كالأخذ بيد الأرامل والمرضى والمحتاجين!.
في موضوع الإرث حالات متعددة،في أغلبها تأخذ المرأة ضعف مايأخ الرجل كحالة الكلالة وقدّر العلماء نسبة أخذ المرأة أكثر من الرجل بنسبة تفوق 83 بالمائة بينما نسبة الرجل 16وفواصل،وحتى هذه النسبة الأخيرة لو وضعنا بجانبها مسؤولية النفقة والقوامة والمهر والقتال بالنسبة للرجل لرجحت نسبة حق المرأة المقدّسة في الإسلام على حق الرجل فهل يعدل الحثالات عن الكيد للإسلام الذين لايثيرون الحالات التي ذكرنا بالنسبة لأخذ المرأة ضعف الرجل رغم علمهم بهذا!لأن إثارة هذه القضية ستعصف بحقوق كبرى للمرأة،وهذا من تناقضهم وخبثهم الذي يجعلهم يتطرقون لمواضيع تعالج أمراض ومشاكل المجتمع الحقيقية كالأخذ بيد الأرامل والمرضى والمحتاجين!.
بوركت جهودكم
سْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)