أولا تقتضي زيارة الأضرحة تحديدا للمواعيد؟
د. محمد وراضي
هوية بريس – الثلاثاء 06 ماي 2014
إن كانت الزيارة تعني الحضور بقصد رؤية شخص، أو بقصد الالتقاء به، فإن المزور من باب المنطق الديني والعقلي والتجريبي، لا يمكنه بأي وجه من الوجوه، أن يلبي جميع طلبات زائريه أو زواره. هذا إن كان من الأحياء. أما إن كان من الأموات، فإن الوافدين عليه لتقديم ملفهم المطلبي إليه، لا يعتبرون بأي منطق كان من العقلاء الأسوياء! وإنما هم من المخبولين الذين يطلبون المستحيل!
وقد نميز هنا بين زيارة تتم بدون موعد محدد، وبين أخرى لا تتم إلا بعد علم المزور بصاحبها وبوقتها، وأحيانا حتى بغرض الزائر منها، مما يبدو معه كيف أن الزيارة بعد تحديد الموعد، تثمر أكثر مما تثمر الزيارة المفاجئة التي لم يكن المزور أثناءها على استعداد تام لتخصيص جزء من وقته للقادم عليه.
ومتى صح عندنا أن الزيارة بعد موعد متفق عليه بين طرفيها، أفيد لهما من تلك التي لم يقع عليها اتفاق مسبق. فكيف يمكن للزوار أن يحضروا إلى حرم المقدس، والحال أن وجوده حيث هم يقصدونه غير مضمون؟
أولا: هل تم التسليم بأن المزور المقدس أصبح من الهالكين؟ أم إن المتشبعين بالثقافة القبورية، لديهم من البراهين النقلية والعقلية ما يؤكد عدم مفارقة روحه لجسده، مباشرة بعد وفاته؟
ثانيا: قد يقتنع القبوريون بأن مزورهم المقدس قد مات، وأن روحه قد فارقت جسده، وأن هذا الجسد بالذات هو الذي دفنوه!
ثالثا: قد يقتنعون، وقد لا يقتنعون بأن عظام المتوفين سوف تصبح مع مرور السنين نخرة! ثم تصبح لاحقا مع مرور أخرى مجرد رميم! بنصين قرآنيين معروفين.
رابعا: إن اقتنع القبوريون بمآل الهيكل العظمي للمزور، فمع من يتحدثون متى وقفوا حيث ينحنون! ويقبلون! ويستغيثون! ويتوسلون؟ هل يتحدثون إلى الأجساد التي تأكد أن الديدان قد أتت عليها في ظرف وجيز؟
خامسا: لنلق إذن وراء ظهورنا -نزولا عند رغبة القبوريين- بمنطق الدين القاضي بكون الموت يعني خروج الروح من الجسد! وبكون عظام الموتى سوف تسحق في النهاية حتى تصبح مجرد تراب لا يحمل أي إشارة إلى أنه كان في يوم ما هيكلا عظميا لإنسان هالك! ثم لنلق ثانيا وراءها بمنطق العقل القاضي برفض استمرار التواصل بين الأحياء والأموات! بحيث يخاطب أحدهم الآخر فيسمعه، ويدرك ما يستفهمه عنه، وما يطلبه منه! ولنلق وراءها ثالثا بمنطق التجربة القاضي بتعرض جثت الميتين للتحلل، وأن مصيرها بالتحديد هوما نص عليه الكتاب المبين وأكده الواقع بما يكفي من الوضوح!!!
ومتى ضربنا بالمنطق الثلاثي المتقدم عرض الحائط، فإننا سوف نحاول مجاراة المخدوعين المخدرين بالوهم والخرافة، علنا نحصل منهم على إجابات طالما تطلبتها تساؤلات أرقت مضاجعنا، واستدعت منا محاورة أكثر من معلمة صوفية ظلامية، إنما حتى الآن بدون ما جدوى!
لقد استفدنا من كتب القوم، كيف أن الأولياء المزورين، لم يكونوا قيد الإقامة الجبرية كالمعتقلين السياسيين! فالولي الصالح له كامل الحرية في ملازمة قبره متى أدركه النوم! أو متى أرهقه الإعياء! كما أن له كامل الحرية في الجلوس بعيدا عن ضريحه! وكامل الحرية في الإقامة والظعن متى أراد وكيف أراد وأنى أراد! فضلا عن كونه يحج في كل سنة! فضلا عن كونه يعبد ربه! إذ لا يعقل أن يكون حيا في قبره، يتلقى الطلبات والشكايات ويلبي الرغبات! ثم لا يؤدي ما عليه من واجبات شكرا لله كبقية المؤمنين! إنما -بحسب منطق الدين الحق- لا يمكنه أن يضيف إلى ملفه الذي تم طيه بموته ولو حسنة واحدة! حتى إن هو تفانى في خدمة زواره إلى حد أنه لا يرد إليهم طلبا! هذا إن أمكن للميت أن يواصل جني ثمار أعماله التعبدية وهو هالك؟ أو لم يسمع القبوريون -إن كان لديهم اهتمام ما بالمنقول من النصوص- قول الصادق المصدوق: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”؟
إن المزور المقدس من أبناء آدم، فما يسري على المنتمين جميعهم إلى أمة محمد بن عبد الله يسري عليه! فقد كان مثلهم في حياته يعمل بكامل حريته. مرة يصيب ومرة يخطئ. تسجل حسناته كما تسجل سيئاته. لكنه عند انقضاء أجله فور وفاته، لم يعد بمقدوره أن يعمل! فلا هو قادر على نفع نفسه! ولا هو قادر على نفع غيره! فقير إلى الله وهو حي! كما أنه فقير إليه وهو ميت! يحتاج إلى الأحياء، ولا يحتاج الأحياء إليه! هذا ما ينطق به أدب الزيارة كما تم تحديده في السنة النبوية! وهو ما يعرفه علماؤنا الذين فضلوا مجاراة حكامنا في إحاطة الفكر الظلامي الديني بعناية فائقة لأسباب لا شك وراءها منافع لا تقدر بثمن!!!
لكن أهل الظلام خصوم أهل النور يقدمون إلينا نوع العلاقة التي ينبغي أن تكون بين المزور المقدس وبين زواره، غير أنهم لم يخبروا المغفلين المخدوعين كيف أن المقصود بالزيارة لم يكن على الدوام رهن إشارة من يشدون الرحال إلى ضريحه؟
فإذا صح أنه يغادر محل إقامته لأسباب متعددة! فإنه لا يستطيع التفرغ لاستقبال الزوار، فيكون عليه حينها أن يستعين بكاتب شخصي كي يتولى إدارة مملكته الصغيرة بحضوره أو أثناء غيابه! فلو حضر زائر -بدون موعد- إلى مقامه وهو مستغرق في ذكر ربه، فإنه لا يسعه من باب الأدب معه، أن يصغي إلى من يخاطبه! خاصة وأن مخاطبة المصلي الذي يناجي ربه، بمثابة تشويش عليه غير مقبول! أما وجود كاتب أو كاتبة متخصصة لتنظيم زيارة المقدس، فعمل يبعد عنه أي تشويش يمنعه من مواصلة ما هو منهمك في أدائه من عبادات، تقربا منه إلى من بوأه المكان الرفيع السامي حتى ينتفع به الخلق! بحيث إنه يجلب إليهم المنافع ويدفع عنهم المضار! فسكان قبيلة احصين بضواحي سلا -على سبيل المثال- يلتجئون إلى المسمى سيدي احميدة كلما تأخرت الشتاء عن النزول، فيذبحون في باحة ضريحه عجلا أو بقرة من خلال طقوس تثير أكثر من تساؤل! ثم ينتظرون قدوم الغيث الذي يأتي وقد لا يأتي! كما وقفنا على هذه الحقيقة منذ سنوات!!! والأدهى والأمر هو ان ضريح السيد المذكور قد جرى نبشه لاستخراج كنز قيل إنه مدفون معه في قبره! فأسفرت المحاولة عن نبش القبر الذي وجدت عظام صاحبه نخرة قبل أن تتحول إلى رميم!!!
ولنا هنا سؤال وجيه يفرض علينا نفسه: إن كان المقدس ينفع قصاده وهو ميت فهل يجازيه ربه عن العمل الخير الذي يسديه إلى زواره؟ هذا السؤال سوف نخصص للإجابة عليه في المقبل من الأيام مقالا في محاولة لإقناع من طرحه علينا من أصدقائنا ومن معارفنا!
نقول: إن كانت لإحدى سيدات مجتمعنا المبتلى بالثقافة القبورية، رغبة في التقدم إلى مقدس لطلب إنجاب الأبناء، فكان أن حضرت إلى الضريح وصاحبه غير موجود به، لأنه مسافر إلى بلدة بعيدة لزيارة صديق له أو صديقة! فما الذي عليها أن تفعله؟ هل يفيدها حينها القربان الذي تتقدم به، مقابل علاجها من عقم حرمها لسنوات من إنجاب فلذات الأكباد؟ كان القربان ديكا، أو خروفا، أو عجلا على قدر المستطاع؟
سوف يتسلم القربان من يصح وصفهم بسدنة الضريح لغاية جني ثمار التظاهر ببيع البركة مقابل فتوح تختلف قيمتها من شخص إلى آخر! أما المقدس الذي قدم إليه القربان، فإنه لا شك يجهل نوعه ولونه وحجمه!
فإن تأكد لدى عقلاء الناس أن الأطباء يعمدون إلى فحص المريض، ثم يعمدون بعد معرفة نوع مرضه، إلى تحديد وصفات باستعمالها يشفى منه ويزول. فإن المزورين المقدسين لا يحتاجون إلى القيام بالفحص، ولا إلى تقديم وصفات يتم تناولها عن طريق الفم أو كحقن! فقط لأن لديهم وصفة واحدة لعلاج كافة الأمراض! كانوا أطباء عامين، أو متخصصين في علاج الشلل كأحمد بن عاشر دفين سلا؟ أو في علاج أمراض النفوس والعقول مثل الولي المقتدر الجبار: بويا عمر! مع الاستدراك فورا بأن وصفتهم الوحيدة هي البركة! إنما ما هي البركة على وجه الدقة؟ سؤال نتوجه به إلى القيمين على تدبير الشأن الديني وفي طليعتهم بكل تأكيد: وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية على اعتبار أنه قبوري طرقي له إلمام بما لم يكن بمقدورنا نحن أن نلم به كإلمامه؟
في كتاب “سلوة الأنفاس، ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس” نقف على درر، وحدهم القبوريون يتقنون الخوض في معامعها كما يتقن العوامون الغوص بحثا عن اللآلئ في أعماق البحار. ومنها قول مؤلفه ناقلا عن ابن الحاج في كتابه “المدخل”: “ما زال الناس من العلماء والأكابر، كابرا عن كابر، مشرقا ومغربا، يتبركون بزيارة قبور الصالحين، ويجدون بركة ذلك حسا ومعنى!
وبما أن الصالحين يعقدون كل سنة بغار حراء لقاء يتداولون فيه حول كل ما يجري في العالم! كما أخبرنا عبد العزيز الدباغ في “الإبريز”. فإن الموتى منهم مدعوون بدورهم إلى الحضور. فلزم أن يغيبوا عن أضرحتهم لفترة، فيحتاجون حينها إلى من يستقبل زوارهم بالنيابة! وقد يصاب أحدهم بمرض وهو ذاهب أو عائد من اللقاء بعد أن يكون محضر الجلسات قد أغلق وتم الإمضاء عليه! إذ هناك احتمال تعرضه لموت مفاجئ لوعورة الطريق، إن هو سافر على قدميه من المغرب إلى مكة المكرمة! وحتى مع افتراض كونه يستقل ظهر دابة كما جرى وصفها في كتاب “التشوف إلى رجال التصوف” لابن الزيات، فإن وقوع تلك الدابة نفسها في صحراء أو على سفح جبل، أو في واحة أو في واد، سوف يؤدي إلى موتها وإلى موت الولي الذي استقل ظهرها! فيصبح البحث عنه جاريا من طرف رفاقه في نفس البلد! ونظرا للقدرة الفائقة لرفاقه أولئك، فإنه لن يخفى عليهم المكان الذي لقي فيه حتفه! فنصاب نحن لما نتصور حدوثه بخصوص كيفية تصرف رفاقه! هل يحملونه إلى نفس ضريحه؟ أو يدفنونه حيث توفي فترفع على ضريحه قبة ثانية! خاصة وأن حديث الناس يدور حول ولي ذي قبتين؟ تكفي الإشارة هنا إلى المدعو سيدي ابراهيم أوعلي السوسي، الذي له قبتان: قبة في السهب غير بعيد عن ميرلفت على المحيط الأطلسي في الطريق إلى مدينة إفني! بينما قبته الثانية توجد بقبيلة إدوتنان؟
ومتى تم لرفاقه حمله إلى ضريحه الأول وهو ميت، فهل يمارس نفس نشاطه في مد قصاده بما حضروا إليه من أجله؟ مع أنه مات للمرة الثانية، وقد يخشى أن يموت للمرة الثالثة إن أعيدت إليه روحه، حتى يستطيع التواصل مع زواره! إذ لا يمكنه رفض الدعوة للحضور في أي تجمع يحدث كالعادة كل سنة، وربما يحدث أكثر من مرة في أماكن اخرى! فقد يحدث في أسا الزاك! أو في ضريح إدريس الأصغر في قلب مدينة فاس! كما أخبرنا الدباغ بكل ما قلناه عن ديوان الصالحين باختصار شديد!!! وهذه التساؤلات تحديدا نوجهها إلى القبوريين من جهة، وإلى العلماء والطرقيين ورجال الدولة وفي مقدمتهم وزير الأوقاف من جهة ثانية!
الموقع الإلكتروني: www.islamtinking.blog.com
العنوان الإلكتروني: [email protected]