أضحت بعض المنابر الإعلامية تستخدم بشكل ممنهج للهجوم على الثوابت والقيم، أو لنشر الأخبار الكاذبة والزائفة، أو للتهجم على المعارضين والنشطاء السياسيين والمدنيين التي تريد السلطة الحد من تأثيرهم على الرأي العام، عبر تشويه صورتهم وتلطيخ سمعتهم لدى عموم المواطنين والمواطنات داخليا وخارجيا،
وتعتمد هذه المنابر في ذلك على بعض الأحداث وتحريف الوقائع أو بالافتراء كليا ونشر الأخبار الزائفة بأسلوب يستشف منه اطلاع أصحاب تلك المنابر أو المقالات على بعض تفاصيل حياة ضحاياهم لا تكون متاحة إلا للجهات التي تملك بعض السلط الضرورية للنفاذ للمعطيات الشخصية للأفراد، أو تتوفر على إمكانية الولوج لوثائق غير متوفرة للعموم، أو تكون تلك المنابر مدفوعة بحقد سياسي أو إيديولوجي، يجعلها تستهدف القيم والهوية والمعتقدات والجمعيات الحقوقية والشخصيات العمومية أو المستقلة أو المعارضة.
وقد تخصصت عدة منابر في الهجوم مثلا على كثير من العقائد والشعائر والأخلاق والتشريعات الإسلامية، وانبرت أخرى للهجوم على الخطاب الديني الرسمي وعلمائه وخطبائه ورموزه، فحرضت على الخطب والخطباء، في حين تخصصت أخرى في الجماعات الإسلامية، سعيا لشيطنتها وتشويهها، وإلصاق كل النقائص بها، فلاحظنا استهداف تجربة العدالة والتنمية ونسفها وتسفيهها، سواء في شخص زعيمها بنكيران أو الحزب أو الحكومة، وشنت الحملة تلو الأخرى على جماعة العدل والإحسان، وأفردت منابر أخرى صفحاتها للتحريض ضد السلفيين بشتى تلاوينهم، واصفة إياهم بأقذع الأوصاف والنعوت والسب والشتم والتحريض على الكراهية والدعوة للتضييق عليهم وتهميشهم وحرمانهم من حقوقهم بل والدعوة لاعتقالهم.
منابر أخرى احترفت الهجوم على عدد من الأفراد كعبد الحميد أمين وخديجة الرياضي وحميد شباط والمعطي منجب وهشام المنصوري وحماد القباج وعبد الرحمن المغراوي وحسن الكتاني وتوفيق بوعشرين….
فإلى أي حد يمكن اعتبار ما تقوم به هذه المنابر حرية رأي وتعبير، وممارسة لدور الإخبار والإعلام.
إن دور الصحافي الأساسي هو احترام الحقيقة وخدمة مصالح المواطنين أولا. وهي المسؤولية التي تحظى بالأولوية أمام كل اعتبار آخر.
ودور الصحافة هو ممارسة سلطة المراقبة على السلطات وهي مسؤولية أيضا. إن الصحافي لا ينبغي أن يتقمص دور ضابط الشرطة أو القاضي، ولا أن يلجأ إلى هذه الأساليب، من التشهير والتحريض على الكراهية والتمييز والعنف. لأن دور الصحفيين ليس هو زيادة التوتر في المجتمع، ولكن هو إفساح المجال للنقاش الهادئ لعرض الجوانب المختلفة وكل وجهات النظر المتعلقة بالموضوع.
ولا يمكن لأي شكل من أشكال التعبير الصحفي أن يشتغل دون القواعد الأخلاقية، التي يجب أن ينضبط لها حتى المراسلون وكتاب الرأي. فمن الضروري أن يحترم الصحافيون القواعد الأخلاقية بـصرامة، ليستطيع الجمهور تمييز الدكاكين التي ليس هدفها خدمة الحقيقة بأمانة ومسؤولية، بل تقوم بممارسات لا تخدم إلا مصالح مجموعة أو حزب أو لوبي.
إن التوفيق بين احترام القانون دون الإساءة لحرية التعبير مع ضرورة احترام أخلاقيات المهنة، وبين الخدمة العمومية دون محاولة الإرضاء أو الإزعاج المتعمد، هو النهج الصحيح للانسجام مع أول التزام للصحافي باحترام الحقيقة. لأن هذا هو الأسلوب الموضوعي، أما الحياد فهو حرص الصحافي على بسط الحقائق دون تحيز ودون رغبة في التأثير على حكم القارئ.
إذا أقررنا أنه لا وجود لأخلاقيات الإعلام دون حرية، فلنذكر أن الأخلاقيات تعني المسؤولية الفردية والجماعية للصحافيين. فيجب أن تكون وسائل الإعلام حرة، أولاً، ولكن يجب أن تكون أيضا مسؤولة، حينها فقط يمكن أن نخرج من هذه الفوضى والتسيب. والقطع مع صحافة البروباغاندا والتحريض والتشهير.