أبشروا.. هناك من يحمي «تخلفنا»
مسرور المراكشي
هوية بريس – الإثنين 09 يونيو 2014
نعم هذه حقيقة لم تزدها الأيام إلا رسوخا، إن الدول الغربية تدعم بكل قوة المجهودات الرامية إلى إبقائنا دول متخلفة “الله إيجازيهم..”، في الحقيقة ما قصروا في هذا الميدان الله وحده القادر على مكافأتهم..
لقد اعتقدت بعض الشعوب الطيبة عربية وإسلامية، أن الأوروبيين والأمريكان حريصون على تقدمها ورقيها في كل المجالات “سياسية واقتصادية..”، المهم ما تركوا ميدانا إلا وخلقوا له منظمة ترعاه “..أطباء بلاحدود ـ مساعدات بلاحدود ـ حقوق الإنسان..”؛ لقد انخدع الجميع تقريبا بما فيهم النخب المثقفة.
لقد قام الغرب بمجهود حربي جبار من أجل استعمار الشعوب، وقدم تضحيات جسام في المال والأنفس، وبعد قرن من النهب والسلب، تحررت أغلب الشعوب المنتمية للجنوب وخاصة المسلمة، واليوم هل تعتقدون أن المستعمر سيترك هذه الشعوب تختار طريقها بعيدا عن الأفق الذي رسمه لها مسبقا؟ وهل هو مستعد للتفريط في مكتسباته التي من أجلها مات خيرة شبابه؟ الجواب مع الأسف لا.
إن الربيع الديموقراطي الذي هز عدة دول عربية، شكل صدمة استفاقت على إثرها الشعوب لتكتشف سوآت النظام العالمي الجديد، الذي بشر بدمقرطة هذه البلدان “المتخلفة”، فكان التدخل في عدة بلدان حيث دمرت كالعراق مثلا، فكانت الذريعة هي إعادة الحكم للشعوب والقضاء على الاستبداد، وكما يقول المغاربة: “سير مع الكذاب حتى لباب الدار”، وهذا يعني أن نسايره إلى النهاية لكشف كذبه، وأول الكاذبين دولة لفرنسيس أصحاب شعار “ليبرتي ـ إيكاليتي ـ فرتيرنيتي”، هذه الدولة يا سادة احتلت شمال إفريقيا “المغرب الجزائر وتونس” ولم تخرج إلا بالحديد والنار، وهي الحاملة للواء حقوق الإنسان، ماذا فعلت مع أول ثورة ديموقراطية بالمنطقة؟
ففي سنة 1992 فازت خلالها “جبهة الإنقاذ الإسلامية” بقارق كبير عن أول منافسيها، حزب “جبهة القوى الاشتراكية” لحسين أيت احمد، ولم يتبقى لها إلا الفوز بعدد قليل من المقاعد في الدور الثاني لتحكم الجزائر، وكانت الانتخابات ذات مصداقية شهد بها العدو قبل الصديق، حيث شكلت أول انتخابات ديموقراطية حقيقية في العالم العربي والإسلامي، فماذا كان رد فعل “ماما” فرنسا؟ هل استبشرت خيرا بنجاح الشعب الجزائري في أول انتخابات نزيهة وشفافة؟ بكل بساطة انحازت إلى الجيش الجزائري، وزودته بأسلحة فتاكة للقضاء على “الإرهاب” الديموقراطي، كما انخرط أغلب إعلامها وتماهى مع الانقلاب، ولما هب الشعب التونسي تلبية لنداء الشابي “إذا الشعب يوما أراد الحياة..” كانت فرنسا مع الطرف الآخر ضدا على اختيار الشعب، ولما بنعلي “اهرب” بادرت إلى تهنئة الشعب التونسي
الثائر، إنه النفاق الواضح الذي يصيبك بالغثيان، يحكى أن أحد الأشخاص أراد الشرب من نهر جار فلما انحنى سقطت خبزة من “قبه” في النهر ولما حاول اللحاق بها خشي على نفسه من الغرق فقال: “سيري صدقة على الوالدين”، إنه نفس المنطق الذي استعملته فرنسا، فعندما انتصر الشعب هنأته حفاظا على مصالحها فقط، ومن هنا يجب على الشعوب أن تعي الدرس الجزائري، لكن مع الأسف الشديد لازالت الشعوب في دار “غفلون” وتظن أن الغرب سيقاتل معها جنبا إلى جنب من أجل استرداد حريتها، والمثل المغربي يقول: “المكفية عليه قفة الله يزيدو اشواري”.
الكاذب الآخر أمريكا: لقد دعمت الانقلاب من “تحت الدف” لأن النفاق يمنعها من التعبير بشكل علني عن قبول خيار الشعب المصري ربما لازال فيها بعض “الحياء”، لهذا استأجرت بعض دول الخليج ـ”المقزدرة..الله يعطينا وجاهم..”ـ لدعمه ماليا وإعلاميا، وعجزت كل معاهدها في وصف ما جرى هل هو انقلاب أم ثورة أم خليط من هذا وذاك؟ وبعد 10شهور من القتل والاعتقال وتكميم الأفواه، انتفض الشعب المصري في آخر استحقاق رئاسي، وصفع أمريكا ومن والاها بمقاطعة حضارية لمهزلة الانتخابات، لقد سألوا أحد المصرين عن أيهما أفضل انتخابات مرسي أم السيسي؟ فأجاب لا انتخابات السيسي أحسن لأن الأولى كانت “زحمة أوي..” طبعا بلهجة أهل الصعيد، فما كادت المسرحية تنتهي حتى بدأت الصحافة الأمريكية تلتفت إلى الحقيقة المرة، إنه الرفض الشعبي لمرشح العسكر وخريطته، وسننتظر بلاغ البيت الأبيض يهنئ فيه الشعب المصري بنجاح ثورته، لقد فعلتها فرنسا من قبل مع تونس، وستعيدها أمريكا تشابهت قلوبهم.
سأكتفي بنموذجين من الكاذبين لأن المقال لا يحتمل المزيد، وخلاصة القول أن الغرب يحمي فعلا “تخلفنا” فلا يمكنه تشجيع الديموقراطية إلا بالقدر الذي تضمن له مصالحه “الاقتصادية والسياسية والثقافية..”، إنه يريد هذه الدول مجرد سوق لبضاعته، يعني أن يكون “كحل الرأس بوقنوفة” مجرد بلعوم ومعدة وما تحتها، ببساطة “كول أو انشط لا تفكر”، إذا أردت ساعة فسويسرا موجودة وإذا أردت “ويسكي” فماما فرنسا موجودة -وإذا أردت “همبركر” فالعم سام موجود- وإن رغبت في سيارة فألمانيا موجودة، إذن هل رأيتم أحسن من هذا التخلف المحمي والمدفوع الأجر مسبقا؟ إن الحرية أيتها الشعوب مهرها غال فهي ليست منحة من أحد، لقد علقت صحيفة “الأندبندنت” الإنجليزية على الانتخابات الرئاسية بمصر، وخلصت إلى أن فوز السيسي ينهي الربيع العربي، ربما هذا ما تتمناه أوروبا وأمريكا، لكن هيهات أن يسلم الشعب المصري لهذا العسكري الفاشل قيادة مصر الثورة، وشيء أخر أن الربيع الديموقراطي لا يرتبط بشخص السيسي أو “سوسو”، فهو روح التحرر والانعتاق من ربقة الاستبداد والعبودية، قد يخبو في دول لكنه كالجمر تحث الرماد لا يلبث أن يتوهج عند أول هبة نسيم..
وابا لمعطي راه النصارى أو المريكان بغا ولينا غير الخير أو لخمير أو الرزق لكثير، شوف أولدي راه الديب عمرو ميكون سارح للخرفان…