مواطن عريضة وإعلام «هاكا هاكا»؟؟
الحبيب عكي
هوية بريس – الإثنين 16 يونيو 2014
1- مواطن مسكين:
كان الله في عون المواطن “دا أحمد” فقد كان التلفاز العجيب في ركن بيته الغريب يمطره كل يوم بوابل من كل أخبار الدنيا وكوارثها وبكل اللغات وعلى كل الإيقاعات إلا خبرا كان يهمه وينتظره دون جدوى، ألا وهو خبر حماره المسكين الذي فقده منذ مدة، وما خلفه ذلك من اضطرابات متوالدة في حياته البدوية والشبه حضرية على السواء؟؟
لكن يبدو أن المعركة في “سوق الأربعاء” بهرجها ومرجها قد غطت على كل المعارك، ولا تزال حامية الوطيس بين كتيبة من وزراء السيد بنكيران وجيوش من العفاريت والتماسيح التي لم تجد بدا من “التسيف” بصفات الإنسان لمواجهة الإنسان بل وانتحال ألقاب المثقفين والفنانين وغيرهم من الفاعلين والمصلحين لعل زعمهم يسعفهم ويشفع لهم في كسب شيء من ود الناس والاصطفاف إلى صفهم حتى تدوم لهم الغلبة المزعومة ويدوم لهم ما ألفوه من التسلط والامتياز والعيش الرغيد ولو بالاصطياد في الماء العكر وعلى حساب الأغلبية الصامتة وهموم الشعب؟؟؟
ولئن كان السيد “بنكيران” قادرا على الدفاع عن نفسه والتمثيل بخصومه، ولئن كان السيد “الرميد” سالكا بعدله وحرياته العامة وكان السيد “الشوباني” قاب قوسين أو يكاد من تحقيق الحلم المدني المغربي فأهديت له 13 مارس كعيد وطني للمجتمع المدني، فإن السيد “الخلفي” لازال يجدف بكل قواه في أوحال البحر الهادر- قيلة يسلك قيلة يغرق- رغم أنه سباح ماهر لا يخاف عليه لأنه كما يقال من أعماق البحر ولد وعلى شواطئه تربى وبين مراكبه ترعرع؟؟؟
2- عريضة مريضة:
“إن الإعلام الوطني في واد.. وهوية وقيم المغاربة في واد آخر، واللهم إن هذا منكر، نحن لا نريد أن نسأل يوم القيامة عن أشياء لا دخل لنا فيها“؟؟؟ ما أن قالها السيد الخلفي مدوية في “سوق الأربعاء” يبتك بها آذان المشوشين على الإصلاح حتى قامت قيامة بعض العفاريت والتماسيح الآدمية فأنزلوا بينهم بسرعة مغرضة وديمقراطية “شيطونية” عريضة للتوقيع ضد السيد الوزير وتصريحاته التي لم يروا فيها غير وصاية على الإعلام والتضييق على الإعلاميين، ومحاولة يائسة “لأخونتهما“، ترى هل بالغ السيد الخلفي أم أن العريضة لا ترى ضيرا في أن يستمر المغاربة في تمويل إعلام مستلب من قوت يومهم هو ضد هويتهم وأخلاقهم، يعتم على قضاياهم ويحتقر ذكاءهم، ويفسد ذوقهم ويكون سببا في انحراف أبنائهم بالتطبيع مع العنف والجريمة وميوعة المواخير المنبوذة؟؟ إن العريضة كما قال السيد الوزير تتبنى هوية غير مكتوبة في الدستور ولا يعرفها المغاربة في الواقع، وتتبنى انفتاحا هو في الحقيقة استلابا وترويجا لقيم العولمة المتوحشة، مما لا يدع مجالا للشك من أن أصحاب العريضة المريضة إنما هم ضد الإعلام الهادف لا معه وضد الإصلاح الواجب وليس معه، ولا يهمهم في الأمر كله كما تبين الآن إلا أنفسهم وغيهم ومنتوجهم الإعلامي وما يعود به عليهم من ملايين الدراهم التي قد تبيض رداءته واستلابه و غرابته، الشيء الذي أوقفته آلة الإصلاح بالشفافية بين طلبات العروض ومحاربة الفساد والاستبداد والريع الإعلامي، ما مس متزعمو العريضة ولكنه عاد على الشعب وخزينة الدولة حتى الآن بحوالي 500 مليون درهم؟؟ ولمن أراد التأكد هذا رابط صرخة السيد الوزير على اليوتوب:
http://www. youtube. com/watch?v=ZevQzPmQaBM
3- “هاكا هاكا” بين دفاتر 12 ودفاتر التحملات؟؟:
مع الأسف لم يشفع للسيد الوزير لا مسؤوليته الوزارية ولا شرعيته الانتخابية ولا دراسته الميدانية المسبقة ولا خطواته القانونية والدستورية من أجل الإصلاح ولا منهجيته التشاركية والتشاورية ولا حواره الوطني حول القيم والإعلام ولا افتحاصه العملي ومذكرته التحسيسية التي رفعها إلى القنوات الوطنية المعنية سنة مضت؟؟ لم تشفع له دفاتر تحملات تعتبر بحق إنتاجا مغربيا صرفا لم ينزل إلينا من السماء ولا هرب إلينا من الخارج و عبر الظلام، بل شارك فيه وعبر حوار وطني ولقاءات ومنتديات ومذكرات مهنيون ومستثمرون وجمعويون وبرلمانيون و”هاكا هاكا”..؟؟
دفاتر تحملات عملية وغير مسبوقة تعمل على إيجاد إعلام وطني قوي تنافسي يرتقي إلى مستوى الخدمة العمومية والمتاحة للجميع، في شكل تلفزة وطنية لكل المغاربة، إعلام له قضايا محددة وهادفة وعلى رأسها الانخراط القوي في مشاريع تنزيل الدستور وما يتوجبه ذلك من فتح نقاش عمومي حي وصادق من وإلى الجميع، إعلام يشجع ثقافة الحقوق والحريات وينصف المرأة ويحمي الجمهور الناشئ، إعلام المهنية والحرفية وتنمية الموارد البشرية والعناية بها، في إطار من المبادرة والعدل والإنصاف والشفافية بين شركات الإنتاج وربط المسؤولية بالمحاسبة ومحاربة الريع الإعلامي والفساد والاستبداد، إعلام الهوية والقيم والأخلاق والتعددية السياسية واللغوية واللسانية والفئوية، إعلام الأسرة والقرب وتشجيع المواهب والترفيه… تكون فيه الأولوية للمنتوج الوطني 44% والتحدي الإخباري 36% والانفتاح على الأجنبي 10% إلى 20%، مع احترام الهوية والقيم والجمهور الناشئ، إعلام بمنظور شمولي ومتكامل لا يشمل القنوات والإذاعات الوطنية فحسب بل يتعداها إلى قانون الصحافة والإعلام السمعي والالكتروني وحتى المهرجانات وهذا ربما ما يتخوف منه المغرضون ممن ألفوا الاستثمار في الإعلام الفاسد؟؟؟ وهذا رابط على اليوتوب لمداخلة السيد الخلفي في البرلمان حول دفاتر التحملات:
http://www. youtube. com/watch?v=Y0NRUUKH1Jg
4- هل بالغ السيد الوزير في وصف الاعلام الوطني؟؟:
لا أظن أن السيد الوزير يعتقد فعلا أن قناة السادسة وإذاعتها هما النموذج الأمثل للإعلام الوطني، فهي منابر إعلامية متخصصة، تحترم الناس وذوقهم وتمتح من عقيدتهم وتراثهم وتعمل على تنمية دينهم ودنياهم.. لهما جمهور واسع ولا شك ولكنهما لا تتوفران على العديد من المواد الإعلامية كما جاءت بها دفاتر التحملات وكما يحتاج إليها الناس في حياتهم (كالأخبار والسياسة والتحاليل والفن والرياضة والترفيه وغير ذلك مما هو من أغراض الإعلام الهادف)؟ ولكن قد يشفع لهما اختيارهما التخصصي، لذا لنا الحق أن نقول ولكل من يهمه الأمر كما قال السيد الوزير: “إن هويتنا وقيمنا وأخبارنا وتواصلنا ورأينا العام في واد… وإعلامنا وقنواتنا ومنابرنا في مجملها في واد آخر”؟؟؟ من هنا نتساءل وكجمهور تحرر من مجرد الاستهلاك والتلقي الإعلامي إلى شيء من التعبير والمشاركة في الشأن الوطني، بل وانفتح ولو بمقدار على منظومات إعلامية متعددة وكما هو متعارف عليه دوليا، نتساءل أية قضية جلية وجليلة يتبناها اليوم إعلامنا الوطني؟ أين قضايا الأمة الوثائقية والثقافية والتاريخية والاجتماعية الأصيلة قبل السياسية والاقتصادية المتصدعة؟ ما مصداقية خطه التحريري ونهجه الخطابي في ذلك؟ ألا يمتح بكل بساطة من قاموس إعلام الهيمنة المتحامل المغرض والذي لا يجد حرجا في جعل العدو صديقا يدافع عنه والصديق عدوا يحارب ضده (إسرائيل وفلسطين نموذجا)؟ أين هي المهنية والحرفية و مشاركة المواطن وبمعايير الجودة كما هي متعارف عليها دوليا؟ أين هي ثراء التعددية السياسية واللغوية واللسانية والفئوية والمجالية في ذلك؟ لماذا الحق في الإعلام الوطني السمعي والبصري لم تنله إلى اليوم مناطق جغرافية من الوطن ولم تصلها تغطيته؟ أين المنتوج الوطني في قناة تبث في اليوم 8 مدبلجات أجنبية سخيفة مقابل 2 مسلسلات مغربية مجرورة ومكرورة؟ لماذا المرأة في الإعلام أغلبها لا يخرج عن الممثلات والمغنيات والرياضيات ويظفرن من مساحة البرمجة ما لا يظفر الفقهاء والعلماء والخبراء والمبدعون ولو بعشر معشاره؟ أين حماية الجمهور الناشء وإعلامنا لا يكف يمطره بالغريب من المدبلجات السخيفة والسلسات الكرتونية التي لا تكف تزرع في أبنائنا التطبيع مع العنف والانحراف السلوكي والميوعة والإباحية والمخدرات والاستهلاكية والأنانية المدمرة؟ لماذا يتقزز المواطنون من “سيتكومات” رمضان ويودون لو لم يفرض عليهم ذوقها الرديء ومزاحها الغليظ لا أثناء الإفطار ولا بعده؟ لماذا يهجر المواطنون قنواتهم إلى القنوات الأجنبية رغم ما يعلمونه في ذلك من خطر الأسر والاغتراب عليهم؟ لماذا هذه القنوات الأجنبية تخبرنا وبإسهاب عن أدق التفاصيل في حياتنا وأحداثنا المغربية مما تتغافل عنه أو تعتم عنه أو تضللنا فيه قنواتنا؟؟؟
5- في انتظار الذي قد يأتي ولا يأتي:
وفي الحقيقة رغم أننا ألفنا الانتظار في كل شيء، ورغم أن مشهدنا الإعلامي مفلس أو يكاد، إلا أننا لا ننتظر شيئا في اتجاه الإصلاح، لا لأن دفاتر التحملات قد هربت وأصبحت صيحة في واد ونفخة في رماد، وليس لأن “هاكا هاكا” منشغلة برقصتها “هاكا هاكا” ولا تتفرج أصلا على التلفاز، وليس لأن من نخبنا مع الأسف أمثال أصحاب العريضة المريضة والمستثمرين في الريع الإعلامي، أناس يعتقدون أن كل شيء في أمبراطوية المال والإعلام عندهم مباح، فمن يملك الإعلام يملك كل شيء، وليس عبثا أن كانت دار الإذاعة والتلفزة في أي بلد أول ما يسيطر عليه الانقلابيون أيام الانقلابات؟ وليس عبثا أن قيل أن الناس على دين إعلامهم، وليس عبثا أن أعزيت بطولة تحولات الربيع العربي إلى وسائل الإعلام الحر والبديل وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي، وهي كذلك اليوم لا تزال متاحة تستقطب جحافل اللاجئين الفارين من كوارث الإعلام العمومي؟؟؟ معوق الإصلاح الأخطر والأكبر كما يقول المحللون هو: “الجنيرالات” التي ما زالت تعين على رأس الإعلام بظهائر على بياض وليس مفروضا عليها التناغم مع الحكومة ومخططاتها ومشاريعها وبرامجها و وزرائها ورؤيتها الإعلامية والإصلاحية، بل التناغم فقط مع أولياء نعمها وعفاريت التحكم فيها وتماسيح التنكيل بها، كل هذا خشية أن تستولي الحكومة على الإعلام الرسمي وتحوله من إعلام الدولة إلى إعلام الحكومة والمجتمع أو ربما إعلام الحزب الضيق، وهذا وهم وأخطر ما يقف ضد الإصلاح لأنه كما يقول توفيق بوعشرين في مقال له في الموضوع: “متى كان إعلامنا مستقلا حتى تستولي عليه الحكومة“؟؟
6- يحسن عوانا وخلاص:
وليكن الله مرة أخرى وألف مرة في عون “دا أحمد” فالتلفاز المشغل ليل نهار ليس لم يأتيه بخبر حماره المفقود فحسب، بل ضلله في خبر تخفيض أسعار المواد الاستهلاكية التي وجد فيها زيادة مفاجئة عند البقال، فلما احتج عليه “دا أحمد” المسكين بخبر التلفاز بالأمس جمع البقال سلعته بكل بساطة وقال له: “اذهب واشتري في التلفاز“، عاد الرجل من حيث جاء متثاقل الخطى يجر خيبته لكن عزاءه أن التلفاز الذي خيب أمله على الدوام حاول اليوم أن يسعده ترى هل يصدق؟ لقد جاءه بخبر ابنته التي من كثرة إدمانها على المسلسلات المدبلجة والمدججة أرغمته على أن يشتري لها كسوة كانت لباس إحدى البطلات في أحد المسلسلات، واليوم ارتدتها وأعطتها شهرة فاضحة في مسابقات “استوديو 2An“، تزوجت على إثرها في برنامج “لالة العروسة” من شاب صنع ثروة وهمية من البرنامج الكوميدي “الزفوط“، ربحوا دارا بمجرد رسالة قصيرة أرسلوها إلى “الرقم الإسفلتي” لاتصالات المريخ، وجهزوها من خيرات “بار وديكور“، كما ربحوا سيارة رباعية الدفع من نفس الألاعيب التي دوختهم إلى درجة مسخوا فيها كثيرا فشاركوا بدون حرج في “مدام مسافرة“، علهم يظفرون بشيك يؤدون به واجبات تمدرس الأبناء في التعليم الخصوصي والساعات الإضافية، لكن المشاركة وما شابها من وقاحة أفاقتهم من غيبوبتهم وتصدعت على إثرها حياتهم فحاولوا اللجوء إلى “الخيط الأبيض” قصد المصالحة دون جدوى، لتتدخل فيهم “مداولة” طولا وعرضا بدعوى أنها تعمل عملها، شتتهم فغادر الزوج بيت الزوجية تائها في الأرض، وعبثا حاولت الزوجة بعدها العثور عليه في “مختفون“، ولكنه لم يظهر بعد طول غياب إلا في “أخطر المجرمين“، وهو يصيح: “صدق أبي.. هذا ما جنا علي التلفاز“، جن الولد أما الوالد فما زال يصيح: “أين حماري يا تلفاز.. أين أسعاري.. أين قريتي أين جمعيتي..“؟، وأما الوالدة فقالت: “كون هدى الله هذه الحكومة اللي بغات تصلح، كون تصلح لنا غير هاذ الويلة من التلفة“، يعني أن الحكومة يكفيها إصلاحا لو أصلحت لنا الإعلام فحسب، وهو ما يحاول السيد الوزير فعله جاهدا، ولكن لا نامت أعين العبيد المستبدين المستلبين من العرضيين المغرضين؟؟؟