د. رشيد نافع: نصرنا يكمـن في وحدتـنـا
هوية بريس – د. رشيد نافع الصنهاجي
لقد تحققت لخصوم الإسلام بعض أحلامهم في تقسیم الأُمة الإسلامیة إلى دویلات متناثرة، تفصل بینها حدود جغرافیة، وترفرف في سمائها شعارات القومیة، وتحكمها قوانین وضعیة، ولم یتوقف الأمر عند هذا الحد، بل نجحوا أیضاً في إشعال فتیل الفرقة بین أبناء المسلمین، فسرت الفتنة في كیان الأُّمة، ودبَّت في أركانها، فوهنت الأَّمة بعد الشدة، وضعفت بعد القوة، وهذه سنة ربانیة لا تتبدل ولا تتغیر، قال تعالى: “وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله وَلَا تَنَازَعُوا فتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيحكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ” الأنفال46، فالفرقة تؤدي إلى التنازع والفشل والضعف ثم ذهاب القوة، وهذا على المستوى العام والخاص.
ویدلك على هذا أیضاً: ما قام به فرعون، حیث خالف بین الناس وفَّرقهم؛ وذلك لإضعافهم وإذهاب قوتهم، قال تعالى: “إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ” القصص4.
فالفرقة سیاسة خبیثة ماكرة، أوُل من سنها فرعون، وها هم أعداء الإسلام على سنة فرعون متبعون، وعلى نهجه سائرون، فهم یعلمون یقیناً أن وحدة المسلمین هي سر قوتهم، فلهذا یسعون حثیثاً لزرع بذور الفتنة والاختلاف والفرقة بین المسلمین، وهذا یؤدي بدوره إلى إضعاف المسلمین، بل ربما یصل الأمر، إلى الاقتتال، وهذا ما یریده أعداء الإسلام، وقد روى ابن إسحاق وأبو الشیخ عن زید بن أسلم قال:
“مرَّ شاس بن قیس -وكان یهودیاً- على نفر من الأوس والخزرج یتحدثون، فغاظه ما أرى من تآلفهم بعد العداوة، فأمر شاباً معه من یهود أن یجلس بینهم فُیذِكرهم بیوم بعاث ففعل، فتنازعوا وتفاخروا حتى وثب رجلان: أوس بین قیظى (من الأوس)، وجَّبار ابن صخر (من الخزرج) فتقاتلا، وغضب الفریقان وتواثبا إلى القتال، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حتى وعظهم، وقال: أبدعوى الجاهلیة وأنا بین أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة، ونزل قوله تعالى: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ” آل عمران 103.
فتلا علیهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآیة، فندموا على ما كان منهم واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح”.
ونلحظ في هذا الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الفُرقة والاختلاف بین المسلمین “دعوى جاهلیة” فقال صلى الله عليه وسلم: “أبدعوى الجاهلیة وأنا بین أظهركم”؛ لأن الجاهلیة فرقت بین العباد، ومزقت وحدتهم، فصنم ربیعة غیر صنم مضر، ومعبود ثقیف یختلف عن معبود قریش، وإله أهل الیمین غیر إله أهل الشام.
ولذلك كان هناك تناحر وحروب بین القبائل أدت إلى هلاك الحرث والنسل، ثم جاء الإسلام ووحد الأّمة تحت رایة واحدة رایة الإسلام، وجمع شتاتهم وتفرقهم؛ فكانوا كالبنیان یشد بعضه بعضاً أو “كَأَنهم بنيان مرصوص” الصف 4، وأصبحوا أُمة واحدة، وإخوانا متحابین بعد أن كانوا شراذم متفرقین، وهذه نعمة من رب العالمین، كما ذكر في كتابه الكریم فقال: “وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا”.
فالإسلام یدعو إلى التآخي وجمع الكلمة ووحدة الصف، وینشد الألفة والمحبة بین المسلمین، وهذا أول ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة، حیث آخى بین المهاجرین والأنصار، وبهذه الأخوة ذابت عصبیات الجاهلیة، فلا حمیة إلا للإسلام، وسقطت فوارق النسب واللون والوطن، فلا یتقدم أحٌد أو یتأخر إلا بمروءته وتقواه، وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأ خوة عقدا نافذاً لا لفظا تثرثر به الألسنة ولا یقوم لها أثر، فعندما قام النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة بین عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه من المهاجرین، وسعد بن الربیع رضي الله عنه من الأنصار.
“قال سعد لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم مالي نصفین، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إلیك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لَك في أهلك ومالِك، أین سوقكم؟”.
وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من المؤاخاة بین المهاجرین والأنصار، والأوس والخزرج؛ سیاسة صائبة حكیمة، وحلا لكثیر من المشاكل الداخلیة، وضمانا لعدم الفرقة والانشقاق والاختلاف بین صفوف المسلمین وجمع شملهم، فالإخاء بین المسلمین هو أساس النجاح والنصر والتمكين، وأصل لكل تَقدم، لأنه لا یمكن أن یتصور لدولة أن تسود وتقود وأفرادها في تشتت وتنافر وتناُزع، إذ كیف یتم التعاون بین ضدین والتآزر بین نقیضین؟ وما حدث للمسلمین الآن من فرقة وضیاع؛ ما كان إلا بسبب التفرق والتشتت وعدم جمع القلوب على كلمة سواء، فـأعـداء الإسلام یمِزقــون الأمة، ویفرقون بین أبنائها، والإسلام جاء لیجمع الكلمة، ویوحد الصف، وهذا ما تجده في كثیر من الآیات القرآنیة والأحادیث النبویة.
ویؤخذ من الأثر السابق أیضاً: أن ما فعله شاس بن قیس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم یفعله الآن أعداء الإسلام في كل العصور وفي كل الأمصار، لكن هناك فارق بین شاس الیوم وشاس الأمس، فقد كان شاس الأول فردا ضعیفاً ضئيلا، لا یملك من الجاه والمال والسلطان، أما شاس الیوم فیتمثل في دول كبیرة، ذات قوة وعتاد وجاه وسلطان، لكن شاس الیوم وشاس الأمس یتفقان في الغایة، وهي هدم الإسلام، وتمزیق أهله، وإحیاء العداوات التي أطفأ الله نیرانها من قبل، وإذكاء نار الخصومة والبغضاء بین المسلمین، وتفریقهم أُمما وشیعاً وجماعات، كل حزب بما لدیهم فرحون.
وختاما: إذا ما أردنا أن يتحقق لأمتنا ما قرأنا من مبشرات في نصوص الوحيين فما علينا إلا الثقة بالله سبحانه وتعالى والثقة بوعده، وأنه سبحانه سيعلي هذا الدين وينصره ويمكن له في الأرض إن عاجلاً أو آجلاً، فإن حساب الزمن ليس عند الله شيئا، فمن المعلوم أن اليوم عند الله يساوي ألف سنة مما نعد نحن، فلا ننظر بمنظار الأعمار البشرية، بل ننظر إلى المنهج الذي ينتصر ويبقى، وننظر إلى الزبد الذي يذهب جفاء في الأرض.
لابد أن نكون واثقين من أن الله سينصر هذا الدين مهما ضيق عليه، ومهما حورب دعاته، ومهما وقف في وجوههم، ومهما وضعت في طريقهم العراقيل، فإن النصر حليفهم إن عاجلاً أو آجلاً، فالحق يبتلى أولاً، ثم يمكن له وينصر. وكم من المحتسبين والمصلحين والعلماء ابتلوا حتى ظن الناس أنهم قد هلكوا وفشلت دعوتهم، فإذا بهم تنقلب في طريقهم المحن إلى منح، ويضع الله لهم القبول في الأرض والتمكين والنصر.
يجب علينا كمغاربة التوحد حول رؤية الملك ونكون معه على قلب رجل واحد،وننفض أيدينا من هذه الأحزاب والزعامات الفارغة التي قادتنا دوما بوجهين،وجه جميل بالمناكير قبل الترشح ووجه بشع بلا مناكيربعد،ومن هنا نبدأ الصعود في سلم المجد والإصلاح،فنحن نعاني من تشتت الجهد والفكر بسبب كثرة القيادات والزعامات الفارغة،بينما هناك زعيم وقائد واحد يجب أن نسمع له ونجمع الجهد حوله هو الملك محمد بن الحسن،إن الملك هوالقطب والمحور والمدار والنجاح مربوط به ربطا لأن فيه أمر من الله بطاعته،والإلتحام بالملك سيعطينا كل قوة وقدرة في جمع كلمة المسلمين والعرب والقضاءعلى خلافاتهم.