د. وراضي يكتب: مع خزعبلات السفير الإماراتي في واشنطن!!
هوية بريس – د. محمد وراضي
يتعلق الأمر هنا بالمدعو يوسف العتيبة. سفير الإمارات العربية المتحدة بواشنطن. هذا الذي نصب نفسه ناطقا باسم دول الحصار العربية. وهو بهذه الصفة، إما أن يكون قد نقل إلى العالم علانية ما تم الاتفاق عليه بين قادة هذه الدول المتهة لقطر بتمويل الإرهاب، وإيواء الإرهابيين. أو يكون قد انجر إلى تعميم قناعته العلمانية التي يراها وحدها – كبقية العلمانيين المتنطعين- وسيلة ممكنة ومضمونة للانتساب إلى عصرنا الحالي. عصر التقدم العلمي والصناعي والتقني والفكري والسياسي. فقد صرح بأن الخلاف مع قطر، ليس دبلوماسيا. وإنما هو فلسفي بشأن مستقبل الشرق الأوسط؟ فما تريده الدول المحاصرة لقطر، هو أن تظل علمانية كي تكون مستقرة مزدهرة! عكس ما تريده دولة قطر المتطلعة إلى تعزيز دعائم النظام الإسلامي، الذي لم يعد مجديا ولا مناسبا للوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي في عالم اليوم. فكما فصل الغربيون السلطة الروحية عن السلطة الزمنية فتقدموا، وجب على المسلمين الفصل بين الدين والدولة، كي يدركوا بدورهم قمة الحداثة والمعاصرة؟
وريثما نزيل الغموض الذي لابس مفهومي “السلطة الروحية والسلطة الزمنية” من ناحية، و”الدين والدولة” من ناحية ثانية، نؤكد على أن فصل “السلطة الروحية عن السلطة الزمنية” ليس هو بالتحديد فصل “الدين عن الدولة”؟ وهاكم أدلتنا التي سقناها في أكثر من مقال. كما سقناها مفصلة في آخر كتاب لنا: “الأقلية الخادعة عبر التاريخ حامية للفكر الظلامي السلطوي والسياسي”.
فما أوضحناه، وما نشرع الآن في توضيحه، هو أن “السلطة الزمنية”، لا تعني الأحكام الشرعية العملية المأخوذة، إما من العهد القديم “التوراة”، وإما من العهد الجديد “الإنجيل”. فالغرب الأوربي بكافة دوله سليل الإمبراطورية الرومانية المعتمدة في تسيير شؤونها على القوانين الوضعية. وحتى عندما تم لأغلب الأوربيين اعتناق المسيحية، بعد أمد طويل من اضطهاد أتباعها، لم يحصل التخلي عن تطبيق ما وضعه ويضعه الرومان من قوانين، لتحل محلها الأحكام الدينية المنظمة للعلاقات الخاصة والعامة لسببين اثنين:
1ـ لا وجود للأحكام الشرعية العملية في الأناجيل الأربعة المعروفة. يقول الشهرستاني في “الملل والنحل”: و”الإنجيل النازل على المسيح عليه السلام لا يتضمن أحكاما، ولا يستبطن حلالا ولا حراما، ولكنه رموز وأمثال، ومواعظ ومزاجر، وما سواها من الشرائع والأحكام، فمحالة على “التوراة”.
2ـ نتحدى العلمانيين أن يقدموا لنا ولو حجة واحدة، على أن الأوربيين طوال حياتهم المديدة، وخاصة حينما تنصروا، نظموا حياتهم الخاصة والعامة بما ورد في “التوراة” من شرائع وأحكام؟؟؟
وبما أن هذه الشرائع وهذه الأحكام الواردة في العهد القديم (= التوراة)، لم يطبقوها. وبما أن العهد الجديد (= الإنجيل)، لا يتضمن غير ما وصفه الشهرستاني، صح أن الاحتكام إلى غير شرع الله هو الذي جرى به العمل لدى الأوربيين. مما يعني أنهم علمانيون حتى النخاع منذ أقدم العصور؟ وأنهم لم يحتكموا قط إلى أي شرع سماوي منزل؟ بل إننا نذهب بعيدا في هذا السياق إلى حد عنده ندعي أن المجتمعات والدول التي تحتكم إلى غير شرع الله علمانية الهوية وإن لم تكن أوربية بالضرورة؟
إنما من هم الذين ابتدعوا مفهوم “السلطة الروحية” في مقابل مفهوم “السلطة الزمنية”؟
كان الرهبان في أول أمرهم يلجؤون إلى الصوامع والخلوات البعيدة، كتعبير منهم عن الزهد الذي يعني التخلي عن الدنيا ومباهجها. ثم كان أن تم لاحقا تأسيس الأديرة التي على نهجها أسست الزوايا عندنا؟ حيث يشرف على تسيير شؤونها راهب متميز (= شيخ الطريقة). ثم كان أن أدركت المؤسسات الديرية ذروة تطورها في مسمى الكنائس، ثم بعدها في مسمى البابوية. حيث حدث توزيع المسؤوليات والمراتب الوظيفية الدينية. وكأن الواقع الأوربي يقدم لنا دولة قائمة الذات. وظيفتها حماية الدين وشرحه والترويج له استنادا إلى الأهواء والميولات، التي أدت بغياب العقلانية لدى أصحابها إلى تشويه الإنجيل نفسه بالنواقص والزوائد (= فعل المتصوفة والطرقيين والمشعوذين بالإسلام). فكان أن تم ابتداع ما وقف وراءه المعروفون برجال الدين؟ إنه مجموعة من التصورات اللاهوتية، والأوامر والنواهي التي أصبحت معروفة على الصعيدين: النظري والتطبيقي ب”السلطة الروحية”. هذه التي لا علاقة لها بإنجيل عيسى عليه الصلاة والسلام.
وبما أن الجهل كان هو السائد في أوربا العصور الوسطى، وضع الأوربيون ثقتهم العمياء في رجال الدين بمراتبهم المختلفة. فكان أن استأسد هؤلاء الرجال إلى حد أن البابا يتحكم في الأمور الدينية والدنيوية. ومن جملة وسائله في السيطرة والطغيان، ادعاؤه القاضي بكون غير رجال الدين من المفكرين والعلماء يحرم عليهم الخوض في القضايا الدينية في الجملة. وازدادت الأوضاع سوءا حينما وصل تبرم ممثلي السلطة الزمنية إلى أقصى مداه. فكانت جولات وصراعات تلو أخرى بين ممثلي السلطتين. وكان الانتصار في النهاية للمتسلحين بالعقل الناقد الذي عجل بانتصار العالمانيين على الكهنوت الكنسي المقيت الذي حال دون الأوربيين والانطلاق في درب النهضة المتوقعة.
لكننا نحن المتدينون بالإسلام كآخر رسالة سماوية، لا نعرف أي صراع بين مؤسسة دينية ترفع شعارات معادية للحكام الذين لم يعتمدوا على غير الدين المقدس لدى الجميع. فالأحكام الشرعية العملية عندنا هي مدار النظام الإسلامي الذي لم يتقدمه نظام آخر مثله. فعندنا أن الأحكام التي يتم بها تسيير شؤون الدولة مصدرها الكتاب والسنة أولا، ثم الاجتهاد انطلاقا منهما ثانيا، مما يعني أن ديننا قائم على أساسين مشروعين: النقل الصحيح والعقل السليم.
ونبينا وقائدنا في العمل الدنيوي والأخروي، نبهنا إلى أن الكتاب والسنة، لا يشتملان على كافة الأحكام والاعتبارت والانطباعات والانتظارات التي ترافق الإنسان على مدى تاريخه، الذي يعرف جديد القضايا والأحداث والمشاكل. فكان أن فتح رسول الله باب اعتماد العقل على مصراعيه، وإلا توقفنا كمسلمين خاصة، وكبشر عامة، عن استخدام عقولنا لمعرفة مسارات كل مستجد، لا نتصور وقوفه ونحن على قيد الحياة، لقرون تلو أخرى إلى نهاية العالم، أو إلى فنائه.
لكن العلمانيين -وفي طليعتهم الإماراتي يوسف العتبة- يريد من دول الحصار الأربعة، أن تسقط الشريعة باعتبارها لا تمت إلى العقلانية بأية صلة، لأنها بإسقاطها، توقف التطلع القطري إلى حمايتها والدعوة إلى العمل بها، وبذلك تكف عن استقبال الدعاة المجاهدين لجعل كلمة الله هي العليا في الوقت الذي نشهد فيه بأدلة واضحة، كيف أن كلمة العلمانيين المستهزئين بالدين، أصبحت في أسفل سافلين؟؟؟
لقد تحدث الرجل عن كون الخلاف بين الدول المحاصرة وبين قطر خلافا فلسفيا، لا دبلوماسيا؟ لكن ما هو فلسفي عقلاني كأساس للعلمانية الحديثة في الغرب الأوربي، لا يحمل جديدا بخصوص ما يعرف عندنا بمقاصد الشريعة. هذا المفهوم الذي يعني الممارسات التي تحقق للإنسان سعادة الدارين، في حين أن الفلسفة التي يعنيها، لا تعدو العمل لضمان سعادة الإنسان في هذه الدنيا الفانية بأساليب غاية في المكر والخداع. مما يتأكد معه أن فلسفة العمل الدنيوي لدى المسلمين على وجه التحديد، مرتبطة في كافة خطواتها وفي مختلف مراحلها بالعمل الأخروي. والربط بين العملين المتضافرين يجعل الضمير حاضرا باستمرار في النوايا والمقاصد قبل الشروع في أي عمل. مما يعني أن المقبلين على إنجازه، يخضعون أنفسهم للمراقبة الدائمة، ثم يخضعونها للمساءلة بعد الفراغ منه. وهذا هو المراد لا شك من قول رسول الله: “العمل عبادة”.
غير أن العلمانيين عبر تاريخهم المديد منذ أقدم العصور، لا يعتبرون العمل الدنيوي عبادة. فالقادة المسيرون لشؤون دولهم كمسلمين، لا تكتسي منجزاتهم أية قيمة من مظور الإسلام الحق، إن هم فصلوا بين العبادة والعمل، لأن الفصل بينهما يخبر عن غياب الضمير الديني والضمير الأخلاقي، الذي يليه في الدرجة. فإن لم يردد الحاكم في خاصة نفسه، بين ليله ونهاره قوله عز وجل: “إني أخاف الله رب العالمين”، ولم يستحضر قوله سبحانه: “فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى. وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى”، فإنه لا يصلح بأفاعيله لا البلاد ولا العباد (وهذا شأن العلمانيين على عهدنا الحاضر). وإصلاح البلاد والعباد مرتبط بمراعاة كرامة الناس وحرياتهم، وحفظ دينهم، وأموالهم، ونفوسهم، وأعراضهم، وعقولهم، على اعتبار أن هذه المبادئ من صميم الإسلام، لا من المستوردات الفلسفية القادمة علينا من وراء البحار والمحيطات؟؟؟
ولا نبالي بالخلط في الكلام الذي ميز خطابات وزراء خارجية دول الحصار؟ فالسعودية عند يوسف العتيبة علمانية الفلسفة والاتجاه؟؟؟ وإن كانت بالنسبة إلينا بعيدة عن تفعيل روح الإسلام! إذ صح عندنا -ونحن نقيم سلوكاتها السياسية منذ زمن- بأن هذه السلوكات موقعها بعيد عن الدين الحق من جهة، و خارج مملكة العقول والاعتبار والتفكر من جهة ثانية؟