قال لي محاوري الحداثي: يجوز نسخ الأحكام… بعد الإسلام!
ذ. طارق الحمودي
هوية بريس – السبت 21 يونيو 2014
فاجأني بعض محاوريَّ من شباب (مؤمنون بلا حدود) بزعم غريب وشاذ، وهو القول بجواز وقوع النسخ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، على خلاف من ينكره جملة وتفصيلا كالقاديانية، وهو أمر كنت أتوقعه من العلمانيين، لكنني لم أر أحدا منهم زعمه في شيء من كتبه، إلى أن صرح به هذا المحاور.
الإشكال الذي يحضر عند اللفظ بهذا المعتقد هو: من له الحق في نسخ أحكام الشريعة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، والجواب عنها في أحد شيئين، إما من نبي أو من غير نبي… أما النبوة فقد سد بابها، وأما أن يكون الناسخ غيره.. فقد بحثت عن من يمكن أن يفعل ذلك من الناس.. فلم أجد إلا جهة واحدة لها المصلحة الإيديولوجية في ذلك… بنو علمان.
ومعنى هذا الاعتقاد أنه يمكن لأي باحث أن يزعم نسخ حكم وجوب الحجاب، أو تغير حكم شرب الخمر… أو.. أو…! وهذا يعني إمكانية نسخ الأحكام الشرعية كلها.. إذا رغبت أنفسهم بذلك بدعوى مقتضى الفقه والمصلحة والزمان والمكان… وكأس وراقصة غانية وقيتارة وكمان!
حينما ذكر العلماء أركان النسخ وكان بينها (الناسخ) قالوا: هو الله تعالى، (وتسمية خطابه الدال على النسخ ناسخا مجاز)(1)، وهذا يعني أنه لا حق لأحد في النسخ إلا أن يكون هو واسطة بيننا وبين الله، وليس ذاك إلا الأنبياء، فهل في بني علمان أنبياء!؟
قد يبدو هذا غريبا، لكنني قد أصدم قرائي وزوار صفحتي بقولي: نعم، فيهم من يزعم أنه نبي… بطريقة ما! فلست أعرف من الإله الذي يعتقد أنه نبأه.
حسن حنفي.. أحد مجانين العلمانية… يزعم أنه حسنان، حسن الفيلسوف، وحسن النبي…!(2)
لندع هذا فليس يهمنا في كثير هلوسات المجانين بالعقل، إنما يهمني فكرة جواز النسخ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه الدعوى تعارض شرطا من شروط صحته كما مر ذكره، فقد اشترط العلماء (أن يكون النسخ بخطاب شرعي)(3)، وإني أجيز لنفسي هنا إبداء استغراب يجمد النار، وهو، إن كان العلماء اختلفوا في جواز نسخ القرآن بالسنة، واحتج المانعون بأن النسخ لا يكون إلا من المساوي أو الأقوى.. فهل عقول بعض بني علمان أقوى من السنة أو القرآن؟
لعل ما سيدعو إليه بنو علمان لاحقا، سيكون أهون بكثير مما أنكر على بعض من أسرف في دعاوى النسخ، والتي لم تتجاوز المواضع التي ادعي فيها ذلك مائتين وتسعة وأربعين في أقصى تقدير(4)، بل لعل أحدهم يزعم يوما جواز نسخ القرآن كله،.. كما شذ باعتقاده بعض من مضى،ممن استنكر ابن العربي قوله(5).
ادعى صاحبي المحاور أن دليله على جواز وقوع النسخ بعد الإسلام هو تعطيل عمر بن الخطاب لحصة المؤلفة قلوبهم!!! كما ترون في الصورة التي حذفت منها صورته واسمه، فقد لا يرغب في ذلك.
والجواب على هذا أن عمر لم يمنع الحصة مطلقا، بل منعها عن بعض من كان يؤلف بالمال على الإسلام، والفرق بين الحالتين كما بين الأرض والسماء لمن له بصر بصيرة!!!!
ثانيا: هذا ليس نسخا، إنما هو عمل بروابط الأحكام مع عللها، فلو افترضنا أنه لم يبق فقير لما كان هناك حصة للفقراء من الزكاة. كما يحكى عن زمن عمر بن عبد العزيز والله أعلم!!! لو ظهر من نحتاج إلى تأليف قلبه على الإسلام لفعلنا.. وهكذا.
وبهذا يتبين تهافت شبههم وهزالتها العلمية، وهشاشة البناء الفكري للمشروع العلماني في إعادة قراءة التراث الإسلامي… يقتحمون ما لا يعرفون… فيهرفون…!
لست أرد على محاوري.. فإني أعلم أن ما قرره ليس من كيسه، إنما يردد ما حرره غيره… فلم ينتبه.. فتورط كما تورطوا.. كمثل من يغش في الاختبار نقلا عن زميله.. فينقل كل شيء.. حتى الأخطاء.
ورسالتي إلى محاوري الذي أقدره وتعجبني بعض كتاباته، الأمر دين…فاعذرني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البحر المحيط في أصول الفقه (3/150)، الزركشي، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية:2007.
(2) ازدواجية العقل، دراسة تحليلية نفسية لكتابات حسن حنفي، جورج طرابيشي، (ص:7)، دار البتراء، الطبعة الأولى:2005.
(3) البحر المحيط (3/157).
(4) ابن البارزي في كتابه (ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه)، بتحقيق حاتم الضامن، مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة:1988.
(5) في (الناسخ والمنسوخ) (2/7)، تحقيق د عبد الكبير العلوي المداغري، مكتبة الثقافة الدينية.