تقرير مرفوع إلى لجنة التطهير التي حكمت على الخونة من قبل مؤسس الوداد بسلا
ذ. إدريس كرم
هوية بريس – الأربعاء 10 يوليوز 2013م
بمقتضى ظهير شريف عدد:58/103، بتاريخ: 6 رمضان1377هـ الموافق 27مارس 1958″ أحدثت لجنة بحث مهمتها إصدار العقوبات على الأشخاص الواردة أسماؤهم في لائحة صدر بها مرسوم عدد المؤرخ بـ: 3 صفر الموافق 2 شتنبر 1958م، وفي لائحة يقدمها رئيس الحكومة ووزير الداخلية.
وقد اجتمعت لجنة البحث المؤسسة طبقا للظهير السابق في 27 مارس أسبوعين متواليين لدراسة وتتميم ملفات الأشخاص الذين حضروا لديها، وبعد المداولة أربعة أيام متوالية من يوم الأربعاء 13 غشت إلى يوم السبت 16 منه، أصدرت العقوبات التالية، وكان ضمن لائحة الأولى محمد اشماعو مديرا سابقا لجريدة الوداد الذي نقدم تقريره الطاعن في ذلك الحكم، قبل أن نعود بحول الله إلى تقديم قوانين الوداد وجريدة الوداد.
نص التقرير
تقرير إلى لجنة البحث في قضايا المسجلة أسماءهم في اللائحة الأولى
سيدي الرئيس سادتي الأعضاء
أتقدم إليكم أولا بالتهنئة على الثقة التي خولها لكم جلالة الملك محمد الخامس ملك البلاد، وأهنئ نفسي بأشخاصكم المختارة لهذه المهمة العظيمة، وأرجو الله أن يجري على يدكم البلسم لجراح هذه الأمة حتى تلتئم وتتماثل إلى الشفاء، فإنكم والحمد لله من خير من يضطلعون بهذه المهمة، أعانكم الله وسد د كم.
وإني إذ أتقدم إليكم بهذا التقرير، أضع نفسي موضع المدافع عن التهم التي تلصق بي بصفتي أختط منهجا مخالفا في السياسة لمن سجلوا اسمي في تلك القائمة، حتى إذا أتممت دفاعي عدت فنصبت نفسي مطالبا بحقي وحق جريدتي “الوداد”، التي ستأخذ لي لجنتكم ممن اغتصبوهما، فقد أعطيت لكم هذه الصلاحية.
وقبل كل شيء اسمحوا لي أن ألقي نظرة على وضعية بلادنا كما أراها لتتضح لكم وجهة نظري.
إن وضعية بلادنا أمام الاستعمار تشكل ثلاثة أوجه:
المقاومة المسلحة التي توقفت بانتهاء حرب الريف الجدية، وبانتهائها أسست مع رفاقي: المرحوم سعيد حجي، والهاشمي الفلالي، والصديق بن العربي، وغيرهم “جمعية الوداد”، ونجد أنفسنا في هذه الجمعية ذات الاسم المسالم نقف أمام تيارات متضاربة بين الشرق والغرب، أو بين الثقافة الإسلامية الشرقية وبين الثقافة الغربية الأوربية، وما هي الطريق التي تختار أمتنا لتشيد شكلها، ونجد أنفسنا من جهة أخرى في زحمة من ظروف المقاومة التي أخذت تظهر لنا في شكل الفداء الذي نصبت لمقاومة المقصلة بحي لعلو من مدينة الرباط، وما صرح به الفدائيون من تهديد قبل فصل رؤوسهم.
صدقوني أيها السادة أنني لم أجد عبارة أفصح بها عن فرط تأثري من ذلك المشهد، وأنا بين الإشفاق على أمتي من رحمة المقاومة التي أثارتها سياسة المقيم العام “استيك”؛ تلك السياسة “التقدمية” التي حطمت سياسة “ليوطي” المحافظة، وبين خلو أمتنا من أي هيكل قومي يستطيع أن يسير البلاد في مرافقها الجديدة بإطارات.
أنا لست راضيا على سياسة “ليوطي” المحافظة التي سايرت ما نحن فيه من خمول وانكماش حتى زهدنا للحماية فيما كان لنا في أول عهدها من مناصب الوزارات ذات الاختصاص الخارج عن نطاق ثقافتنا التقليدية، ولم أكره سياسة “استيك” التي تريد أن تفتح البلاد على مصراعيها في وجه التعمير والإنتاج، ولكن علمت أن علينا واجب التكوين القومي، وأن الانتقال من المقاومة المسلحة التي انتهت في الريف إلى المقامة المسلحة في شكل الفداء، ستحرمنا من مرحلة التكوين الضروري، ولو أن الريف استقل واختط لنا خطة قومية في التكوين، واستطاع أن يتغلب على الخمول والرجعية لما وجدنا أنفسنا في معركة داخلية بين الثقافة التقليدية والثقافة الفرنسية التي كان يذكيها الاستعمار ويمد في أسبابها.
لقد أخذنا الطريق الواضح في السير بجمعيتنا “الوداد” ذات الشعب التثقيفية، فبدأنا بأنفسنا، ثم بمن حولنا، وفتحنا في كثير من المدن مراكز باسم التجارة في الكتب والصحف، وكانت تلك المراكز تقوم بواجب الاستنهاض في الداخل، والتضامن مع فلسطين، حتى احتجزت السلطة من مراكزنا بسلا وأزمور وأسفي بعض القوائم وهددت بالعقاب.
لم أكن رئيسا لهذه الجمعية في الأول، ولكن كنت شديد الحساسية بثقل ما انتدبنا أنفسنا إليه، كنت شديد الإشفاق على ما بين شيوخنا وشبابنا من اختلاف وتطاحن قد امتدت أسبابه إلى مثالية “أتاتورك” التي ارتضت الغرب إماما، وكنا بين فكي الاستعمار يجتذب شيوخنا مرة وشبابنا أخرى، فلا نحن نقدر أن نسرع الخطى مع تركيا، ولا نحن نختار لأنفسنا ثقافة وتطويرا مستقلا
فالطريق إذن طويلة أمامنا، والأمة من تحت أقدامنا تضطرب كالبركان، لا يلبث أن يجد منفذا فيطيح بنا وبأعمالنا.
وهكذا وجدت نفسي وأنا رئيس جمعية “الوداد” ورئيس شركة “الوداد”، أضرب على أول آلة كاتبة بالعربي في منزلي بسلا أول منشور قدمه لي عضو جمعيتنا “الوداد” في فاس السيد الهاشمي الفيلالي يقدم القضية البربرية إلى العالم الإسلامي وإلى ملوكه ورؤسائه، وقد استهوتني لهجته الإسلامية، وأهمني ما جاء فيه من أخبار كانت بعيدة الوقوع، وقد أصبحت أنا المسؤول عن توزيعه على ما يصل إلى المغرب من مختلف الصحف والمجلات، وأقدر المدة التي سيرجع إلينا فيها هذا المنشور، على صفحات الجرائد الشرقية..
(انتظروا التتمة).