الرد الهادئ على محمد الصغير الحسيني الشيعي
أشرف سليم*
هوية بريس – الخميس 17 يوليوز 2013م
طالعت رد المدعو محمد الصغير الحسيني الذي يبدو من سحنته وهيئته المتسربل بها شيعيا إماميا، أو قل متشيعا انسلخ من جلدته الأولى، فصار على حد تعبير الشيعة مستبصرا، وهذه كلمة تعني في أبجدياتهم كل شخص انقلب من سني ناصبي، إلي شيعي موال لآل البيت.
وطالعنا صاحبنا بمقال وضع له عنوان: “انقلاب عسكري أم سنة تاريخية في هذه الأمة”، ركز فيه على تسويغ الانقلاب المغرض الذي حصل في مصر مؤخرا، وأيضا رده المبطن على بعض أعلام الأمة الإسلامية، معززا طرحه ببعض السياقات التاريخية والوقائع الحاضرة التي وقعت في الأمة بأسرها، مدخلا بعض المفاهيم التي حاول أضرابه قديما وحديثا إدخالها إلى جسد الأمة الإسلامية، لكن سرعان ما وجدوا من يذود عنها ببسالة، فردوا كل صوت نشاز إلى نحره.
لا أدري كيف لصاحبنا أن يدلي بأفكار أكل عليها الدهر وشرب، وفضحت عند الخاصة والعامة، ولم تعد تجد صدى في شتى المنابر والمحافل والمجامع، خاصة مع الأحداث التي تعرفها الأمة الإسلامية مؤخرا، والتي عرت الكثير من الحقائق، وميزت الغث من السمين، والصالح من الطالح.
صاحبنا ما زال يلوي ويدندن على أمور لاقت الرفض منذ الحديث عن بدعة “حزب الله” الذي قهر الجيش الذي لا يقهر، أو الخلافة الإسلامية التي أقيمت منذ ثورة الخميني على شاه إيران، أو -وهذه الفرية العظمى- إقامة دولة الإمام الحجة الذي سيعيد نور العدل والحق إلى البشرية بعد أن كانت تعيث في الأرض فسادا وبغيا وظلم.
سأبدأ الرد على هذه الأفكار التي أوردها في هذا المقال من خلال تقسيمها إلى مفاهيم، ما دام صاحبنا أراد فعلا بث مفاهيمه في ثنايا مقاله، ولما للمفاهيم من دور خطير في قلب التصورات والإيمانيات لدى الإنسان، فكل فعل خاطئ شاذ ينطلق في الأصل من مفهوم معتل، وأول مفاهيمه التي طالعنا بها مفهوم وحدة الأمة، وذلك في قوله: “إن القيام بالرد في وقته تكليف شرعي لا أجد منه بدا ولا عنه محيصا لأن وحدة الأمة في خطر”.
قلت: عن أي وحدة تتحدث؟ فلا التاريخ يسعفك في تبرير قولك، ولا الأحداث التي وقعت وتقع في الأمة تسمح لك بالتنظير للوحدة الإسلامية، لنعد إلى القرون الهجرية الأولى، من كان يُنَظِّرُ فكرةَ غصب الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعتبرها غصبا لحقوق آل البيت التي يستحقونها حسب زعمكم؟
علما أن القضية نوقشت بما يكفي منذ زمن، وانفض جمع سقيفة بني ساعدة باختيار أبي بكر الصديق رضي الله عنه لخلافة النبي صلى الله عليه وسلم، علما أنه عاش صنوا للنبي الكريم، وأقر علي رضي الله عنه ذلك، فجحدتم، وأنكرتم، فكنتم سببا في فتّ شعثِ الأمة، وتفريقها إلى طرائق قدَداَ، أدخلتم إلى الأمة نِحلة بتتْ سننا وأقاويل وأراجيف.. مثل: اللطم واصطناع البكاء الدائم على استشهاد الحسين رضي الله عنه، وأغرقتم في الفلسفة حتى صار عالمكم يصل إلى ذروة العلم ببحث الخارج في حوزاتكم العلمية، فنسيتم القرآن نسيا منسيا، ولم تخرجوا القراء، ولا حفظة كتاب ربّ الأرباب، صارت حوزاتكم تسن الشرك بدعاء المخلوقات وذررتم ربها، وخط علماؤكم كتبا مست حتى عرش الرحمن باتهامكم للقرآن بالتحريف كما يشهد بذلك كتاب الطبرسي، شرعتم شِرعة لم تكن أبدا من أخلاق الرسل والأنبياء بسبّ الصحابة رضوان الله عليهم، ووقعتم في شرف حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كفّرتم مخالفيكم، ووصَمتموهم بأشنع الأوصاف وأقذعها، ولولا المقام لذكرت لك مرجع كل ما ذكرت، قلت: فأين المفر وأنت محاصر بجميع القرائن والدلائل التي تدمغ ما جئت به من حديث عن وحدة الأمة؟ هل الذي يسعى إلى وحدة الأمة يحرض الحجاج على إثارة الغوغاء والقلاقل في مسجد الله المُحرَّمِ القتالُ فيها، كما فعل الخميني في ثمانيات القرن الماضي؟
هل الحريص على وحدة الأمة يسهل على أمريكا دخول قواتها إلى أفغانستان إبان حربها على ما سمي بالإرهاب، كما صرح بذلك جهارا نهارا هاشمي رفسنجاني؟
دعمُ ما يسمى بـ”حزب الله” السافرُ لانتهاك الحرمات والأعراض والدماء في سورية ظلما وبغيا وعدوانا، هل فيه ذرة من الحرص على وحدة الأمة؟
تحالف شيعة العراق مع أمريكا في بلاد الرافدين وما تبعه من مرارة ذاقها أهل السنة، وهي شبيهة بالمرارة التي يذوقها أهل الأهواز في إيران من لدن النظام الملالي، أفيه حرص على لمّ صف الأمة ووحدتها؟
ثم استغرب دفاعك عن أناس كان حريا بك إن كنت تدعي الحُسينية التقريع عليهم لأنهم سبوا أمهات المؤمنين بأوصاف بذيئة لا يقولها السكير الرعديد، ولا الفاجر الكئيب، دفاعك عن حسن شحاتة صاحب اللسان السليط فيه بينة على بعدك من وحدة الأمة، فلطالما سبّ هذا الشخص صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وباع فاهُ لإيران من أجل التفنن في سبّ حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أعرف مخارجك على هذا الكلام، وأعرف مبرراتك التي ستسعى إلى الاستقواء بها، فلن تنفعك الأفهام المعتلة للنصوص الشرعية التي تدعون بها أحقية آل البيت بالخلافة كحديث الثقلين، وحديث الغدير، وآية التطهير..، فهي لنا لا علينا، لأننا أهل السنة والجماعة محبون لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، متبعون لهم، مقتدون بنهجهم، وكفانا فخرا تسمية ذريات أهل البيت بأبي بكر وعمر، كما تشهد بذلك كتبكم المعتبرة.
أو مع كل هذا تتحدث عن وحدة الأمة؟
قالها علماؤنا سابقا، قالوا: إن من يتحدث عن وحدة الأمة فاتهموه بالماسونية، وصدقا كان قولهم، لن تكون هناك وحدة طالما نختلف معكم في الأصول، وطالما أن تشريعكم يهتز له عرش الرحمن، نحن أمة وسط، نحترم الرأي الآخر، ونقبل به إن كان حقا، دون مس القرآن الكريم والسنة المطهرة، فكانت منا: المالكية، والشافعية، والحنبلية، والحنفية، والصوفية، والمعتزلة.. لكن لم يؤثر عن مذهب من هذه المذاهب، أو نحلة من هذه النحل أن سبت صحابة رسول الله، أو مست عرض حرم رسول الله.. رغم التدافع الذي حصل بينها، والتقاذف في بعض الأحيان، وهي سنة محمودة تعكس نضح العقل العربي الإسلامي، وقدرته على مناقشة أسرار الكون وتجلياته ونوامسيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ مادة اللغة العربية.