شكوك «غوستاف لوبون» في نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم
قراءة نقدية في كتاب حضارة العرب[1]
إبراهيم والعيز (باحث في الدراسات الإسلامية)
هوية بريس – الإثنين 25 ماي 2015
يعتبر المستشرق الفرنسي “غوستاف لوبون” مستشرقا موضوعيا عند كثير من الباحثين المسلمين، وذلك لكونه معترفا بما أسدته الحضارة الإسلامية من معارف وعلوم للإنسانية كلها ولحضارة الغرب بشكل خاص، ومفندا لأكاذيب المستشرقين على التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية.
ومما ورد من ردوده على بعض المستشرقين الذين زعموا أن الدين الإسلامي قد انتشر بالسيف قوله؛ «وسيرى القارئ حين نبحث في فتوح العرب وأسباب انتصاراتهم أن القوة لم تكن عاملا في انتشار القرءان، فقد ترك العرب المغلوبين أحرارا في أديانهم، فإذا حدث أن اعتنق بعض أقوام النصرانية الإسلام واتخذوا العربية لغة لهم فذلك لما رأوه من عدل العرب الغالبين مما لم يروا مثله من سادتهم السابقين، ولما كان عليه الإسلام من السهولة التي لم يعرفوها من قبل»[2].
ومن ردوده على الذين لم يعترفوا بعطاءات الحضارة الإسلامية نجد؛ «كلما أمعنا في درس حضارة العرب وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم ظهرت لنا حقائق جديدة وآفاق واسعة، ولسرعان ما رأينا أن العرب أصحاب الفضل في معرفة القرون الوسطى لعلوم الأقدمين، وأن جامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون موردا علميا سوى مؤلفاتهم، وأنهم هم الذين مدنوا أوروبا مادة وعقلا وأخلاقا وأن التاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه في وقت قصير، وأنه لم يفقهم قوم في الابتداع الفني»[3].
إن أمثال هذه الأقوال في كتاب حضارة العرب كثيرة، وهي تظهر أن صاحبها فاق كثيرا من المستشرقين في الموضوعية والتزام الحياد تجاه الحضارة الإسلامية. ومما يزيد القارئ اطمئنانا على موضوعية لوبون وصدقه أن مترجم كتابه مجده على إشادته بفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وردد كثيرا من أقوال لوبون عن الرسول عليه السلام فقال[4]: «ولكن لوبون الذي ذكر استعداد العرب للقيام برسالتهم العظمى، أشاد بفضل الرسول الأعظم على العرب وزعامته الكبرى لهم، فالرسول في نظره كان يبدو رابط الجأش إذا ما هزم، ومعتدلا إذا ما نصر»[5].
وذهب لوبون إلى أن الرسول الأعظم «كان شديد الضبط لنفسه، كثير التفكير، صموتا، حازما، سليم الطوية.. صبورا، قادرا على احتمال المشاق، ثابتا، بعيد الهمة، لين الطبع، وديعا.. وكان مقاتلا ماهرا، فكان لا يهرب أمام المخاطر ولا يلقي بيديه إلى التهلكة، وكان يعمل ما في الطاقة لأنها خلق الشجاعة والإقدام في بني قومه.. وكان عظيم الفطنة»[6].
لا يجد القارئ أمام هذه الموضوعية من لوبون ومن المدح الذي مدحه به المترجم سوى الاعتراف بموضوعيته، والاطمئنان للمترجم الذي قال معبرا عن إعجابه الشديد به؛ «حقا إنك لا تشعر إلا وقد اتجهت أفكارك إلى الدكتور غوستاف لوبون لتحييه تحية المعجب بصدقه، الممتن لإخلاصه وفضله، لأنك تجد في الكتاب كل ما تريد أن تقول في مثل هذه الأيام العابسة السود»[7].
لكن بقراءتنا لكتاب لوبون قراءة تمعن وتأمل سنجد شكوكه في المعجزات وفي حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم وأخطر من هذه الكلمات المدغدغة لعواطف المسلمين ومشاعرهم. وهذه الشكوك يمكن لنا جمعها إجمالا في:
-1- الشك في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم منذ ولادته؛ لقد بدأ غوستاف لوبون الذى أبدى موضوعيته في حديثه عن العرب وعرقهم وحياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنه لم يترك الفرصة تفوته في هذا المقام دون أن يثير الشكوك حول الآيات التي ظهرت عند ولادته صلى الله عليه وسلم. وكي لا يطعن بصفة مباشرة وعدوانية كما يفعل أغلب المستشرقين الحاقدين في هذه الدلائل والآيات، وجه أصبع الاتهام للعرب الذين أرادوا -في زعمه- أن يضفوا على زعيمهم هالة منالقدسية والعظمة، لذلك رأوا أن يقرنوا ميلاد زعيمهم الأعظم بالآيات فرووا أن العالم اهتز لولادته، وأن نار المجوس المقدسة خبتت، وأن شياطين الشر دحرت من أعلى بالشهب، وأنه تصدع من أبراج إيوان كسرى «ملك الملوك» أربعة عشر برجا إيذانا بقرب انهيار دولة الفرس العظمى[8].
إن عدم إيمانه بالمعجزات هو الذي جعله يقول هذا، وكان الأجدر به وهو يدعي الموضوعية أن يورد هذه الآيات دون الإشارة إلى أنها من صنع العرب، وإنما القول بأن أصحاب السيرة أو المؤرخين المسلمين قالوا كذا وكذا خاصة وأن هذا لن يضيره شيئا. وكرر لوبون نفس الشكوك في المعجزات النبوية لما عرج على حياة النبي صلى الله عليه وسلم في البادية عندما كان مع مرضعته، وادعى أن الخوارق التي رآها أبواه من الرضاعة ما هي إلا مزاعم كتب السيرة، فقال في ذلك؛ «فلما بلغ السنة الثالثة من عمره، ورأى أبواه من الرضاعة ما رأيا من الخوارق التي كانت تلازمه على زعم كتب السيرة»[9].
-2- الشك في الوحي؛ إن هذا المستشرق الذكي لا يجد أمامه -وهو يعمد إلى التشكيك في الوحي من أساسه- إلا الرجوع إلى حادثة سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان طفلا مع عمه إلى الشام ومحاولة تعرف راهب عليه، ليدس من خلالها سمه، حيث قال؛ «وتقول القصة إن محمدا سافر مرة مع عمه إلى سورية فتعرف في بصرى براهب نسطوري في دير نصراني فتلقى منه علم التوراة»[10].
يحاول لوبون أن يراوغ القارئ بمكر الثعلب حينما لا يذهب إلى الضرب في الوحي مباشرة، وإنما بإيراد خبر جاء في قصة من غير ذكر كامل لنص القصة كما رويت، ولا إشارة إلى المصادر التي أوردت القصة. وهذا من العيوب المنهجية لدى لوبون الذي لا يقدم للقارئ مصادره التي اعتمد عليها في بحثه العلمي.
والحق أن كتب السيرة والتاريخ والشمائل لا تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقى علم التوراة من الراهب بحيرى، بل تذكر أن الراهب هو الذي أراد التعرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤاله عن بعض المسائل فقال له: «فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال له: سلني عما بدا لك. فجعل يسأله عن أشياء من حاله في نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره، فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته، ثم نظر على ظهره، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده.
… قال ابن إسحاق: فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب، فقال له ما هذا الغلام منك؟ قال له ابني. قال له بحيرى: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذ الغلام أن يكون أبوه حيا، قال: فإنه ابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به، قال صدقت، فارجع بابن أخيك على بلده، واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ماعرفت ليبغـنّه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به إلى بلاده»[11].
ومن هنا يتضح أن لوبون لم يكن هدفه الموضوعية والصدع بالحق، بقدر ما كان الهدف هو التشكيك في مصدر الوحي وتزييف حقيقة الإسلام.
-3- الشك في عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يزعم لوبون أن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنوات الخمس عشرة بعد زواجه بخديجة رضي الله عنها سكت عنها التاريخ[12].
وهذا الزعم فيه تلميح لشيء كان يرمي إليه هذا المستشرق، ألا وهو الافتراض بأن الفترة يجب أن تكون مليئة بالأحداث والأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خديجة، وعدم أي ذكر لها -حسب زعمه- يعني أنه عليه السلام يكون قد اختلى بنفسه ليفكر في الدين الذي يريد أن يتزعمه، وهذا الافتراض ظاهر في قوله؛ «ويفترض وإن لم يقم دليل على ذلك، أنه كان يفكر أثناءها في مبادئ دينه الذي سيكون زعيمه»[13].
يبدو أن لوبون رغم ذكائه ومحاولته اقتناص الفرص للشك بذكاء في الوحي وصاحبه، يخونه ذكاؤه، وبذلك تسقط فرضياته، لأن كتب التاريخ والسيرة والشمائل تذكر أنه وقعت وقائع مهمة في هذه الفترة في حياة القرشيين وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مهمة فيها. ومن ذلك؛ بنيان الكعبة وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش في وضع الحجر، هذا بالإضافة إلى أنه كان يتلقى ودائع القرشيين ليحافظ عليها فسموه بذلك الأمين، كما كان يذهب إلى غار حراء ليتحنث، وقد ولد له مع خديجة رضي الله عنها سبعة أولاد؛ ثلاثة ذكور وأربع إناث، وكل ذلك قد ذكرته مختلف كتب السير والتاريخ ولم تسكت عنه كما هو معلوم.
كل هذا يوضح أن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن مجهولة في هذه الفترة، وإنما أراد هذا المستشرق أن يبحث عن حجة ليطعن من خلالها في الوحي، وذلك بإرجاعه إلى مخيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إنه بهذا الزعم يستطيع الطعن في عقل الرسول عليه السلام، وفعلا قد ادعى لوبون ذلك لما زعم أنه عليه السلام كان مصابا بالصرع، كما كان مهووسا مفتونا، وذلك حين قال: «يجب عد محمد من فصيلة المهووسين من الناحية العلمية»[14].
ثم أردف مبينا أن هذا الهوس «يحفزه إلى اقتحام كل عائق، ويجب على من يود أن يفرض إيمانه على الآخرين أن يؤمن بنفسه قبل كل شيء، ومحمد كان يعتقد أنه مؤيد من الله فيتقوى فلا يرتد أمام أي مانع»[15].
لكن صاحبنا لم تخل شكوكه ومزاعمه من الاضطرابات والجمع بين المتناقضات، ونلمس ذلك في كونه وصف الرسول صلى الله عليه وسلم فيما سبق بالمهووس، وفي موضع آخر يصفه أنه «كان شديد الضبط لنفسه كثير التفكير صموتا حازما سليم الطوية… وكان صبورا قادرا على احتمال المشاق ثابتا بعيد الهمة لين الطبع وديعا»[16].
وهنا يحق لنا أن نسأله؛ هل من كانت هذه صفاته في رزانة عقله وطبعه الهادئ وسلامة طويته يمكن نعته بالمهووس؟
لا نجد أمام هذه التناقضات التي لاحظناها على هذا المستشرق إلا الاستنتاج بأنه لم يخرج عن نمط المستشرقين الحاقدين رغم ادعائه الموضوعية والعلمية وتزكية ذلك من كثير من الباحثين.
وفي الخلاصة نقول؛ يظهر من خلال هذا العرض الموجز عن شكوك غوستاف لوبون، أن ما وصف به الحضارة العربية من تألق وتأثير في الحضارة الغربية، قصد به استدراج القراء ليصل إلى هدفه المنشود، ألا وهو الإجهاز على الأصلين اللذين بنت عليهما الحضارة الإسلامية قواعدها، وأولهما الوحي الذي يعد الأصل الأول للتشريع الإسلامي، وثانيهما المبلغ للوحي وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مقال ملفت لكن أرى أن غوستاف لوبون يرى هذا لا في نبينا محمد وحده وإنما في جميع الأنبياء ويرى أن جميع الأديان عبارة عن أوهام وأننا نخلق الآلهة ثم نعبدها وإن الآلهة جزء من أحلامنا تبقينا على أمل فلا نفقد معها الغاية
وقد وصف عيسى بأنه رأى ما في قسوة العالم فكان دينه مبنيا على الرحمة وإن موسى كان يطمح لأن يحرر بني إسرائيل وإن سيدنا محمد كان يريد أن يوحد العرب لذلك ارى ان غوستاف لوبون متشكك من جميع الأديان ويراها مجرد أفكار لأبنائها وليس الإسلام على وجه الخصوص
دائما نقع في عتب على الباحث لاننا نعرف عن ثقافتنا ما لا يعرف هو!، نحن متأكدين بالوراثة والايمان والثقة، افتراض وجود وجود هذه الثلاث في باحث من ثقافة اخرى هو امر شبة مستحيل