أعراس الدم.. أحلال على فرنسا كل هذا القتل!؟
هوية بريس – إبراهيم الطالب
عندما تنزل حضارة ما إلى مستوى قريب من وجه الحضيض تصبح دماء شعوبها أرخص الدماء في العالم، وتغدو ثرواتها مشاعا بين الأقوياء، ومن رفض قتل ولا عزاء له.
مرَّ أسبوع على مجزرة “بونتي”، لم تُحدث، رغم هولها ودمويتها ووحشيتها، أية ردة فعل دولية؛ فلماذا ياترى؟؟
هل لأن من ارتكبها جنود بلاد الأنوار؟ أم لأن فرنسا عضو دائم بمجلس الأمن الذي يسهر على حراسة الشرعية والسلام؟؟
وهل هناك فرق بين ما تمارسه فرنسا من قتل في القرن 21 وما قتلته من ملايين البشر خلال القرن 19 والعشرين؟
فهل تختلف فرنسا الإمبريالية عن فرنسا التي صفت صوريا احتلالها لمستعمراتها ثم أخدت مقعدها في مجلس إدارة العالم (مجلس الأمن)؟؟
وكيف يكون فرق بينهما وقد استمرت حكوماتها رغم اختلافها بين اليمين واليسار في القتل والنهب إلى اليوم؟؟
هاهي فرنسا تفتتح سنتها الجديدة بعمليات تقتيل جديدة في بلاد المسلمين، جنود من الجيش الفرنسي على متن طائرتهم العسكرية يحلقون فوق قرية في ضواحي دولة مالي الجريحة، وعلى علو جد منخفض بَدا لجنود إيمانويل ماكرون أن يمارسوا هوايتهم المفضلة: القتل والتدمير والترهيب، الضحايا كانوا في زفاف، أجواء الفرح والحبور تعم المكان وفجأة ينقلب كل شيء إلى مأتم بل مجزرة: الفرح يستحيل صراخا وعويلا، أشلاء متناثرة في كل مكان وجثث الرجال والنساء والأطفال تتكدس فوق الأرض، دماء وقتلى، وحزن ودموع، وخوف وترهيب.
ماذا يحدث؟؟
تساءل المدعون..
لا شيء وقع تحت سماء مالي، فقط الجيش الفرنسي يمارس أفضل هواياته، وهي “قتل الأبرياء”، ونشر الدمار، وهدر الدماء وتمزيق الأجساد إلى أشلاء.
غداة الواقعة (الثلاثاء الماضي) أفاد مسؤول محلي في دولة مالي، أن أكثر من 100 مدني قتلوا في غارة جوية استهدفت منطقة “موبتي” التي تبعد عن تمبوكتو بـ600 كيلومتر.
جاء ذلك في تصريح لرئيس بلدية “موبتي” أداما غريابا، عبر الهاتف، لإذاعة “ستوديو تاماني” المحلية، حول هجوم استهدف قرية “بونتي” ليلة الأحد-الإثنين (3-4 يناير 2021).
ونظرا للعدد الكبير من المدنيين وحتى لا تتحرك المنظمات في دول العالم، ادعت فرنسا أن القتلى في حدود 20، وزادت في تزوير الأحداث فصرحت أن كلهم إرهابيون ليس بينهم طفل أو امرأة أم حتى مدني واحد.
لا بأس فقديما قيل: “يكاد المريب يقول خذوني”.
استبقت فرنسا الحراك بذلك التصريح في الوقت الذي كشف موقع “ميديابارت” الفرنسي، عن التهديد البالغ الذي تمثله الطائرات العسكرية الفرنسية المسيرة (درون) في مالي، على حياة المدنيين.
بلاد الأنوار تريد أن توهم العالم أنها تحترم كل القوانين، فهي لا تقتل الأطفال ولا النساء، فقط تستهدف الإرهابيين، أليس العالم كله ضد الإرهابيين؟؟ فلِم ستُلام فرنسا التي تريد الأمن للعالم وتتحشم الحرب ضد الإرهابيين في مالي؟؟
فيكفي أن تكون عمليات القتل في بلاد المسلمين، ليصدق العالم أن كل أعراس الدم التي تقيمها فرنسا وغيرها هي مجرد تنقية للكون من دعاة الدماء الذين يهددونا كوكبنا جميعه!!
من سيطالب بالتحقيق في المجزرة؟؟
بطبيعة الحال الجواب: مجلس الأمن.
لكن فرنسا هي عضو دائم فيه، وإذا صوتت أمريكا وبريطانيا والصين وروسيا على قرار ينص على التحقيق في حيثيات المجزرة، ستطالب فرنسا بدورها بالتحقيق في مجازر أمريكا في العراق ومجازر روسيا في سوريا وليبيا، ومجازر الصين في حق شعب الإيغور المسلم، ومجازر بريطانيا ذنب أمريكا في العراق وغيره، وكلها مجازر تمت في القرن الواحد والعشرين.
فرنسا تريد أن تفهمنا أن ديمقراطيتها وقيم حداثتها لا تسمح إلا بمحاربة الإرهاب ودعاته فقط، فهي إن قتلت فإنما تقتل أعداء السلام والأمن. هكذا تريدنا أن نفهم.
لكن التاريخ يكذب كل هرطقاتها!!
فلن ينسى العالم رغم كل محاولات الطمس، ذلك التاريخ الدموي للهمجية الفرنسية في لبنان وسوريا والمغرب والجزائر وتونس وموريتانيا ومالي وتشاد وإفريقيا الوسطى والغابون والبينين وساحل العاج وبوركينافاسو والنيجر والسينغال والطوغو وغيرها.
فكم قتلت في هذه الدول من أجل الثروة ثم صرحت للعالم أنها تقتل فقط الإرهابيين؟؟
عندما نرجع إلى مجازرها في الشاوية والأطلس نجدها تفسر التقتيل والتدمير للقبائل المغربية آنذاك بأنها تقتل الإرهابيين فقط ومن تصفح جريدة السعادة التي كانت تنشرها الإقامة العامة الفرنسية في المغرب يجد ذلك في صفحاتها.
هؤلاء الإرهابيون هم من تسميهم المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير مجاهدين ومقاومين وأبطالا مثل موحا أوحمو الزياني بطل معركة الهري، وعسو أوبسلام بطل معركة بوگافر، وأحمد الحنصالي الذي أعدم رميا بالرصاص.
ملايين القتلى ماتوا بالسلاح الفرنسي كلهم من أجل أن تحيا بلاد الأنوار، وترتفع راياتها فوق تراب “المستعمرات”، وتنهب ثروات البلاد وتستعبد العباد.
وحسب روايتها كلهم قتلوا لأنهم إرهابيون يحولون دون أداء فرنسا لسياستها فهي إنما دخلت بلادهم من أجل أن تنشر الحضارة بين الدول المتوحشة، هكذا كان يكتب صحافييها وقادتها، وهكذا كان يجيب عسكريوها وساستها عندما كانت الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) تناقش موضوع الاحتلال والتوسع وارتفاع القتل في صفوف جيشها الغازي.
فكل من مات من تلك الملايين الكثيرة التي استعمرت جيوش فرنسا بلادهم هم من الإرهابيين.
هكذا هو التاريخ وهذا هو الواقع؟ المسلمون يقتلون على الدوام وتحت كل المسميات مهما تناقضت، سواء باسم الاحتلال أو الحماية أو الانتداب، أو باسم الأمن العالمي ومحاربة التطرف والإرهاب.
ومع ذلك نقول؛ ليس الغريب أن تصنع فرنسا للمسلمين أعراس الدم، ولكن الغريب الكئيب الذي يزيد القتل ذلا ومهانة هو أن ترقص رابطة العالم الإسلامي على جراح المسلمين، لتمارس التغطية والتعمية على جرائم فرنسا، حيث استقبل محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين، محمود ديكو، المنسق العام لتجمع أهل السنة والجماعة في جمهورية مالي، الذي أكد في سياق المجزرة على “أهمية تضافر الجهود لمواجهة كافة أساليب التطرف والعنف والإرهاب وتعزيز مفاهيم الاعتدال والتسامح والتعايش التي تُمثل حقيقة ديننا العظيم، وليس كما يزعمه المتطرفون، وقال إن ديننا يُحب الخير للجميع فهو رحمة للعالمين”.
فعن أي مفهوم للتطرف والعنف والإرهاب يتحدث رئيس هذه الهيئة العُلمائية؟؟
وعن أي مفاهيم للاعتدال والتسامح والتعايش التي تُمثل حقيقة ديننا العظيم؟؟
أهي نفس المفاهيم التي بموجبها تقتل فرنسا المسلمين في مالي؟؟
إن أخطر شيء على المسلمين اليوم هو أن المؤسسات التي أنشأها المقاومون والعلماء في سياق محاربة الاحتلال هي نفسها التي تعطي الشرعية لأعداء الأمة والموالين لهم من المستبدين، لتسحق الشعوب.
هذا يجري في الوقت الذي لا تقبل فرنسا فيه حتى أن تعتذر لشعب المغرب والجزائر مثلا عن تقتيلها لآبائهم وإبادتها لقبائلهم. وذلك رغم المطالبات المتكررة من أبناء الضحايا. بل تستمر بالقتل والتصفية للمزيد من رافضي الاحتلال والاستنزاف، وتكتفي بوصفهم بالإرهابيين لتسوغ إبادتهم.
لكن على أرض الواقع يعلم الجميع أن الأمر لا يتعلق بالإرهاب، بل إنهم يقتلون كل معارض حتى تستمر شركات فرنسا في استنزاف الثروات الوطنية لمالي، فالضحايا إنما يرفضون أن يتحكم الفرنسيون في القرار السيادي للبلاد. وما دامت هذه مطالبهم فهم بالنسبة لفرنسا إرهابيون وسيبقون إرهابيين، حتى يضعوا السلاح، ويعترفوا لفرنسا بالحق في نهب الثروات الباطنية والظاهرية للبلاد.
والسؤال ما الذي تغير في واقع الحال بين واقع القرن التاسع عشر والعشرين وواقع القرن الواحد والعشرين؟؟
أمثل فرنسا تعطى العضوية الدائمة في مجلس الأمن وتمنح حق الفيتو لتسير شؤون العالم؟
ألا يجدر بالعقلاء أن يناقشوا الوضع العالمي ومؤسساته التي تدير حملات “الاستعمار الجديد”؟
فهل يبقى معنى للشرعية الدولية بعد هذا الإرهاب الدولي الذي تمارسه دول مجلس؟؟
إن على النخب الحرة في العالم أن تتحمل مسؤولياتها اتجاه ما تقترفه الدول القوية اليوم من اضطهاد وتقتيل، فالعالم يشهد حملات احتلال في كل الجهات تحت ذريعة محاربة الإرهاب، والحكومات تركَّع، والشعوب تداس بالقوة لتقبل بالخضوع لأوامر قادة الاستعمار الجديد.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
لا فض فوك استاذ ابراهيم هذه المقالات ينبغي ان تجمع في كتاب وتطبع لتستفيد منها الاجيال الصاعدة