القوات المغربية تخترق الجزائر بالقطار نحو الجنوب (1903م)
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
ملخص:
في 1903 وجدت القوات الفرنسية المنتشرة على تخوم الحدود المغربية الجزائرية، في مرمى نيران جماعات من المقاومين للغزو الفرنسي، لكل من اتوات وكورارى، واعتراض طريق قوافل تموينها، وكذا عمليات مدّ السكة الحديدية، داخل الجنوب الشرقي المغربي لتقليل تكاليف نقل ذلك التموين والمعدات، وتخليف القوات العاملة بتلك المراكز، مما جعلها تستنجد بحكومة المغرب، للتعاون معها على بث الأمن، وتسهيل التبادل التجاري، وتنقل البضائع بين فرنسا وإفريقيا، فسمحت للقوات المغربية بالنزول في ميناء وهران، وتنقلها عبر القطار لفكيك، لتنتشر في مراكز الحدود المتعارف عليها حسب بروتوكول 1901 وتضمن فك الاشتباك بين المغاربة والفرنسيين، الذين صرحوا بأنهم لا يطمعون في توسيع حدودهم على حساب المغرب.
كلمات مفاتيح:
واحات بشار منطلق ومأوى المهاجمين، معارك: 20 مارس و31 مارس، و17 أبريل، و25 أبريل، لية 7-8 ماي، الاستيلاء على حمولة 500 جمل من التموين، قصف ازناكة 10/3/1903، مراعات التسوية مع حكومة المغرب.
*********
1- الوضعية في الجنوب الجزائري
لا ينبغي أن تغيِّب عنا الاحتفالات بالجزائر خطورة الأوضاع المستجدة في الجناح الجنوبي على طول خط المواصلات وقوافل تموين الززفانة بالسكة الحديدية من بني ونيف لإكلي عبر محطات النخيلة-بن ابراهيم، اقْصر الزوج، وتاجيت، وغربا حيث مراكزنا، واستطلاعاتنا التي لم يؤذن لنقطها بالتحرك.
عِصابات النهاب عادة، من اولاد جرير، وبني كيل، والبرابر، تجد لتجمعاتها مأمنا في النواحي المرتفعة لجبل بشار، الذي تنطلق منه لمهاجمة قوافلنا ومراكزنا، ثم تفر في الواحات البئيسة لبشار، التي صارت منذ زمن، ملاذا للمتآمرين، ونقطة انطلاق سير الغزاة، لمهاجمة الفرنسيين.
عملية قصر الزوج، التي أوجزنا سردها، في آخر عددرمن مجلتنا هاته، ليست سوى نتيجة، سلسلة من الحوادث التي تركت دون عقاب من قبلنا، بفضل صبرنا.
سبق أن تمَّ في 12 يناير الأخير، أن اختطف لنا 40 جمل قرب المنكار، وفي 17 يبراير أختطف لنا مرة أخرى 167 جملا، من غير أن تتمكن مراكزنا من توقيف اللصوص الذين استولوا على تلك الجمال، بعدما فروا لبشار بغنائمهم.
حادثة 20 مارس أبانت أننا لا نستطيع الاستمرار في السماح بتكرار تلك الممارسات العدوانية على قطيعنا من الإبل، ففي ذلك اليوم خرجت قافلة من فاندي قاصدة قصر الزوج، فتعرضت عند الظهيرة لهجوم عنيف من قبل عصابة مؤلفة من 140 مغربي ينتمون لأولاد جرير، وأولاد موسى، وبني كيل، فقام قبطان الهندسة العسكرية، بجمع ما استطاع من الرجال، وأمرهم بالبحث عن عناصر تلك العصابات، مصحوبا في ذلك باليوطنا ريفي، و 20 عنصرا من اللفيف الأجنبي و10 من الرماة، وثلاث اصبايحية، وبعد مسيرة 12كلم بأرض وعرة، التقوا في منتصف النهار بالأعداء، وهم في مجموعات مشتتة بين التلال.
القبطان الذي كان متقدما صحبة الصبايحية، للبحث عن أثر الجُنات تعرض لإطلاق نار كثيف، من قبل حوالي 60 مسلحا مغربيا، ممن شاركوا في الاستيلاء على الجمال سابقا، فعاد أدراجه للالتحاق بمجموعة قواته المتأخرة، ومفرزة فوند التي يقودها ليوطنا ديزي، حيث صعدوا مجتمعين لمكامن الأعداء، ولكنهم لم يبعدوهم بل واصلوا تقدمهم لغاية تلة ارتفاعها 200 م في الجهة الأخرى التي فر المغاربة إليها، بعد إطلاق نار مكثف جرح لنا رجلا جروحا بليغة، دون أن نتمكن من الحصول على مكان مُوَّات، قرر الضابط التراجع على مراحل، لكن اولاد جرير الذين كانوا قد تجمعوا انقضوا فجأة على المفرزة الصغيرة المتراجعة، مسلحين ببنادق من نوع ليبل، وأخذوا يطلقون النار على الجانب الأيمن للمفرزة مستفيدين من معرفتهم بتلك المنحدرات، مما تسبب في إرهاق عناصرنا، واستدراجهم للقتال وجها لوجه باستخدام السلاح الأبيض، بعد نفاد ذخيرتهم، حيث قتل سارجان بطعنة خنجر من مغربي، إضافة لثمانية جنود آخرين، فقدوا حياتهم، وستة جرحى بينهم كل من ليوطنا روفيفر، وليطنا ميشيل، من سلاح الهندسة، وبعد الحادث تصاعدت هجمات المغاربة علينا
ففي 31 مارس ليلا تم نهب جمال، من مركز اجنان الدار وفي ليلة فاتح أبريل، قتل جندي من لفيف باريـي بمعسكر في بني ونيف، وفي 17 أبريل تم هجو على معسكر أخر ببني ونيف، وفي 25 قتل عنصر من اللفيف بطلق ناري، عندما كان يحرس أكوام التبن في مركز دوفييري، ووقع هجوم آخر على مجمع تجهيزات المواصلات بين بشار وجبل مومن
وفي ليلة 7-8 ماي تعرضت قافلة تموين من 500 جمل مخفورة من قبل امخازنية فقط، على بعد 25 كلم من موقعنا في تاجيت بالززفانة، كانت تحمل الدقيق والنبيذ والسكر والملابس، فتم الاستيلاء على حمولتها، وقد كانت الحركة المهاجمة مؤلفة من 1500 رجل بينهم 600 فارس والباقي 900 مشاة، ينتسبون لبني كيل، وقد قتل لنا منها 30 سخَّار وجرح 18. (ص:151).
*********
2- سياسة قصف ازناكة 10/6/1903
بعض الناس أخطأوا في السياسة السابقة المقررة لقصف ازناكة، بعدما رأينا هناك عملا جديد مجسدا من جانب فرنسا في المغرب، وكنا مخطئين تماما بشأن الاتجاه الذي يمكن أن يؤثر فيه على علاقتنا بالمخزن الشريف.
في الواقع كان قصف القصر الأكثر عداء لنا بفكيك، يعتبر مقدمة لسياسة جديدة بالمغرب، غريبة عن المخزن، وموجهة أحيانا ضده، بالنظر للخط الذي اتبعناه منذ سنتين أو ثلاثة معه، وذلك بعدما تصورنا أن دورنا في المناطق الحدودية، هو دور الشركاء في سياسة السلطان، لذلك عملنا كمتعاونين مع المخزن الشريف للحفاظ على النظام، في تلك المناطق، التي لا يمكن له حاليا ضمانه، بقواته الخاصة وحدها فقط.
معاقبة ازناكة، من قبل نفس الإجراء السياسي، الذي تم به نقل القوات المغربية لفكيك، عبر السكة الحديدية الفرنسية، لأنا كنا نريد سيادة الأمن على تخوم الحدود باسم السلطان، لإدراكنا بأن المخزن على علم جيد بمدى الاتفاق الحاصل بين الحكومتين، فيما يتعلق بإشراف الضباط الفرنسيين على تدريب الجنود المغاربة المبعوثين لاستلام ثكنات النقاط الصعبة على الحدود، بيد أن التفسيرات الخاطئة المروجة ضدنا من قبل البعض، يستغلها منافسونا بمهارة، لتقويض هذا السياسة التعاونية الحساسة.
في الحقيقة لم يتغير شيء من تصرفات الحكومتين في المناطق الحدودية، عما حدده بروتوكول 1901، فقد كان حضور السيد محمد الكباص للجزائر، بمثابة اختبار لمواصلة هذه السياسة، القوات المرسلة ضد دوي امنيع واولاد جرير، الذين قاوموا تنفيد بروتوكول 1901متجاهلين سلطة سلطان المغرب، وسلطة سلطان فرنسا، لم تزد تلك المقاومة إلا تأكيدا للتعاون الذي تم بين الحكومتين في السنتين الأخيرتين.
لا شيء يتعارض مع الاعتقاد بأننا بدأنا من الجنوب في المسألة المغربية، ليس لنا طموحات حدودية في هذا الجانب، ولذلك عندما قصفنا ازناكة لم نفكر في تعديل الحدود، وإذا كانت الأحداث الأخيرة في فكيك تتعلق بكل سياستنا المغربية، فإن ذلك من شأنه الإبقاء على روح التعاون المخلص الذي قاد كل عملنا في الجنوب لأكثر من عامين، بمعنى السير في اتجاه مضاد لصرخات البعض، خاصة بالخارج الذي أراد الانتشار مع قصف ازناكة.
لا يجب الإصرار أكثر من اللازم على المعطيات العامة للمشكلة، بسب بعض المراوغات الحدودية في جنوب المغرب، التي يمكن حلها، إذ كل تدخل طائش في هذا الجانب، ينطوي على مخاطر تدخل قوة أخرى، يفرض علينا أن نكون على وفاق معها، وإلا لن يتحقق أي شيء يصلح كقاعدة بناء وانطلاق لسياستنا المغربية هذه.
المسألة المغربية الحقيقية، التي تطرح على الصعيد الدولي، لا يمكن حلها من الجزائر، فما يمكن علاجه من هذا الجانب، هو ما يقع على الحدود من بعض السرقات الجزئية، وسنكون مغامرين بإفساد التسوية، عبر الجزائر، وعبر التعاون الموالي للمخزن في المنطقة الحدودية، يمكن ببساطة، أن نوضح ونؤكد في حاشية السلطان هذه الثقة، التي ستصبح أكثر ضرورية، لاستبعاد المنافسات الأجنبية عنا، وإتاحة الفرصة لنا، لإعطاء حل واقعي -وسلمي، وبالتالي اقتصادي- للمسألة المغربية.
لن ننسى أبدا رأي أولئك الذين يعلقون على الحوادث الجارية جنوب غرب وهران، كل سياسة عنيفة تخاطر بلا فائدة محتملة، مربكة، تفسد قضية المغرب الدولية، علاوة على ذلك ستجعل حل هذه القضية المسلمة الممتدة، أكثر صعوبة، وأكثر شمولا، مسلمة ممتدة لا يمكن حلها بطريقة مقبولة، من خلال التعاون مع مخزن يستحق منا الاهتمام الدقيق، لتواجده في بلد يسهل فيه العثور على أعداء مقومين لأية “مغامرة استعمارية”.
مما لا شك فيه أن حسم مسألة اتوات، أجبرنا على استئناف بعض النشاط، تجاه فكيك، وواد كير، بناء على عقيدتنا السياسية الثابتة، المصممة وفقا لمتطلبات المسألة المغربية، كما سبق تلخيصه آنفا.
لكن الوفاء للحكومة، وفق أي مبدإ، لا يكفي في فرنسا أوروبا، ونحن نقول وأيضا في الوقت الحاضر بإفريقيا الشمالية، حيث صار كل شيء معروفا، ومشعورا به، لذلك فكل كلمة منطوقة أو مكتوبة، تجد لها صدى واستجابة من البعض، بشكل فعال المغربية، يكوِّن خطرا كبيرا علينا. (ص:217).
————
مجلة “إفريقيا الفرنسية 1903″؛ أكيست تيريري Auguste terrier.