من جرائم فرنسا الباردة.. زرع المعمرين (colonisation peuplante)
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
ملخص البحث:
يتطرق البحث للطريقة التي دبرت بها الحماية تنفيذ سياسة “زرع المعمرين” في البادية المغربية، لخلق سكان ذوي انتماء فرنسي بها، من أجل الحفاظ على فرنسة “ابْلادْ” المغرب، لأجل ذلك قامت بإنشاء عدة مؤسسات، لدعم المهاجرين الفرنسيين للمغرب قصد زرعهم في باديته، كملاك للأرض، ومثلا يحتذي به الفلاحون المجاورون، من غير أن يستفيدوا مما يستفيد منه جيرانهم، الذين حولوهم عمالا، عندهم بعدما جردوهم من ممتلكاتهم، ومنعوا عليهم استعادتها.
ومن المؤسسات المحدثة لذلك (مصلحة التحفيظ العقاري) و(جمعية المستعمرين) و(صندوق الاستعمار) و(مصلحة الاستعمار) (la colonisation officiellle)، كما تم ابتعاثهم للتكوين في كاليفورنيا على تقنيات الري، وزرع الحوامض والبواكر، ليتحولوا عن زراعة الحبوب، كل ذلك تحت توجيه ودعم سلطات الحماية لتثبيتهم في “لَبْلاد” ليكونوا مشتل أجيال جديدة، في مغرب جديد من أصل فرنسي يرث (إمبراطورية الغنى) والتي أفرغت سهولها من ملاكها، وتقديمها للمعمرين الذين بلغوا في 1955 حوالي 350.000 نسمة، يتملكون حوالي مليون هكتار.
كلمات مفاتيح:
إمبراطورية الغنى، التحفيظ، المعمرون، التعمير الرسمي، سياسة زرع المعمرين، التعمير الرسمي، ظهير، قرار وزيري، الحكم المباشر، فرنسة المغرب، كاليفورنيا، الحوامض والبواكر.
نص البحث:
انطلقت سياسة (زرع المعمرين) في البادية المغربية بشكل رسمي مع تولية ليوطي مقيما عاما بالغرب سنة 1912 والذي لم يجد في الشاوية المحتلة منذ 1908 سوى 27 ملاك فرنسي من أصل 200 ملاك أوربي يستحوذون بها على 50000 هكتار، للفرنسيين منها 24000 هكتار، وحول مراكش 4000 هكتار، وحول وجدة وسهل اطريفة حوالي 15000 هكتار من مساحة تبلغ حوالي 40000 هكتار بها 500 هكتار تسقى تقليديا من مصب مضيق زلزل.
وقد قدمت تسهيلات للمعمرين لتطوير استثمارها بالقروض والإعفاء الضريبي، باعتبار عملهم وسيلة من الوسائل السياسية لاستعمار البلاد، حيث كانوا يؤدون رسوم دخول تصل 5% بدل 12% المفروضة بالمغرب الغربي «le maroc oriental et les regions colonisees:bulletin…geographie d alger et de l afrique 1/1/1913.p239 ».
وصية ليوطي:
وعن ذلك يقول ليوطي: على فرنسا أن تتمسك بالمغرب للنهاية، ليس فقط كموقف، وإنما أيضا كاحتياطي للإمدادات بكل شيء، لذلك سنعمل كل شيء من أجل منحه للوطن (henri bunle-garde) وهو ما قاله القبطان أدينو في كتابه {“محور السياستين” 1928}: “لقد احتلينا هذا القطر لنفتح أبواب السعادة الدنيوية لتجارنا، ونظيف البلاد الفلاحية فيه لفلاحينا” ص:217.
مما قاد إدارة الحماية للتفكير فيما: “يضمن حقوق المعمرين في الأرض -قدماء وجددا- بتغيير القوانين السارية في البلاد، البنية على الشريعة الإسلامية والأعراف المحلية، باعتبارها مصدرا من مصادر التشريع الإسلامي، وإبدالها تدريجيا بقوانين فرنسية. فسنت أولا (قانون التحفيظ العقاري) سنة 1913 مستوحى من القانون الفرنسي، يمكن المعمرين استقرار الملكية، والحصول على القروض اللازمة للقيام باستثمارات حديثة، بضمان الأرض {” ce mamaroc que nous avons fait:Jean D,esmeص:286} أتبعتها بنصوص أخرى أسست لقضاء بديل لما كان جاريا بالمغرب كما سنبين لاحقا، تمهيدا لخلق المجال القانوني المناسب لسكان جدد زرعوا في مجال قديم، تم احتلاله وإعداده لاستقبال المهاجرين الفرنسيين (لإمبراطورية الغنى).
** السماح للأجانب بتملك الأرض:
بيد أن الاستيلاء على الأرض، لتمليكها للفرنسين خاصة والأوربيين عامة، كانت قبل الحماية وبعدها مرفوضة، ومحاربة من قبل المجتمع والمخزن على حد سواء، فكان تواجد الأوربيين فقط في المدن الساحلية للتجارة مما كان سببا لعقد مؤتمر مدريد سنة 1880 لمناقشة مسألة السماح للأجانب بتملك العقارات في أمكن تواجدهم أو ممثليهم من المحميين، تبعه مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 لمناقشة نفس القضية، ففرض على المغرب السماح للأجانب بتملك العقارات بالمدن الساحلية وداخل المغرب بالتشارك مع المغاربة، تحت مراقبة الحكومة المغربية وممثليها من قياد وقضاة.
وكان ذلك مزعجا بالنسبة للمعمرين وساسة توسيع الاستعمار، مما فرض معه التفكير في استحداث قانون عقاري يسهل نقل الملكية للأجانب، بعد توقيع معاهدة الحماية (1912) خاصة وأن السكان الأهالي بالمغرب قليلون والمساحة التي يتوفر عليها كبيرة.
*** بداية فرنسة القوانين بالمغرب:
يقول “صوردون” عند توقيع معاهدة الحماية، كان سكان السهول المغاربة لا يزيد عن مليونين ونصف، منتشرين في بلاد المخزن، لقد تم الإدراك بوضوح أن هناك فائضا كبيرا من الأراضي المَوات على وجه الخصوص، والتي لا تنتمي لأحد، وعندما أدرك المغاربة أنها يمكن أن تكون موضوع نشاط وربح كبير، أصبح همهم هو الاستيلاء على أكبر قدر منها، لبيعها للأجانب، مما كان يتسبب في منازعات يتضرر منها الجميع، بما فيهم هؤلاء الأخيرين الذين يشترون بعض تلك الأراضي، مما عجل بوضع سجل تحفيظ لها {“la justice indigene et le regime de la propriete immobiliere au maroc “1931ص12-13”}، وذلك وفق ضابط لبيع الأملاك بالإيالة الشريفة، مثل ذلك الصادر في الجريدة الرسمية العدد الأول، فاتح يبراير 1913وما تلاه من ظهائر وقرارات متممة أو معدلة، وقد جاء في الضابط السالف ذكره:
بناء على كثرة مبيعات الأملاك بالإيالة الشريفة، فقد اقتضى نظر المخزن الشريف، أن يجعل ضابطا مؤقتا ليتمشى عليه ولاة المخزن المرجوع لهم النظر في بيوعات الأملاك، وهذا الضابط مؤسس على عرف الأحكام البلدية، والأوفاق الممضى عليها من قبل المخزن الشريف، ودول الأجانب المحترمة.
الباب الأول وهو مبين، لجميع ما يتعلق، برعايا المخزن والمحمين، والأجانب.
الفصل الأول فيما يتعلق بالأملاك التي لا يمكن بيعها ولا يملكها لجميع الناس.
ومن جملتها: الطرق الكبيرة والصغيرة، والأزقة، وشواطئ البحر، والمراسي والغدائر والسبخات، والاودية الواسعة والضيقة، والعيون والآبار، وكل ما بالمدن من الأبراج والأسوار، وغيرها مع مداخلها، ومرافقها، وذلك كله لا يسوغ تفويته شرعا، وللمخزن وحده التصرف فيها عندما يتقرر، كيف يستعملها لمصلحة عمومية.
ثم يوجد بعض الأملاك، لا يسوغ لأحد بيعها وشراؤها بوجه من الوجوه، إلا بعد صدور الإذن به، من قبل المخزن، وذلك لما له عليها من حق التملك، أو المراقبة ومن جملة ذلك:
أولا– أملاك الأحباس، التي لا يسوغ تفويتها أو نقلها إلا بإذن المخزن الشريف، بشروط شرعية
ثانيا– الأراضي المشتركة بين القبائل، وينبغي أن تبقى على حالها، مع حفظ العمل الجاري فيها، بحيث لا يقع فيها بيع ولا مقاسمة.
ثالثا– الغابات أينما كانت في الإيالة الشريفة، فهي لجانب المخزن، وذلك مع مراعات بعض الحقوق التي ربما تكون لبض القبائل المجاورة لها، كالانتفاع بالرعي والحطب.
رابعا– الأراضي التي كان المخزن الشريف اقتضى نظره إنزال الجيوش فيها، بقصد السكنى والانتفاع، فلا يسوغ لهم تفويت شيء منها أبدا.
خامسا– الأراضي الفلاة، والقاحلة، وكذلك الأرض المهملة، التي لا مالك عليها، وبالجملة جميع الأراضي المعرَّفة عند الشرع بالأرض الموات، فإنها لجانب المخزن، ولا يمكن حيازتها، أو إحياؤها، لأحد إلا بعد صدور الإذن الشريف بها له.
سادسا– المعادن التي ستخرج من بطون الأرض وسطحها، فسيوسس فيها ضابط مخزني، يكون التمشي عليه
سابعا– الأملاك المتخلفة من المنقطعين، لا يسوغ بيعها إلا المخزن، لأنها راجعة لبيت مال المسلمين.
ثامنا– جميع الأملاك من رباع وعقارات، الموجودة بداخل المدن وبخارجها، التي هي من خاصة الأملاك المخزنية، سواء كانت مقيدة بكناش الأمناء، أو غير مقيدة، أما ما يرجع لجميع الأملاك المبينة أعلاه، بجميع أنواعها، فلا يسوغ للعمال والقضاة، أن يصدروا أدنى تسريح بتحرير رسوم استمرار الملك، أو شهادة بيع أو هبة، أو مقاسمة، أو مبادلة، إلى آخره.
ويستمر العمل على ذلك، نعم إن جميع المطالب التي ستقدم في هذا المعنى، يجاب عنها بعدم قبولها، وإذا خالف ولاة المخزن المشار إليهم ما سطر أعلاه، فالعهدة تكون عليهم، نعم إن جناب المخزن يحفظ لنفسه الحق، في طلب فسخ أو مراجعة، كل عقدة وقعت في الأملاك التي لا يسوغ لأحد بيعها، بعد صدور هذا الضابط، بدون إذن شريف.
الفصل الثاني: فيما يتعلق بالأملاك التي يجوز بيعها:
يجوز عقد بيع جميع الأملاك الغير مبينة أعلاه، بموجب شرعي على ما كان عليه العمل سابقا على ما سيذكر أسفله، في شأن الإذن الواجب إصداره للأجانب قبل البيع، على مقتضى ما هو مقرر في الباب الثاني أسفله ولكن بقصد الحصول على استيفاء شروط البيوعات المعتبرة شرعا ملكا، ومحله مع حسم مادة الدعاوي في المستقبل فتعين تحديد ما كان صدر في هذا الشأن وتقرير ما يأتي:
يجب على القضاة قبل إصدار إذنهم للعدول أن يتصفحوا الأصول الموجودة بيد البائع، بغاية تدقيق النظر، وإمعانه من جميع الوجوه الشرعية، حتى يتحقق لهم ماهي عليه تلك الأصول، من الصحة أو عدمها، ثم يكتبون لعامل أقرب مرسى أو مدينة، ويطلبون منه بيان اسم الملك، وحدوده، واسم بائعه، ومشتريه.
كما يجب على القضاة أيضا أن يتيقنوا قبل جعل استمرار الملك، أو عقد البيع، بأن الملك لا يشمل كله أو بعضه، على ما لا يسوغ بيعه، من الأملاك المذكورة في الفصل الأول.
وللحصول على ذلك، يكتب العامل للأمين المكلف بأملاك المخزن، والمنقطعين، وناظر الأحباس، ولعامل القبيلة، التي بترابها ذلك الملك، وبعد ما يجيب كل واحد منهم بثبوت الملك لبائعه، وليس فيه شائبة ممن ذكر، ولا نزاع فيه لغيرهم، يحر الجواب للقاضي، مضمنه بعد حكاية مكتوبة بلفظه، بأنه قد استعمل وجوه البحث من جميع طرفه، فصح عنده أنه مسلم لبائعه، وبناء عليه فإنه يعلمه بذلك ليأذن للعدول بتحرير رسم البيع فيه للمشتري، على المنهج الشرعي والقانون العرفي، ويجب على القاضي أن يتمشى على مقتضى ما ذكر أعلاه، كما هو العمل الجاري في الأراضي الداخلية في العشرة كيلومتر، حول المراسي المفتوحة للتجارة، بموجب ذلك، يجري عمله من الآن في الإيالة الشريفة كلها.
فبقصد الحصول على تحقيق النظر فيما ذكر أعلاه، يكون لعذول المدن والمراسي وحدهم، تحرير رسوم الأملاك، ولقضاتها تصحيحها، وأما ما يحرره عدول البادية، ويصححه قضاتها، من الرسوم، فلا عمل به ريثما يعين جانب المخزن من العدول والقضاة بالبادية من يكون لهم تحرير رسوم البيوعات المذكورة أو تصحيحها، ويجري العمل بهذا الضابط المقرر أعلاه على جميع رعايا المحزن، والمحميين، والأجانب.
الباب الثاني
يشمل على فصول تخص بالأجانب على اختلاف أديانهم، تضمنه الفصل الحادي عشر من شروط مدريد، فإن للأجانب الحق في شراء الأملاك، في جميع نواحي الإيالة الشريفة، بشرط أن يمكنوا من إذن يصدره جانب المخزن الشريف قبل البناء، كما أن الفصل 60 من عقد الجزيرة، منحهم الإذن من حينه، فيما يرجع لجميع الأملاك الموجودة في مساحة العشرة كيلومتر، حول المراسي الثمان، وفي مساحة اثنين كلومتر حول القصر الكبير وأصيلا وأزمور، وأما ما يرجع للبيوعات التي يعقدها الأجانب، بداخل الإيالة، خارج المساحة المذكورة، فلا بد من صدور الإذن فيها.
وعليه فإن القاضي لا يصدق على أي بيع كان قصده أجنبي، أصدر المخزن الشريف إذنه في ذلك من قبل،
ويتعين على القاضي أن يأذن المشتري الأجنبي، برفع ما يطلبه من الإذن المذكور، إلى القائد الذي في نطاق حكومة محل الملك المقصود بيعه، وعلى القائد أن يحقق البحث في قضية الملك المذكور في أقرب مدة، ذلك الطلب، صحبة نظره في الأمر إلى عامل المدينة أو المرسى القريبة من المحل، وهو الذي له النظر في قبول الطلب أو رده.
ومن المقرر حسبما نص عليه الفصل الستون من عقد الجزيرة، من إصدار الإذن بحجة صحيحة (انتهى منه بنصه).
تلاه قرا وزيري في عدد:45 من الجريدة الرسمية بتاريخ 13/3/1914 في شأن المنشور المؤرخ بفاتح نونبر 1913 صدر من الصدر الأعظم، للعمال والقضاة وإجراء العمل به في منطقة المراقبة المدنية بناحية الغرب وداي سبو.
بمقتضى كثرة شراء الأراضي بالإيالة الشريفة، وبمقتضى الحرص على عدم إهمال حركة المعاملة العقارية بهذه الإيالة الشريفة، اقتضى نظر المخزن الشريف إتمام الضابط الوقتي المؤرخ بفاتح نونبر 1913 بما يأتي:
فصل فريد
إن الرخصة التي كانت مسلمة من المخزن للأجانب في اشتراء الأراضي، في دائرة سبو، وفي منطقة المراقبة المدنية، بناحية الغرب، تصدر في المستقبل من قواد تلك النواحي، كل فيما يختص بمنطقة حكمه، وفقا للباب الثاني من المنشور المذكور، في 22/2/1914.
وتلاه ظهير تنظيم العدلية الأهلية، وتفويت الملكية، نشر بالجريدة الرسمية عدد 63 بتاريخ 17/7/1914… مما جاء فيه:
(…يقضي بتكميل الضابط الوقتي المدرج بالعدد الأول من الجريدة الرسمية، ليزداد اتساعا وإيضاحا) مضيفا للأملاك التي لا تقبل التفويت:
(الأراضي المشتركة بين القبائل التي لا زالت تحت العوايد القديمة بحيث لا تباع ولا تقسم).
أتبع بقرار وزيري في تعيين تاريخ بداية إجراء العمل بالظهير الشريف المتعلق بالتسجيل، نشر بالجريدة الرسمية عدد77 بتاريخ 1914/10/19.
الفصل الأول– يجرى العمل من الآن بالقواعد المشار إليها في الفصول 39-40-41 من الظهير المذكور المتعلق بنقل الملكية العقارية، بين الأحياء بواسطة خطوط اليد، أو بغير اتفاق كتابي، وذلك في جميع منطقة الحماية الفرنساوية بالمغرب، وأما رسوم الانتقال المذكورة في الفصل (39) فيجب تسجيلها إما بمكتبة التسجيل برباط الفتح، أو بمكتبة التسجيل بالدار البيضاء، في أجل قدره ثلاثة أشهر، حسبما هو معين في الفصل الثامن والأربعين، من الظهير المتعلق بالتسجيل وذلك أيا كان محل سكنى المطلوبين بالتسجيل والمكان الموجودة فيه العقارات، ويجوز للمكتبتين المذكورتين أن تسجلا سائر المكاتب الممضاة من أصحابها إن قدمت التسجيل اختيارا. (انتهى منه بلفظه).
طرق انتزاع الأرض لصالح المعمرين:
وتجدر الإشارة لما وقع بوجدة من قيام الجنرال الفرانساوي “ليوطي” بالقبض على قاضيها الحاج “العربي المشرفي” وعدوله الأربع، وسجنهم في سجن المحلة الفرانسوية، ودخل دورهم العسكر، وبحث عن الأموال والأوراق، وطابع المحكمة الشرعية، ثم قبض على الحاكم الفرنساوي “طيور” وقبطان الديوانة “البندوري” وخليفة الحاكم، وذلك لما ارتكبوه من ظلم المسلمين، وسلب أموالهم وأراضيهم، وبيعها للمعمرين ببخس الثمن، طيلة خمس سنين، انتزعوا فيها جل أملاك بني يزناسن، وطريفة، ونواحي وجدة، والعيون، وبيعها للمعمرين، وكذلك أملاك الأحباس، وتداخل معهم في ذلك، أمين الديوانة “محمد برادة”، و”أحمد بن كروم عامل البلد، وما كفاهم ظلم الأحياء، حتى ظلموا أرباب القبور في سلب قبورهم، وإعطاءها للمعمرين، لتصير دورا، ورياضات، ومخازن، ومدرسة فرنسوية عربية، وخمارات، وامتدت يدهم لمقبرة اليهود فبنش ها بدورها، (انظر مذكرة العلامة الحجوي التعالبي’ ‘مخطوط” ص:65).
يقول الشيخ محمد المكي الناصري في كتابه (فرنسا وسياستها البربرية في المغرب) المنشور سنة 1932 بمصر:
{وقد ظلت فرنسا تصدر الظهائر الشريفة والقرارات الوزيرية باسم “الإصلاح القضائي” وتنتقص من سلطة القضاء الإسلامي إلى أن أصبحت المحاكم الإسلامية لا تكاد تتجاوز مسائل الطلاق والنكاح والإرث، بعدما أبعدت عنها سائر القضايا العقارية التي هي عماد الحياة الاقتصادية في المغرب اليوم، والتي هي محط النزاع الدائر بين أهالي البلاد ودخلاء الفرنسيين، وجعلتها من اختصاصات المحاكم الفرنسية، وأنشأت “إدارة المحافظة العقارية”جعلتها بمنزلة <الحمى>متى سجلت فيها “سرقة عقارية” أو كانت في طريق التسجيل، أصبحت بمأمن من القضاء الحق، وصارت ملكا شرعيا لسارقها والمعتدي عليها} (ص66).
ومن أمثلة تلك الظهائر والقرارات ما صدر في 1919/12/15 بالجريدة الرسمية عدد(346) في الإذن ببيع قطع أراضي مخزنية، كائنة قرب سيدي قاسم، بناء على الرأي الذي قدمته لجنة الاستعمار، وعددها 15قطعة مخزنية، معدة لتربية الأشجار الصغيرة، وذلك رغبة في توسيع دائرة الاستعمار بمساحة 214 هكتار وتسعين آر.
الظهير الصادر في الجريدة الرسمية عدد481 بتاريخ 1922/7/18 صدر ظهير بنمح ستة قطع بسيدي قاسم، وقطعتان ببني امطير ناحية مكناس، و15قطعة بعين تاوجطاطت، و9 قطع بموالين الواد بناحية الشاوية وقطعة بازواغة والسجع بناحية فاس، وعشر قطع بالضويات ناحية فاس، وأربع قطع بأولاد رحال ناحية دكالة، ويتراوح مساحة هذه القطع ما بين 133 و435 هكتار.
كما صدر آخر يسهل بموجبه، من خصصت به قطع معدة للاستعمار، الحصول على السلف، برهن عقاري لمواصلة إحياء أراضيهم، وذلك بالترخيص للمستعمرين بأن يطلبوا بأنفسهم تقييد (تحفيظ) قطعهم بدلا من الدولة كما كان جاريا، و ذلك رغبة في زيادة التسهيل لحصولهم على السلف برهن عقاري (الجريدة الرسمية عدد479 بتاريخ 1922/7/4).
ثم ظهير في الإذن بإحداث “مركز أورباوي للاستعمار” بسوق الثلاثاء بسيدي بنور بقصد تنمية الاستعمار، وضبط الشروط الراجعة لتجزئة الأراضي المعدة لذلك (الجريد الرسمية عدد479 بتاريخ 1922/7/4).
وقرار وزيري بإحداث منطقة للاستعمار بتراب موالين الوادي (فخدة المزامزة) وتراب الفقراء، بناحية سطات مساحتها 3546 هكتار(الجريدة الرسمية عدد478 بتاريخ 1922/6/27).
*** التعمير الرسمي:
بهذه الظهائر والقرارات تكون الحماية قد دخلت مرحلة ما سمته سياسة مخطط (la colonisation officielles ) الذي ارتبط بسياسة توفير القمح لفرنسا الأم، لغاية 1931، بعدما زرعت بضعة آلاف من العوائل الفرنسية في البادية المغربية
{terre,politique et povoir au maroc:will suearinger” :p41 “}.
الذين كانوا بمجرد ما ينزلون من السفن بالدار البيضاء، يسألون عن الأرض الموعود بها، من طرف مُجَيِّشيهم للقدوم “لإمبراطورية الغنى” فيوزعون على سهوله، إضافة للموظفين الضباط المتقاعدين الذين مكثوا في ضيعات الاستعمار الرسمي la colonisation officielle الذي عم كل المغرب، ماعدا سوس، والمناطق المعزولة أو المضطربة، أو التي مناخا قاس يتطلب مساعدات قيمة من الدولة، كانت هذه المستعمرات الرسمية تتبع قوات التهدئة وشق الطرق، وإقامة التجهيزات، وهكذا تواجدت شرق تازا في 1924 وفي الريف بين 1926-1930 وحول قصبة تادلا سنة 1930.
لم يكن للمعمرين معرفة فلاحية كافية، فأقيمت لهم مراكز تجمع، بها عدد من الخدنات ومن بينها مقر للتدريب والتعليم، في كل من البير الجديد، ومشرع بلقصيري، وبوفكران، وبوشرون، ومطماطة وغيرها، وبدأ، انطلاق للمخطط الرسمي لتكوينهم في تجزئة “بيتيجة” سنة 1917، ثم تتابع في كل من سيدي يحيى الغرب، وعين عودة، وفاس ومكناس سنة 1925، وابتداء من سنة 1926 تقدم المعمرون la colonisation لاحتلال إناون، وورغة، وأعالي سبو، وبين 1927-1930 تم إنشاء تجزئات في: ازعير، وزمور مكننا من التحدث عن مستعمرات رائدة colonisation pionniere لأن ضيعاتها، بالنسبة وضعت بيد مختصين للرفع من جودة أرضها.
كل ذلك وأكثر تم من قبل سلطة الحماية لتثبيت زرع وإنتاج عرق فرنسي في “لَبْلاد” كي يوجدوا ساكنة جديدة بها من أصول فرنسية، بلغت سنة 1927 لـ25% من عدد الفرنسيين المدنيين بالمغرب
La colonisation officielle au maroc :Jacques Gdille “le chiers d outre-mer1955p305
فهل يا ترى تم تحقيق المراد؟ لنتابع:
*** جائحة التعمير الرسمي:
جاء في تقرير مدير الفلاحة “ماليط” سنة 1923 بأن إحصاء 1921-1922 بين أن هناك 1127 فلاحا فرنسيا يحوز حوالي 429452 هكتار، بإضافة 117 فلاحا أجنبيا بمساحة قدرها 21144 هكتار، و 180 آخرين في ضواحي الدار البيضاء، ليصل عدد الفلاحين الأجانب 1424 بمساحة تقدر بـ450.000 هكتار نصيب الفرنسيين بها ما بين350.000 و360.000 هكتار.
وفي سنة 1923 بلغ عدد المستفيدين من القطع الأرضية المخصصة للاستعمار الرسمي حوالي1127 مهاجرا فرنسيا، حصلوا على ما مجموعه21144هكتار، وهو رقم أكبر مما صرح به المارشال ليوطي في الأكاديمية الفلاحية بفرنسا، بتاريخ 1923/12/5 حيث أعلن بأن هناك أكثر من 1000 كلون فرنسي، يقيمون على 300 ألف هكتار بالمغرب، وكأنها دعوة لزيادة عدد المهاجرين الفرنسيين، لتقوية سياسة “زرع المعمرين” في البلد، لتثبيت قدم فرنسا به، وفي ذلك قال مخاطبا المعمرين في فاتح سنة 1915.
{لا يخفى عليكم أيها المواطنون المحترمون أنكم طليعة الفرنساويين الذين أموا ساحة الديار المغربية، فكنتم سبب مجيئنا، وسبب بقائنا بهذا القطر السعيد “سمط اللئالي في سياسة المشير ليوطي نحو الأهالي ‘ص44‘}، وفي سنة 1922 قال عنهم: {“وإني من واجب تلبية نداء الضمير، أن أحيي في هذا المقام أولئك الفرنساويين الأولين، الذين مهدوا عمل فرنسا في المغرب، ثم لما تمَّ وضع الحماية، ازداد عدد النزالة في هذه البلاد السعيدة، التي أقبل عليها الفرنساويون إقبالا عظيما “المصدر السابق ص123”}، لأنهم علموا أن غزو هذا القطر سيفتح أمامهم أبواب السعادة الدنيوية، لتجارنا وليضيفوا البلاد الفلاحية فيه لفلاحيهم، كما قال {القبطان أدينو في كتابه “محورالسياستين”ص:217}.
وإذا كان المعمرون الأوائل تشاركوا مع المغاربة في استغلال الأرض سواء للفلاحة أو الرعي، عن طريق توفير الحماية للمخالطين، والتكلف بالتموين، ورفع الكلف المخزنية عنهم، وتحاكمهم للمحاكم القنصلية بذل المحاكم الوطنية، مما سبب معضلة للسيادة الوطنية، انتهت مع فرض الحماية، وإقرار قوانين جديدة مستمدة من القانون الفرنسي، فإن السياسات المختلفة للمقيمين العامين، نجحت في جذب متوال للسكان الفرنسيين، سواء من فرنسا أو الجزائر، فبينما كان ليوطي يريدها هجرة تنمية تشاركية تجعل المغاربة يقتدون بالفرنسيين ليكتسبوا أسلوب حياتهم ونمط مجتمعهم، ونشروا عاداتهم وأخلاقهم على مهل.
*** سياسة الإدارة المباشرة:
جاء المقيم العام “استيك” بسياسة حكم المغرب عن طريق الإدارة المباشر، لفرنسة البلاد، قصرا، متجاوزا معاهدة الحماية، معترا المغرب مستعمرة، فأجاز للفرنسيين مصادرة الأراضي من القبائل، رغما عن القوانين والظهائر الصادرة بمنع ذلك إلا في إطار الشرع، وهي سياس تواصل اتباعها حتى مطلع الحرب العالية الثانية.
وبفضل هذه السياسة ارتفع عدد الفرنسيين في عشر سنوات من الحماية ب73% حيث بلغوا 51500 نسمة، ثم ارتفع بين 1921-1931 بـ138% ليبلغ 122.347 نسمة وبين 1931-1936 كانت الزيادة بـ18% ليستقر في 141.343وفي 1947تم إحصاء 325.000 أوربي بينهم 249.659 نسمة ليرتفعواب31% بين1947-1951 حيث وصلوا 350000 نسمة يستغلون أكثر من مليون هكتار.
وبذلك يكون عدد المعرين بالمغرب قد تضاعف 540% في 34 عام {lamigration des francais au maroc…..cathrin therrien et charloe pellegrini « ص 5 »}.
لقد تدفق المعمرون الأوربيون على المغرب بدء من 1910 حيث بلغ عدد النازلين بميناء الدار البيضاء 1019 وفي 1911 نزل 3233 وفي 1912 نزل 9100 وفي 1913 نزل 29755 وفي 1914 نزل 27433 وأغلب المهاجرين بقوا في المدن، والفلاحون منهم اتجهوا نحو سهل الغرب، حيث كانت إقامة الأوربيين به أسهل من باقي السهول المحيطية المحتلة كأحواز الدار البيضاء والشاوية يساعدهم قياد الحماية المنحازون للنظام الجديد.
فتم حصول المهاجرين الجدد في 1915/6/6 بسهل الغرب على مساحتها حوالي 500هكتار، وفي 1915/7/26 تم إعطاء (الجمعية العقارية والشركة الفلاحية المغربية) حوالي 1400 هكتار بناحية المكرن بالغرب، وفي عموم المغرب الغربي خلال سنوات 1791/1916/1915//تم إعطاء 83-104-110 رخصة للحصول على مساحة تقدر بـ21000-19000-27000 هكتار، وفي سنوات 1920-1921-1922 تم بالرباط تقييد تراخيص 92-80-101 بمساحة تقدر بـ: 20000-27000-83000 هكتار {“leRhab fellhs et colons:Jean le coz”ج2ص369}.
ومن أجل دفع العملية التعميرية للأمام وتوفير شروط نجاحها تم في 9نونبر1916أثناء الحرب انشاء (جمعية المعمرين) برئاسة ممثل للإقامة العامة، وعضوية رؤساء مختلف المصالح المهتمة لإدارة توزيع أراضي (الاستعمار الرسمي) والتي كونت من الأراضي المخزنية، والأراضي المتخلى عنها من قبل القبائل المحاربة للغزو، والتي دفعت للجبال والصحراء، وأراضي الأحباس، والأراضي المشتركة بين الجماعات المسمات (أرض الجماعة) وأرض الخواص الذين هاجروا للمدن، أو حول ليد عاملة عند المعمرين، كما تم إنشاء (صندوق الإستعمار caisse de colonissatio) من قبل (مصلحة الاستعمار) لتمويل عملية بيع البقع المعروضة للبيع، والمقسمة لثلاثة أصناف: صغيرة تقع حول المدن، ومتوسطة نشرت عل كل التراب الداخلي بالمغرب، لتكون منبت لساكنة قروية، ذات أصول فرنسية، وهي التي تم الاهتمام بها، وتوفير سبل العيش المرفه لها، لتستقر في (لبلاد)، وكبيرة، وقد بلغت مساحة كل منها بين 1918-1923.
كالتالي:
– مستعمرات صغيرة 2509 هكتار بـ206 وحدة
– مستعمرات متوسطة 59992هكتار بـ226 وحدة
– مستعمرات كبرى 11995هكتار بـ17 وحدة
وقد توالى الاهتمام بالمستعمرات المتوسطة التي كان معدل مساحة كل واحدة 250 هكتار، ورغم بعض الإخفاقات خاصة حول بيتيجة (سيدي قاسم) فقد تم تحقيق نجاح لا بأس به.
وقد تواصل توسيع حيازات هذه الفئة من المعمرين بوتيرة سنوية ما بين 15.000-20.000 هكتار في السنة، لاستقبال ما بين 60-75 عائلة بين 1924-1925 وقد حدد مؤتمر فرساي سنة 1922 هدفا للعشرين سنة المقبلة بلوغ مليون هكتار.
وقد تم بلوغ ذلك الهدف بالفعل، بيد أن نوعية الفلاحة تغيرت ابتداء من أزمة 1929 التي أصابت جل المعمرين بالإفلاس، فتمت إعادة تأهليهم، بإرسالهم في بعثات تدريبية، لكاليفورنيا بالولايات المتحدة، ليطلعوا على الزراعة الحديثة، المسقية هناك، فلما عادوا، قاموا بتوجيه من إدارة الحماية، بتحويل استغلالاتهم من زراعة الحبوب لزراعة الحوامض والبواكر.
فبعد أن كانت مساحة أشجار الفواكه، لا تشغل سنة 1929 سوى حوالي 28.000 هكتار صارت سنة 1954تشغل 113.000هكتارا، وبلغ عدد المعمرين الأوربين حوالي 6000 واصلوا عملهم في تطوير أسالب الزراعة المكثفة بمعدل 10.000 هكتار في السنة معتمدين على يد عاملة مغربية تبلغ 60.000 عامل يعولون قرابة 250.000نسمة، وقد أدى ذلك التجديد في أسلوب الفلاحة عند المعمرين، إلى زيادة في إنتاج الحبوب من 200.000 قنطار سنة 1920 إلى 600.000 قنطار سنة 1952.
صحيح أنه ما يزال هناك اصلاحات وتحسينات يتعين تنفيذها بالمغرب، لكن يجب أن يتم ذلك بشكل بطيء وسلمي، ليتسنى لفرنسا إعادة بناء نفسها وإزالة آثار الدمار، والخراب، الذي شوهها.
وعليه فالحقيقة أن هذا المغرب الذي خرج فجأة من العصور الوسطى، ليحتل مكانه بين الدول الحديثة العظيمة، هذا المغرب الذي يعيش فيه الإسلام والمسيحية، جنبا لجنب، في احترام متبادل تتناغم فيه المدن القديمة، مع المدن الأوربية الجديدة، هذا المغرب الذي يفخر به المغاربة، ويعجب به الأجانب، مغرب 1950 هذا، نحن بالفعل من صنعناه، ونحن، ونحن وحدنا!
(Ce maroc que nous avons fait:Jeaan D,esme ص285-295)
*** تعليق على الخاتمة:
لن أجد ردا على العبارات الاخيرة الخاتمة، سوى ما قاله أول مقيم عام بالمغرب “ليوطي” في خطاب له يوم تدشين مسجد باريس في 1922/10/19:
“لما نزلت في مرسى الدار البيضاء سنة 1907 رأيت مزارع مرتبة منقات من الأدغال، محروثة حراثة مستقيمة، جعلتني أظن أني في مزرعة افرنساوية” (سمط اللئالي… ص135).
ويقول القبطان “feline”: “أرض الشاوية سهل شاسع مفتوح، محروث بشكل جيد، يمثل الشعير نصف المساحة المزروعة، تليه الدرة والقمح” (l artillerie au maroc ص4 طبع 1912).
ترى أين هي زَرِّيعَة فرنسا اليوم في (لَبْلاد) ابلاد المغرب؟