حكومة رجل الأعمال تتمعن في تحقير لغة الشعب
هوية بريس – نبيل بكاني
إذا كان لابد أن ننوه بالخطوات الأخيرة للحكومة في ما يتعلق بالمطلب القديم الداعي إلى تخليص الشعب المغربي من قيود الذل والتخلف الذي فرضته لغة الجمهورية الفرنسية، هذه اللغة التي لا يدرسها الايطاليون لأولادهم ولا الإسباني ولا الألماني، وهم شعوب دول جوار بالنسبة لفرنسا، ولو وجدوا في تدريسها فائدة لدرسوها في مدارسهم، فهذه الدول، وهي دول متقدمة علميا وتعليميا وحقوقيا، تنتقي لشعوبها أفضل اللغات الأجنبية، لهذا فمدارسها تركز أساسا على لغاتها الوطنية، أولا، ثم تلحق إليها الإنكليزية كلغة أجنبية أولى، أما عن لغة الجمهورية الفرنسية، وهي أكبر من مجرد لغة، إذ هي أداة أيدولوجية سياسية حاملة لمشروع تخلف وانغلاق، فداخل وطننا، وإن كان لابد من مباركة خطوة الحكومة نحو الانعتاق من لغة التخلف، هاته، التي ارتبط استعمالها، كلغة أجنبية أولى، بالدول المتخلفة، بل، وتلك الأكثر تخلفا، وتعزيز حضور اللغة الإنكليزية وافساح المجال للغة الإسبانية لأهميتها، سواء مع الجوار الإسباني أو حتى مع دول أخرى في أميركا اللاتينية التي تتواجد فيها الإسبانية كلغة أم والتي تقتضي بعض المصالح الاستراتيجية، أولها قضية صحرائنا المغربية، تقتضي الانفتاح على هذه المجتمعات، فإن تغييب حكومة رجل الأعمال للغة العربية التي أبان بالملموس عن نزعة الاحتقار تجاه هذه اللغة العظيمة، وهي النزعة المتجذرة لدى عدد من رجال المال والأعمال الذين ينظرون إلى القيم والى الوطن والى المواطن نظرة حساب ومادة ومنفعة مالية، فتجدهم بذلك جنودا مجندين خدمة للغة فرنسا، آلية فرنسا الاستعمارية الاقتصادية، لكونها سبيلهم التقليدي لاستمرار امتيازاتهم، ولأنها اللغة التي تنسيهم، ولو وهما، بجذورهم البدوية، ذلك أن مجتمع المدينة في المغرب، ليس هو الذي في فرنسا، حيث أن رأسماليتنا حديثة، وهي (مجتمعات المدينة) نتاج القرية، والقرية حيث الجذور التي يحاول هؤلاء التنكر لها (إقرأوا بعض كتب السوسيولوجيا ففيها توضيحات أكثر علمية).
رجل الأعمال الذي يرأس حكومة ما سماها حزبه (حزب رجال الأعمال المنبثق عن تعاونية اتحاد مقاولات المغرب الذي أسسته فرنسا في فترة احتلالها والذي يتشبث بوفائه لهذا الإرث الاستعماري إلى اليوم ويظهر ذلك حتى القوانين الداخلية والقانون التأسيس لهذا التنظيم المحرر بلغة جمهورية بلاد الغال)، حكومة ما سماها حزبه “حكومة تمغربيت” التي استقاها من مفردات السوق الشعبي والأسبوعي، كونه في الأصل تاجر ابن تاجر، رجل الأعمال هذا الذي يخشى على المصالح اللغوية/ الاقتصادية لدولة فرنسا، لم يحرك ساكنا أمام حملة مليونية شعبية عارمة شارك فيها مغاربة من مختلف الطبقات الاجتماعية والثقافية، ودعمها أكاديميون وسياسيون وفاعلون وعلماء وبروفيسورات في الجامعة، وفضل عدم التفاعل معها أو التعليق عليها، كما يفرض عليه دستور البلاد، وخطابات ملك البلاد، التي ألزمت الحكومة بالتعاطي مع نداءات الشعب ومطالبه، وحين وجد نفسه أمام طريق واحد، استجاب مرغما لمطلب قديمة يعود إلى الألفينات من القرن، كان قد تمكن اللوبي الفرنسي الإجرامي من إقباره والممثل في الانفتاح على الإنكليزية، وهو مطلب الانعتاق من قيود الانغلاق والتبعية والتخلف، الذي فرضته لغة التخلف (لغة الجمهورية الفرنسية)، لكنه في المقابل آثر التعامل مع لغة الوطن والمواطن كما لو كانت مسألة عابرة أو لغة مندثرة لم يعد لها وجود ولم يعد مجال لمناقشة إحيائها.
تجاهل حكومة رجل الأعمال، لقضايا اللغة المطروحة بقوة والمطالب الشعبية المتصاعدة الداعية الى القطع النهائي مع لغة التخلف (لغة الجمهورية الفرنسية) سواء في الإعلام العمومي أو في الإدارة بكل مرافقها أو في التعليم، والانفتاح الجيد على اللغة الإنكليزية، لكن شريطة تفعيل إرادة الشعب المغربي المعبر عنها في أول دستور في عهد الملك محمد السادس، وهو الدستور الذي كتبه مغاربة، وحررت نسخته الأصلية بلغة عربية، عكس تقرير النموذج الاقتصادي الذي كتبته لجنة مفرنسة اللسان والعواطف، وقدمه رئيسها لدولة فرنسا عن طريق سفيرتها السابقة، حيث حذفت (فرنسا) مقترحات تخص اللغة العربية والسياسات اللغوية تضمنها أربع مذكرات قدمتها أربع هيئات أكاديمية – مازالت هذه المذكرات الاقتراحية منشورة في منصة اللجنة -. (الدستور) سطرت فيه مطالب المغاربة وتطلعاتهم وشروطهم، في شكل فقرات وبنود وفصول، والملزمة للدولة بجميع مؤسساتها باحترامها، والتي ينص الفصل الخامس منها، على تنمية استعمال اللغة العربية وتطويرها ونفس الأمر بالنسبة للأمازيغية، وعلى تعلم اللغات الأكثر تداولا في العالم، وقد قال “تعلُّم” ولم يقل “التعليم بها” وإذا كان التعليم بهذه اللغة، بشكل اختياري ضمن عروض لغوية متنوعة، فلا بأس بذلك، ولكن أن تقصى لغة البلاد والعباد من وضعها الطبيعي كلغة للتعليم والشرح والكتابة، في المواد العلمية والتقنية، دون أن تستطيع هذه الحكومة وسابقتها تقديم مبرر علمي، ذلك أنه لا توجد دراسة أكاديمية رسمية تفيد بأن اللغة العربية قاصر أو عاجزة عن تعليم العلوم
أما في ما يتعلق باللغة والإدارة، فلحد الآن ننتظر من هذه حكومة التاجر رجل الأعمال، وبما أنها تصر على أنها حكومة شفافية، أن تظهر لنا سندا قانونيا أو مذكرة أو قانونا أو أي وثيقة رسمية، تعطي للغة الجمهورية الفرنسية الطابع القانوني والاعترافي لاستعمالها في الإدارة. ولحد الآن حكومة رجل الأعمال وعضو اتحاد مقاولات المغرب الذي أسسته فرنسا، قد أبانت بما لا يجعل للشك مكانا، أن قلبها مع دولة فرنسا ومع مصالحها الاقتصادية والسياسية المرتبطة بلغتها المتخلفة المفروضة فرضا على شعب بأكمله ومن خارج القانون وضدا على إرادته، وبالإكراه، ودون أن يكون المغاربة قد اختاروها أو استشيروا بشأنها.
حكومة رجل الأعمال، رئيس حزب رجال الأعمال، الحزب الذي يحمل نفس حزب اليمين الفرنسي لرئيسته ماري لوبين، الحزب المقرب من اتحاد مقاولي المغرب الذي أسسه المستعمر، تتعامل مع المطالب الشعبية الداعية للقطع النهائي مع استعمال هذه اللغة الأجنبية غير القانونية، والمتخلفة، التي صدرت ضدها أحكام قصائية تصفها ب”اللغة غير القانونية” وبـ”الانتهاك الجسيم للقانون”، تتعامل مع المطالب المتصاعدة بالتجاهل والصمت كما لو أن الأمر لا يتعلق بالمغرب، وهذا الصمت المستفز للشعب المغربي ستكون له نتائجه على هذه الحكومة خاصة على شعبيتها وعلى حضورها الانتخابي، لأن المطالب بالاستقلال اللغوي والقطع مع اللغة الاستعمارية المفروضة في شكل من أشكال الاستعمار، وإنهاء الوجود الإداري لهذه اللغة التي هي آلية للإقصاء الممنهج للشعب المغربي، ستتحول إلى شعارات مرفوعة في التظاهرات، واتهامات مباشرة لحكومة رجل الأعمال بالتواطؤ ضد مصالح الشعب المغربي.
ـــــــــــــــــــــــــ
سكرتير الجبهة المغربية للاستقلال اللغوي