بعد التهديد بالبوارج الحربية.. ماذا يطبخ وزير خارجية أمريكا مع زعماء الخليج؟
هوية بريس – إبراهيم الطالب
يتساءل المتابعون للشأن الدولي دائما: هل “إسرائيل” ولاية تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، أم أن أمريكا هي التي تعتبر مقاطعة أو مستوطنة من المستوطنات “الإسرائيلية”؟
ويبدو أن ملحمة طوفان الأقصى قد أكدت الفرضية الثانية.
فعندما ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بيان إعلان الحرب، وقال إنها حرب حياة أو موت، وتوعد بسحق حماس، سارع وزير الخارجية الأميركي “أنتوني بلينكن” إلى تأييده على إبادة حماس، وجدد دعم بلاده المطلق لإسرائيل، وقال: إنه سيتوجه لدول الخليج غدا (أي الجمعة) في جولة للتشاور مع زعمائها تهدف لبحث التطورات، هذه المباحثة ستكون ولا شك خاضعة لموقف أمريكا الذي صرحت به وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، خلال مؤتمر صحافي في مراكش على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وبكل صلف وقلة حياء، “أن دعم أوكرانيا وإسرائيل يبقى الأولوية المطلقة للولايات المتحدة”، وجانيت يلين هي يهودية بولندية ومن أعمدة اقتصاد الدولة الأمريكية، وزوجها هو جورج أكرلوف يهودي ألماني متخصص في الاقتصاد أيضا.
لكن لا غرابة في هذا فاليهود الصهاينة دمويون، وهم من يتحكمون في القرارات السيادية وكذا القرارات الخارجية لدولة قامت أساسا على الإبادات للسكان الأصلين.
وقبل أن نخوض في تحليل أي شيء وحتى نفهم الحب الأمريكي لليهود الصهاينة والتأييد غير المشروط لجرائمهم والحركية الزائدة في دعمهم وإخضاع قرارات الدول ومواقف زعمائها لمصالح دولة القتل والاحتلال، لابد من أن نلقي نظرة على سيرة هذا الوزير المهم في الإدارة الأمريكية:
تماما مثل وزيرة الخزانة الأميركية “جانيت يلين” فإن “أنتوني جون بلينكن” ولد لأبوين يهوديين، في 16 أبريل 1962 في نيويورك، ووالده هو دونالد بلينكن الذي عمل سفيرا أميركيا في المجر بين 1994 و1997.
وينتمي بلينكن لعائلة ذات نشاط سياسي، فجده لأبيه هو المحامي الأميركي موريس هنري بلينكن المولود في كييف، وبعد أن هاجرت أسرته إلى الولايات المتحدة أسس “معهد فلسطين الأميركي” بعد الحرب العالمية الثانية، وأسهم في الدفاع داخل الدوائر الأميركية عن تأسيس إسرائيل.
شارك “بلينكن” في صياغة السياسة الأميركية خلال عمله نائبا أول لمستشار الأمن القومي للرئيس أوباما، الذي سبقت محرقة غزة بقنابل الفسفور الأبيض توليه الرئاسة بأيام، وكان خير معين ومساند لها حتى فتت صخور الغضب الدولي الذي تراكم بعد محرقة 2009.
بلينكن هذا قاد أيضا لجنة نواب الرؤساء المشتركة بين الوكالات التي تمثل المنتدى الرئيسي لصياغة السياسة الخارجية للإدارة”.
إذن نحن لسنا أمام سياسي عادي، بل أمام وزير للخارجية من طينة اليهودي الآخر هنري كسنجر وزير خارجية أمريكا وعراب السلام وواضع السياسة الخارجية لملف الصراع العربي الإسرائيلي لعقود مديدة، بل هو من أخضع القادة لأهواء ومطالب الصهيونية، وجر فلسطينيي “فتح” إلى طاولة سلام الخزي.
لقد سبق لبلينكن في 17 يونيو 2020 -أي قبل أكثر من 3 سنوات من ملحمة طوفان الأقصى- أن قال: “إن بايدن لن يربط المساعدة العسكرية لإسرائيل بأشياء مثل الضم أو قرارات أخرى للحكومة الإسرائيلية قد نختلف معها”. ولا شك أن قرار إسرائيل بإبادة غزة يدخل في هذا الوعد.
فهو لا يمانع في استعمال أمريكا للقوة في سبيل الدفاع عن قيمها كما تراها، فقد سبق أن عبَّر علنا عن مواقف داعمة للترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان في السياسية الخارجية الأميركية، بما في ذلك استخدام القوة الأميركية في “الخير” والدفاع عن الحريات.
والعالم بأسره يعرف أن إيمان أمريكا بالحرية مثل إيمان الملحدين باليوم الآخر، وأن الخير بالنسبة لها هو كل ما يعود عليها بالربح ولو قتلت جل سكان الأرض إن استطاعت، فما بالك إذا كان القائل وزيرا أمريكيا يهوديا صهيونيا؟
لقد كان بلينكن صريحا حين أعلن على الملأ أنه لم يأت إلى إسرائيل كوزير خارجية وإنما كيهودي، وسيلتقي ملك الأردن عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس وقادة السعودية والإمارات ومصر وقطر، ضمن جولته الإقليمية التي بدأها من إسرائيل.
فيا ترى هل سيقابلهم بصفته وزيرا أم بصفته يهوديا؟
لا يضر، الشيء الوحيد الذي نحن جميعا على ثقة به، هو أن الأمر مع هؤلاء الزعماء سيكون أكثر قتامة وسوءًا.
وماذا يا ترى سيطبخ مع زعماء الخليج أمثال من حاولوا إسقاط أردوغان، وعزلوا الرئيس المصري محمد مرسي -القتيل ظلما-، فهم يكرهون الإسلاميين كره الموت، ويشتركون في كل مؤامرة على التيارات الإسلامية مهما كانت مسالمة، فما بالك بحركة حماس التي تتبنى خيار المقاومة والسلاح، عقيدة وسلوكا وشريعة؟
وماذا ينتظر أهلنا في غزة من الزعماء العرب، وهم الذين عاشوا أكثر من 20 سنة في حصار الصهيونية لهم وتقتيل أبنائهم ونسائهم، سوى المقاومة الدائمة والمستمرة حتى الاستقلال خصوصا وأن دول الطوق تشارك في حصارهم؟
وماذا ننتظر نحن المسلمين الذين عشنا مرارة التقتيل الأمريكي لشعوبنا في كل ربوع بلادنا الإسلامية طيلة أكثر من نصف قرن، من التشاور مع وزير يهودي مؤمن حتى النخاع بالصهيونية، وينتمي قلبا وهوية وأصلا إلى الكيان الغاصب، بل رضع الصهيونية أبًا عن جد؟
فجده الأميركي موريس هنري بلينكن هو مؤسس “معهد فلسطين الأميركي” بعد الحرب العالمية الثانية، كما أسلفنا، أسسه حتى قبل أن تعترف الأمم المتحدة “علينا” بدولة الكيان الغاصب، وذلك للدفاع من داخل الدوائر الأميركية عن تأسيس “إسرائيل”.
فماذا عسى تغني مشاورات زعماء الدول العربية مع الأمريكي الصهيوني بلينكن؟
يقينا لن يرضى منهم سوى بالضوء الأخضر لتصفية القضية الفلسطينية للأبد، فقد صرح قبل ثلاث سنوات وبالضبط في 28 أكتوبر 2020، لمجلة “المطلع اليهودي”The Jewish Insider أن إدارة بايدن تخطط لـ “إجراء مراجعة استراتيجية” للعلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية “للتأكد من أنها تعزز مصالحنا حقًا وتتوافق مع قيمنا”.
وكل المسلمين وغير المسلمين يعلم مصالح أمريكا في بلداننا ويعرف قيمها التي تطالبنا باعتقادها وامتثالها وإعادة ضبط مجتمعاتنا وفقها.
إن الرغبة في إبادة غزة وأهلها تبدو واضحة من خلال “تواضع” رئيس الوزراء الإسرائيلي عند قوله: “إن ما عاشته إسرائيل يوم السبت الماضي ليس له مثيل منذ المحرقة”.
ثم يضيف في بيان إعلان الحرب أمام الكنيست أن “الإسرائيليين موحدون اليوم لتصفية حماس”، هذا مع علم الجميع أن تصفية حماس لن تكون أبدا إلا بتصفية كل الفصائل المقاومة للكيان الغاصب، الأمر الذي يعني أن مفهوم “التصفية” خصوصا مع وجود الوزير الأمريكي الصهيوني بلينكن ووزيرة الخزانة الأمريكية جانيت لا حقيقة له سوى إبادة شعبنا في غزة، ولن تكون هذه الإبادة سوى إذا وقَّع عليها زعماء الدول العربية، خصوصا دول مجلس التعاون.
ثم إن ربط النتن ناتانياهو لملحمة طوفان الأقصى بالمحرقة الألمانية هو محاولة لاستنفار الدول الغربية وإعطاء المشروعية لكل عمليات الإبادة التي بدأها، والتي يرغب في الاستمرار فيها.
وما يزيد من احتمال خضوع الدول العربية والخليجية لإملاءات بلينكن هو الوضع المزري للدول التي كانت ترعب جيوشُها الكيان الغاصب مثل: مصر والعراق وسوريا وليبيا والضعف الحالي الكبير في تونس والجزائر، والتطبيع المشين في المغرب، بالإضافة إلى قابلية السعودية -بعد رؤية 2030، وتبنيها للقطيعة مع إرثها الدعوي السلفي “الوهابي”- للانبطاح، وكذا الاستيلاء الكامل للصهاينة على دولة الإمارات والتحكم فيها، فكل هذا يجعل المسلمين أمام خيار أوحد وهو المقاومة ولا شيء سوى المقاومة.
ومن جهة أخرى، لا ينبغي أن يدفعنا هذا الوضع إلى الجري وراء وَهْم الانحياز إلى الجانب المعسكر الصيني الروسي، الذي ينتظر فرصته في حكم العالم وإخضاعه، والدخول في حسابات توازنات القوى الكبرى، فليس في الانحياز إلى معسكر الصين والروس مصير إلا ما يشبه ما جنيناه من التبعية للمعسكر الرأسمالي منذ الاستقلالات المنقوصة.
إن خيار المقاومة هو الخيار الأوحد للشعوب الإسلامية إذا أرادت أن تتحرر من التبعية للمعسكرين سواء الاشتراكي أو الليبرالي، إذ لن يقبل بحريتهم ولا بنهضتهم أي طرف منهما، وكما للدول منطقها في تدبير الوضع فإن للشعوب منطقها في تحصيل إمكانية بقائها على قيد الحياة والانفكاك من ربقة التبعية المذلة الخانقة، لكن ما سيصنع الفارق -بإذن الله- في الصراع القائم في بلاد الأقصى خصوصا بعد البلاء الحسن للأسود التي تدافع بالنيابة عن الأمة، هو طبيعة الأداء الشعبي للمجتمعات الإسلامية في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ أمتنا، فإما أن نكون أو لا نكون.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.