التربية على القيم مدخل لإصلاح التعليم

02 فبراير 2021 16:01

هوية بريس – محمد السارتي

يسعى المغرب -وكغيره من الدول- جاهدا لإصلاح منظومته التربوية والتعليمة؛ من خلال مجموعة من الإصلاحات المتتالية منذ الاستقلال إلى الآن، وفي كل إصلاح تؤكد التقارير الوطنية والدولية وتقارير الخبراء في مجال التربية على محدودية هذه الاصلاحات، لعدم تحقيق غاياتها المرجوة؛ ليتم استبدالها بإصلاحات أخرى سرعان ما تكشف التقارير مرة أخرى على ثغراتها؛ وهكذا دواليك؛ الى حدود وضع الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 التي تعد أطول خطة إصلاحية وأشملها منذ استقلال المغرب وخاصة بعد الدستور الجديد للبلاد (دستور 2011)، وهي خطة إصلاحية لم تسلم هي الأخرى من الانتقاد من طرف الخبراء وأصحاب الاختصاص  لكونها تستند إلى أسس ومنظورات أجنبية لا تتلاءم مع مقوماتنا وحاجاتنا الوطنية كالإصلاح في المجال اللغوي مثلا[1]؛ أو تغليب المجال الاقتصادي والتنموي[2] على حساب منظومة القيم؛ على الرغم من تكامل هذه المجالات وتداخلها. أما المخطط الاستعجالي 2009-2012 فلا يخفى على المتتبعين للشأن التربوي والتعليمي فشله، وعدم تحقيق غاياته المأمولة بشهادة الجهات الرسمية والتقارير الدولية والوطنية؛ رغم الاعتمادات المالية المهمة التي رصدت له والتي تقدر بالملايير.

من هذا المنطلق يتضح لنا أن إصلاح منظومة التربية والتعليم/التكوين كان ومايزال هاجس الدولة المغربية؛ بل واعتبر القضية الوطنية الثانية بعد قضية الصحراء المغربية وذلك لمكانته المتميزة وأهميته البالغة داخل المنظومة المجتمعية والاقتصادية والتنموية…ولأنه أساس تقدم جميع الدول والأمم، لتأثيره الكبير على القطاعات الحيوية الأخرى داخل المجتمع، الأمر الذي جعل صاحب الجلالة الملك محمد السادس يؤكد على زيادة الاهتمام بهذا القطاع الحيوي في خطابات كثيرة.

لكن…في المقابل ألا يزال التعليم المغربي يعاني من كثير من الاشكالات ؛ من قبيل الهدر المدرسي وضعف مستوى المتعلمين…؟ ألا يزال المغرب يتذيل دول العالم في مجال التعليم؛ بل ويصنف مع الدول الأكثر فقرا والتي تعاني ويلات الحرب كسوريا واليمن وجيبوتي..؟ ما السبب وراء تدني مستوى المتعلم الحالي مقارنة مع متعلمي المراحل السابقة؛ رغم كثرة الاصلاحات التي همت هذا القطاع ورغم كثرة المقررات والكتب المدرسية وتطور إمكانيات التعليم والتعلم وتوفر المعرفة وسهولة إيجادها؟

في اعتقادنا -بعد تجربة سبع سنوات من التدريس والاحتكاك المتواصل بالمتعلمين والأطر التربوية والمؤطرين، وفئات مهمة من المهتمين بالشأن التربوي والتعليمي- يمكن القول إنه لا توجد وصفة جاهزة، أو سحرية، أو آنية لإصلاح التعليم، سواء في المغرب أو في دول أخرى؛ وإنما الإصلاح حلقة من سلسلة مركبة يستعصي الفصل بينها، حيث تحتوي على سياقات كثيرة تشمل بالدرجة الأولى المتعلم وكل ما يرتبط به والأساتذة والمجتمع…هذه الأقطاب الثلاثة هي المتحكمة بشكل كبير في كل إصلاح مأمول.

والقيم أو منظومة القيم هي إحدى الأبواب المهمة التي ترتبط بهذه الأقطاب الثلاثة وتؤثر فيها، كما تشكل الدعامة الأساسية لاصلاح التعليم والبوابة الرئيسة التي يجب أن ندخل من خلالها إلى هذا الاصلاح، من أجل بلوغ عمقه حتى يتم تغييره إلى الأحسن، وهي البوابة التي ولجت منها كثير من الدول المتقدمة مثل اليابان التي خصصت مادة في المرحلة الابتدائية تدعى ”مادة الأخلاق”، وفيها يتم غرس مجموعة من القيم في المتعلم في فترات مبكرة تبقى راسخة لديه طوال مساره الدراسي، وبعدها في العمل، وفي اندماجه داخل مجتمعه، حتى أضحى المجتمع الياباني يضرب به المثل في تمثل القيم، وفي قوة الانضباط والالتزام، وفي المردودية بين دول العالم بأسره.

والذي يؤكد هذا الطرح-اعتبار القيم مدخل الاصلاح-  في منظومتنا التربوية هو سر تفوق الأجيال السابقة رغم ضعف إمكانياتهم المادية وشح مصادر المعرفة آنذاك -خاصة قبل ظهور شبكة الأنترنيت- فقد كانوا أكثر انضباطا والتزاما بالقيم الوطنية والدينية، ومنفتحين على القيم الانسانية الكونية ومتفاعلين معها، رغم ما يؤاخذ على المراحل السابقة من مؤاخذات من قبيل الاعتماد على الإلقاء  والتلقين وامتلاك الأساتذة ناصية المعرفة وإسقاطها على المتعلم، وعدم ملاءمة ما يدرس مع متطلبات المرحلة، وتغييب دور المتعلم… وغيرها من الاشكالات التي كانت السبب في إصلاح النظام التعليميى والتربوي في بداية الألفية الثالثة (صدور الميثاق الوطني)… لكن الحقيقة الساطعة التي لا يجب إنكارها أو تغطيتها بأي سبب من الأسباب هو أن هذه الأجيال كانت أكثر تفوقا وتمثلا لهذه القيم، ونعني بالقيم هنا مثلا الاعتزاز بمقومات البلاد ومقدساته الوطنية والدينية: كالصدق والاخلاص والأمانة والانضباط واحترام الآخر والالتزام بالأخلاق الرفيعة، والحوار البناء وتدبير الاختلاف والتشبع بالروح الوطنية العالية والانتماء للوطن…وهنا لا يجب أن يفهم أن النظام التعليمي خلال هذه المراحل(من الاستقلال الى حدود صدور الميثاق) كان مثاليا لا تشوبه شائبة؛  لكنه لم يكن هشا ورديئا بالشكل الذي نتصوره أو ينظرإليه.

صحيح أن الاصلاحات التي أقرها الميثاق الوطني للتربية والتكوين كانت مهمة وشاملة -باعتباره وثيقة تربوية تشتمل على مجموعة من آليات التأطير والتكوين والتسيير-  في مجال القيم حيث نص في أولى مبادئه ضمن المرتكزات الثابتة على ما يلي:

-الالتزام بمبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها الرامية لتكوين مواطن صالح.

-التشبع بالثوابت والمقدسات الوطنية المتجلية في الإيمان بالله وحب الوطن والتمسك بالملكية الدستورية.

-الحفاظ على التراث وتجديده، وضمان الإشعاع المتواصل به، لما يحمله من قيم خلقية وثقافية.

-التوفيق الإيجابي بين الوفاء للأصالة والتطلع الدائم للمعاصرة.

-الرقي بالبلاد والإسهام في تطويرها اقتصاديا واجتماعيا، في إطار الانفتاح على العالم.

لكن الاشكال الذي مازال يؤرق المجتمع وخاصة التربويون والأساتذة هو عدم تمكننا –بعد عشرين سنة من صدور هذا الميثاق- من الإصلاح المأمول، ومن إكساب المتعلمين جزءا كبيرا من التعلمات، ومن تعديل السلوكات، وبث التربية على القيم في نفوسهم، كما أن تمثل القيم الإسلامية والإنسانية والاعتزاز بالثوابت والمقدسات الوطنية كان محدودا؛ رغم المجهودات الكبيرة المبذولة في سبيل تحقيق هذا الهدف، ورغم الإمكانات المادية والمالية المرصودة لهذا الشأن؛ ليبقى العنف داخل المؤسسات وفي الأماكن العامة والملاعب الرياضية وداخل الأسرة سيد الموقف وظهور حالات كثيرة من سوء الاحترام والغش وكثرة الانتحار وانشار الرذيلة بكل أنواعها داخل مجتمعاتنا.

وختاما يبقى –في اعتقادنا- باب القيم أهم أبواب الإصلاح وأكثرها تأثيرا في العملية التعليمية التعلمية رغم سياقاتها الكثيرة والمتشعبة، لأن مدخل القيم يلامس جوهر التعليم ويعتبر الركيزة الأساس فيه، ولأنه مرتبط بكل ما يقع في المجتمع من ظواهر وإشكالات، لذا نناشد كل الغيورين على هذا الوطن الحبيب، وخاصة الجهات الرسمية وأصحاب القرار والتربويين والأساتذة، وكل مكونات المجتمع إلى إيلاء جانب القيم ما يستحق من اهتمام، من أجل النهوض بمنظومتنا التربوية وبكل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.

ــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  شملت الاصلاحات في المجال اللغوي مجموعة من التغييرات كتدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية بدل اللغة العربية في الثانوي بسلكيه عبر التدرج، واعتماد الفرنسية في السنة الثانية في التعليم الابتدائي بدل السنة الثالثة، وإدخال بعض مصطلحات الدارجة المغربية في المقررات الدراسية بحجة ربط المتعلم بمقوماته الوطنية والمحلية وتسهيل التعلم،

[2]  حقق مجال التكوين المهني مثلا نجاحا مهما في ربط المتعلم بحاجياته المستقبلية وتأهيله ليندمج في سوق الشغل وتقليص معدل البطالة، وهو إصلاح دعا إليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابات متعددة، وعملت وزارتا التربية والتشغيل على تطبيقه بكل جدية من خلال تسخير كل الاليات والأطر الممكنة لإنجاحه، غير أن المآخذ على هذا الاصلاح هو كونه يحمل رؤية اقتصادية محضة وضيقة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M