الحَربُ علَى غَزَّةَ إِلَى أَيْن؟!

06 ديسمبر 2023 16:55

هوية بريس –  أبو البراء ياسر

أَحْمَدُكَ رَبِي حَمْدًا كَثيرًا، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ علَى مَن أَرسَلَهُ اللهُ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، أَمَّا بَعد:

فبَعدَ سِتينَ يَومًا كَامِلةً تَامَّة، اشْتدَّ فيها الحِصَار: فلا غِذَاء ولا مَاء ولا كَهرباء ولا دَواء ولا إِيواء، كمَا وأنَّ الحَربَ على أشُدِّها في هذه الأيّام التي مُلئِتْ فيها كُلّ سَاعَةٍ بمآسِي وآهَاتٍ وأوجَاعٍ وأحزَان، قَتْلٌ وبَتْرٌ وجَرْحٌ وتَدمِيرٌ وتَهجِير، فَقَدَ أكثرُ النّاسِ فيها البُيوتَ والمَالَ والعِيال، بل فَقَدُوا الأملَ في أيِّ نُصرةٍ بَشريّةٍ حقيقيةٍ مِن أيِّ اتجاه، فالأَلمُ كَبير، والوَجعُ شَديد، والمُعاناةُ لا تُوصَف، ويَشترِكُ في هذا مَن أُصِيبَ ومَن يَنتظر، ففِي كُلِّ يومٍ جديدٍ يَنظر الآباءُ في وجوهِ أطفالِهم وأهلِهم وأحبابِهم نَظرةَ مُودِّع، إذْ لا يَعلمونَ على مَن فِيهم سَيكون الدَّوْر، فالعَدوُّ كَافِرٌ فَاجِرٌ كَاذِبٌ جَبَان، لا شَرفَ ولا رُجولةَ ولا شَجاعَة، فهو يَستهدِفُ الشّيوخَ والنِّساءَ والأَطفالَ بِكلِّ وَحشِيَّة، مُستخدِمًا كُلّ ما يُمكِنه استخدَامه مِن أسلحةٍ فتّاكةٍ ولم يَبقَ إلّا القُنبلة النَّوويَّة، مُرتكِبًا جَرائِمه وهو مُحتمِي بطائراتِه ودباباتِه وبَوارجِه وتَحصيناتِه، ولا يَجرؤ على الظُّهورِ إلا على أرضٍ مَحروقةٍ مُدمَّرةٍ مِن استهدَافاتِه الجَويَّة العَنيفَة التي لا تَتوقَّف، ويَحرِصُ بعدها على التقاطِ بعض الصُّوَرِ على هذا الجُزءِ المُدَمَّر مِن الأرضِ التي أحرقَها؛ ليَشعُرَ هذا الجَبان بشيءٍ مِن النّصرِ المَوهومِ المَزعوم، دونَ أنْ يَتمَكَّنَ حتى مِن البَقاءِ فيها، ولو بَقيَ أو ظهرَ في أيِّ زاويةٍ أخرى واجهَه شَبابٌ يُحِبونَ المَوتَ أشَدّ مِن مَحبةِ عدُوِّهم للحياة، وإلّا فلمَاذا احتاجَ هذا العَدوُّ الجَبانُ لِكلِّ هذه المُدَّة، على هذه البُقعةِ الصَّغيرةِ غَزَّة، بِكُلِّ ما يَملِك مِن عتادٍ وعُدَّة، ومِن خَلفِه الدُّوَل الصَّليبيَّة الكافِرَة المُمتدَة، وبِتَواطُؤٍ مِن حُكَّامِ الأُمَّة الذين خَانُوا اللهَ ورسولَه والأُمّة؟!!

إنَّنا هنا نَتحدثُ عن حَربِ الأيامِ السِّتِين مع ثُلّةٍ قَليلةٍ مِن الشبابِ المُؤمِنين الذين لا يَملِكونَ إلّا النَّزْرَ اليَسير مِن الإمكانياتِ والعُدَّةِ والعَتاد، ولم يَتمكَّنْ اليَهودُ-بفضْلِ اللهِ وحدَه-مِن تَحقيقِ أيّ هدفٍ حَقيقيٍّ لهم إلى الآن، ولا نَتحدثُ عن الأيَّامِ السِّتَّة عام 1967م التي واجهَ فيها اليَهود ثلاثَة جُيوش عَربيّة بِكُلِّ إمكانياتِها، والتي حَقَّقَ فيها يَهود أهدافَهم كُلَّها..!!

فإنَّنَا في غَزَّةَ وإنْ كُنَّا نَعيشُ أجواءَ قَتلٍ وسَفكِ دِماءٍ وتدمِيرِ بُيوتٍ وأهوالٍ فظيعَة، إلّا أنَّنَا نَتذوقُ مَعانِي العِزَّةَ والكَرامَة، التي فقدَها أكثر مَن يَعيش في أمنٍ ورفاهِية، فهم يَتجرَّعونَ مَرارةَ الذُّلِّ والهَوانِ التي لنْ يَتخلَّصُوا مِنها ويَتذوَقُوا ضِدَّها إلّا إذا حَرَّرُوا أنفسَهم مِن القُيودِ التي قَيَّدَهم بِها حُكَّامُهُم الذين خَانُوا اللهَ ورسولَه وخَانُوا أماناتِهم، مَع التنبيهِ هُنا إلى أنَّ تكرارَ ذِكرِ الحُكَّام في ظِلِّ هذه الأحداث مِن أجلِ بَيان حقيقتِهم والتأكيد على ذلك، وليسَ مِن بابِ الاستغاثةِ بهم؛ لأنَّ الاستغاثةَ بالأمواتِ شِرك، والحمدُ للهِ الذي جعلَ الأحداثَ الجاريةَ في غَزَّةَ رغمَ ما فيها مِن ألمٍ سَببًا في إظهارِ الكَثير مِن الحقائِق، وإيقاظِ الكَثير مِن النَّاس، وإحياءِ الكَثير مِن المَعانِي، مع الإقْرارِ التَّام والتسليمِ الكَامِل بأنَّ فِي الأُمّةِ الإسْلامِيّةِ السُنيّةِ الغَاليةِ الكَثير مِن الصَّادِقِين المُخلِصِين الذين تتفطرُ قلوبُهم وتتفتَّتُ أكبادُهم لِمَا وصلَ إليه واقِع أُمَّتهم، ولِمَا يحدُث للمسلمين في كُلِّ بُقعةٍ فيها حَدَث، فإنَّهم لَم يَتْركُوا بابَ خَيرٍ يُمْكِنهم الولوجُ مِنه إلّا دَخلُوه، ولَم تَنقبِضْ أيديهم عن البَذلِ والعَطاء، ولَم تَفتُر ألسِنَتهم عن الدُّعاء، ولو تَمَكَّنُوا مِن تَقديمِ أكثر لمَا تأخَّرُوا هُنيهَةً ولمَا تردَّدُوا لَحظَة، ورُبَما كان لِبعضِهم أكثر مِمَّن يَقطُن في غَزَّةَ مِن الأَجر؛ فمَا حَبَسَهُم إلّا العُذر، واللهُ أعلمُ بِمَا فِي كُلِّ صَدْر…

وأمّا ماذا بعد الأيَّامِ السِّتِين؟ وإلى مَتى الحَرب على غَزَّة؟ فإنَّنَا على عقيدَةٍ ثَابِتَةٍ ويَقينٍ تامٍّ بأنَّ الصِّراعَ بين الحَقِّ والبَاطِل قَديمٌ قِدَم الحَياة، فهو مَوجودٌ مُنذ أنْ نَزلَت على الأرضِ لا إلهَ إلّا الله، وسَيبقَى إلى أنْ يَرِثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليها، فالصِّراعُ مُستمِر، والجِهادُ مَاضٍ، والتَّهدِئةُ أو الهُدنةُ إنْ حصلَتْ فهيَ مُؤقَّتة، والمَعركةُ الفَاصِلةُ قادِمَة لا مَحالَة، وسيأتِي اليوم الذي يَنطِق فيه الحَجَرُ والشَّجَرُ بِلا شَكٍّ ولا رَيب، ومَن اعتقدَ غيرَ ذلك فهو واهِم، وإنَّ ما حدَثَ لِغزّةَ ومَا يَجرِي فيها ليسَ سَبَبُه ما فعلَه الشَّبابُ الصَّادِق يوم السابِع مِن أكتوبر، فبهِ وبغيرِه سيُجرِم اليَهود، وقد رأينَا مِنهم الكَثير مُنذُ أكْثر مِن سَبعينَ سَنَة دون أنْ يَبدأَهم أحد، ولكَ أنْ تتصورَ لو أنَّ عدوَّنا هو مَن باغَتَنا كعادتِه، ولم يَكنْ له أسرى عندنَا: كيف سيكونُ الحَال؟ وإلى أيِّ مَدى سَيكونُ الإجْرَام؟!!

ولعلَّ طُولَ المُدَّة وفَظاعةَ ما يَجرِي فيها مع اليأسِ مِن المَخلوقِين يَكونُ سَببًا في الرُّجوعِ الحَقيقي إلى الله، والرِّضَا التَّام بأقدارِ الله، وتَصحيحِ المَسار بكلمةِ التوحيد وتوحيدِ الكلِمة والجهادِ بصدقٍ في سَبيلِ الله، وفي التعلُّقِ الكامِلِ بالله، فلا يُستَعان ولا يُستَغاث إلّا به، ولا يُلجَأ ولا يُرجَى إلّا إيَّاه، ولا يُطلَب المَدد إلّا مِنه، فإنَّما النَّصرُ مِن عندِ الله وحدَه لا شَريكَ له، وفِي كُلِّ شَيءٍ للهِ حِكْمَة، آمَنَّا وسَلَّمْنَا ورَضِينَا..

مِن غزّةَ المُحاصَرَةَ المُرابِطَةَ المُجاهِدَة، أَخُوكُم: أبو البراء، ياسر
ليلة الأربعاء 22/جمادي الأولى/1445هـ
المُوافق 2023/12/6م.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M