الكنبوري: الشذوذ فرع عن الإلحاد المعاصر والأمم المتحدة تسعى لفرضه على العالم

22 يناير 2023 10:39

هوية بريس – حاوره: محمد زاوي

ما رأيكم في موجة التعاطف مع الشواذ جنسيا في السنوات الأخيرة؟

لا يتعلق الأمر بالتعاطف بل بمشروع متكامل لفرض الشذوذ كأسلوب مقبول والتساهل معه في المجتمعات الإسلامية وفي العالم؛ وما نسميه بالتعاطف هو الدعم السياسي والاعلامي والثقافي لهذه الظاهرة.

إننا أمام ثقافة غربية جديدة هي “تلويط العالم” نسبة إلى اللوطية؛ وأمام تعميم هذا النمط الذي يعتبره القرآن انحرافا عن السوية الإنسانية وتمردا على السنن البشرية؛ لأن الله سبحانه خلق الإنسان ذكرا وأنثى؛ وهذه هي الثنائية المعروفة في جميع الكائنات الحية حتى لدى الحيوان والحشرات والنبات؛ حيث قال تعالى “ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون”؛ لذلك فإن الخروج عن هذه الزوجية وإحداث صنف ثالث أو تأنيث الرجل وتذكير المرأة هو خرق للناموس الكوني.

وليس غريبا أن يربط القرآن بين هذا الشذوذ وبين الكفر بالتوحيد؛ فقوم لوط كانوا كفارا وفي نفس الوقت لوطيين؛ وهذا الارتباط هو ما نراه اليوم في حضارة الغرب التي تشجع الشذوذ؛ لأنها حضارة قامت على إقصاء الدين والالحاد؛ فالشذوذ هو فرع عن الإلحاد المعاصر.

البعض يصف هذا الشذوذ بالحيوانية؛ ولكن لا توجد علاقة بين الشذوذ والحيوانية؛ لأن الحيوانات لا تطأ حيوانا من جنسها؛ لكن الحيوانات تمارس الجنس الجماعي؛ وهذه هي الحيوانية الموجودة في الغرب اليوم؛ أما الشذوذ فهو خروج على سلك الإنسان والحيوان معا.

 

هناك من يدخل الشذوذ في خانة الحريات الفردية والاختلافات العادية بين الناس، ما رأيكم؟

نعم؛ هناك من يربط بين الشذوذ والحريات الفردية؛ وهذا صحيح بالفعل؛ لأن مفهوم الحريات الفردية مبني على قاعدتين فلسفيتين في الفكر الغربي الحديث ؛ القاعدة الأولى هي أن الفرد هو المحور الأساسي وليس الأسرة أو المجتمع؛ وأن حرية الفرد مقدسة حتى وإن كانت على حساب الأسرة والمجتمع؛ وهذا قلب الأدوار تماما؛ لأن المجتمع أصبح مطلوبا منه إعطاء الأهمية لحقوق الفرد على حسابه كمجتمع؛ فالنزعة الفردانية تطورت من الاقتصاد الليبرالي والسياسة إلى الأخلاق والقيم.

أما القاعدة الثانية فهي أن الإنسان كفرد له الحرية المطلقة في جسده وغرائزه؛ لأن الجسد مرتبط فقط بالغرائز؛ وهذه فكرة جاءت من فلسفة اللذة التي تعود إلى اليونان الوثنية وكان من رموزها أبيقور؛ وتطورت في الفلسفة الغربية الحديثة. ولكن الحريات الفردية هي حريات مضادة للقيم الجماعية ولمفهوم المجتمع؛ لأنها تنظر إلى الفرد ككائن هدفه الرئيسي إشباع رغباته؛ وهذا يعني ضرب القيم والاديان لأن هذه الأديان جاءت تخاطب الجماعة لا الفرد؛ وهو ما يعني تأسيس ديانة جديدة هي ديانة الفرد.

في نظركم، هل تساهم الأمم المتحدة وهيئاتها في نشر الشذوذ الجنسي؟

ينبغي القول بأن منظمة الأمم المتحدة هي المنصة التي من خلالها يتم تنزيل المفاهيم والتشريعات على الصعيد العالمي؛ ولذلك فإن هذه المنظمة هي أول من قام بتطبيق مفهوم العولمة الذي ظهر بعد الحرب الباردة؛ أي بعد أن أصبحت القيم الغربية الليبرالية بدون منافس. فهذه المنظمة تعمل على فرض القوانين والقيم التي يريدها الغرب؛ وبهذا الاعتبار فهي تمارس نوعا من الاكراه تجاه بقية دول العالم.

ولا أدل على هذا من قرار تقسيم فلسطين؛ فعلى الرغم من رفض شعب فلسطين المعني الأول بالقضية؛ ورفض العرب والمسلمين وعدد كبير من الدول غير الغربية؛ إلا أن القرار فرض بالقوة والإكراه. ينطبق هذا على الشذوذ أو ما يسمى المثلية؛ فالمنظمة تسعى إلى فرضه على العالم من بوابة ما يسمى الشرعية الدولية التي هي في حقيقتها شرعية الغرب؛ وتدعو الدول إلى إزالة القوانين المانعة للشذوذ وإباحته والاعتراف به؛ بصرف النظر عن أديانها وتقاليدها؛ بمعنى آخر لا حق لك في اختيار قيمك الأخلاقية؛ بدعوى أن هذه القيم هي قيم كونية؛ علما بأن مفهوم الكونية يعني الغربية. فالمنظمة تعتبر الشذوذ من حقوق الإنسان؛ وقد بدأنا نسمع أن منع الشذوذ خرق لحقوق الإنسان.

إن مفهوم “تلويط العالم” كما قلت سائر على قدم وساق. وهناك اليوم خطة لتشويه سمعة الإسلام بدعوى أنه يحارب الشذوذ ويفرض عقوبات شديدة عليه؛ ولا يعرف الناس أن أخطر العقوبات هي التي كانت موجودة في الغرب حتى النصف الثاني من القرن العشرين؛ فقد كان الشواذ يقتلون ويعلقون بالمسامير ويتم قطع أعضائهم التناسلية؛ وهذا طبعا لم يكن موجودا في تاريخ الإسلام؛ أولا لأن الشذوذ لم يكن موجودا؛ وفي الحالات التي يوجد فيها كان سريا جدا؛ وحتى عندما يكتشف كان الممارسون له يدعون إلى التوبة؛ ولا أعرف شخصيا حالات تمت فيها عقوبات في الإسلام ضد الشواذ؛ ولكن هؤلاء يستندون إلى آراء الفقهاء في الموضوع؛ بيد أن الفقه كان يهدف إلى التنبيه والتحذير؛ فهذه الآراء الفقهية هي للتحوط والتخويف في مجتمعات كانت تعطي للفقه نوعا من القداسة والاحترام؛ ولا يعني ذلك أن تلك الآراء كانت تطبق فعليا لأن الناس كانت تلتزم؛ فكانوا يأخذون بالسرية انطلاقا من الحديث “إذا ابتليتم فاستتروا”؛ بينما كان الفقه يأخذ بقاعدة درء الحدود بالشبهات؛ وهي قاعدة ذهبية لا توجد في غير الفقه الإسلامي إطلاقا؛ وغيابها في القوانين الغربية في تاريخ الغرب هو الذي كان وراء العقوبات الوحشية التي نعرفها في جميع الجرائم؛ لذلك نجد أن الغرب عرف تنفيذ عقوبات وحشية ضد الشذوذ بينما لم يعرف المسلمون ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د.إدريس الكنبوري: كاتب وروائي وباحث مغربي

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M