المختصر المنيف في قصة تدوين الحديث الشريف

07 أبريل 2024 17:19

هوية بريس – د.خالد الصمدي

من وحي حفل ختم صحيح البخاري بحضرة سليل العترة الشريفة أمير المؤمنين حفظه الله، استحضرت في تدوينة سابقة، كذبة السامري وأتباعه من عبدة العجل فأشفقت لحاله ومآله، وقررت أن اكشف للعالمين سوء مذهبه ومقاله، وهو يحترف مهنة التضليل والتجهيل في حق مصادر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فحين قال تعالى في قصة موسى والسامري “قال فما خطبك يا سامري قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي“.

فإنما وصف الله تعالى فعلة السامري زمن موسى عليه السلام، وفعلة أتباعه إلى يوم الناس هذا، فهم قوم يأخذون من الدين ومن مصادره معلومة صحيحة ثم يخلطونها بأعشار الأحمال من الكذب والبهتان وينشرونها بين العامة من الناس مستغلين عدم معرفتهم بعلوم الشريعة بقصد التشكيك والتضليل حتى يسوقونهم إلى عبادة العجل.

ومن أمثلة ذلك قول سامريي هذا الزمان وشيعتهم ان الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة الحديث، فمن أين أتت كتب الحديث؟

وقبل الجواب أسألهم كيف أجزتم لانفسكم الاستشهاد بحديث في الموضوع، وأنتم ما فتئتم تنكرون السنة جملة وتفصيلا؟

“أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ”.

ولم أخذتم هذا الحديث من مصادر الحديث وسكتتم عن أحاديث الإذن بالكتابة التي جاءت فيها أيضا، والتي تلقي بعجلكم الذي ظللتم عليه عاكفين في يم الحقيقة فينسف منهجكم نسفا؟

ولتوضيح المسألة وكشف زيف قول السامري المهزلة، يعلم أبسط طويلب في علم الحديث في أقصى مدرسة من المدارس العتيقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن كتابة الحديث في البداية والقرآن ينزل حتى لا يختلط القرآن الكريم بالحديث والناس حديثوا عهد بنزوله، فلما أمن اللبس والشك أذن صلى الله عليه وسلم في الكتابة فقال اكتبوا لأبي شاة، واذن لغيره من المسلمين ، وقال “ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار“، فكتب الصحابة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظوه بمعزل عن القرآن، فكتب كبار الصحابة كعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وكتب عبد الله بن عمر، وكتب علي بن أبي طالب وكتب أبو موسى الاشعري وغيرهم من الصحابة كثير، ناهيك عن اشتغالهم بالحفظ والرواية الشفهية، فكانت الصحيفة الصحيحة وكانت الصحيفة الصادقة، ثم نقل التابعون هذه الأحاديث بالسند المتصل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم صاغرا عن كابر، حتى إذا تفرق الصحابة في الامصار بعد الفتوحات عقدوا لرواية الحديث وفقهه مجالس العلم لتبليغ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشرات، فظهر علم رواية الحديث ورحل الناس في طلبه من أفواه الرجال، فكان موطأ عالم أهل المدينة الامام مالك رحمه الله محط عناية ورعاية.

إلى أن وصل الحديث الى عصر التدوين الشامل للسنة النبوية فكان صحيح البخاري وصحيح مسلم وكتب السنن، والتي جمعت بعد التمحيص والتدقيق وفق علم لم تعرفه له البشرية في تدوين الروايات مثيلا إلى يوم الناس هذا عرف بعلم الجرح والتعديل، وبلغ بهم الحرص على سلامة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دونوا حتى الحديث الضعيف والموضوع أي المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب خاصة، حتى ينكشف حال الوضاعين والكذابين، ولا يختلط الحديث الصحيح بغيره، وكان كل ذلك محكوما بضابط “من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار” ثم انشغل العلماء يفقه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دراية في مجالس العلم في الحواضر العلمية الكبرى، كالمدينة المنورة وبغداد ودمشق والقاهرة والقيروان وتلمسان وفاس ومراكش وقرطبة، وبلاد شنقيط فكانت مدارس علوم الحديث الكبرى تعج لعلماء الحديث وطلبته رواية ودراية.

وحيث إن بلاد الغرب الاسلامي عرفت برواية الحديث وفقهه، فقد عرفت على مر التاريخ اعلاما كبارا في رواية وفقهه، كما عرفت مجالس علم الحديث في كبريات الحواضر والمدن، ولتجميع هذا الخير وضمان استمراره عرفت بلادنا تأسيس دار الحديث الحسنية التي درسنا فيها على كبار العلماء ولله الحمد ، فكانت مكرمة الحسن الثاني رحمه الله ووريثه أمير المؤمنين الملك محمد السادس حفظه الله، وكان ذلك منهما سيرا على سنن أجدادهما من الأشراف العلويين في خدمة السنة النبوية وقد كان جدهم الاعلى سيدي محمد بن عبد الله يحفظ صحيح البخاري ويكرم حفظته فكان المغرب قلعة الحديث الشريف الحصينة التي كانت ولا تزال عصية على التضليل والتجهيل، وستظل سنة قراءة صحيح البخاري وشرحه في كل انحاء البلاد على مدار السنة حتى يختم بين يدي أمير المؤمنين في ليلة القدر المباركة كل سنة، وجعل المغاربة لذلك أوقافا لحفظه ودراسته إلى يوم الناس هذا وسيستمر المغرب قلعة حصينة بالقرآن والسنة، ولله الحمد والمنة.

وقد أنعم الله على المسلمين في هذا الزمان بالتوثيق الإلكتروني ومن ذلك منصة محمد السادس للحديث الشريف، فأصبحت هذا التراث الغني الزاخر من الحديث النبوي رواية ودراية بين أيدي الناس سهلا ميسرا يرجعون إليه في كل القضايا ذات الصلة بمعاشهم ومعاذهم سالمين مطمئنين إلى جهود علمائهم في خدمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتبارها بيانا لما تنزل من القرآن لا تنفصل عنه على مر الزمان، ينفون عنها انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين إلى يوم الدين، عملا بقول الله تعالى، “يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تومنون بالله واليوم الاخر ذلك خير وأحسن تاويلا” صدق الله العظيم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M