بني آدم بين النسخة الأصلية والمشوهة

21 مايو 2024 21:31
فيديو.. العنف ضد المرأة.. رؤية شرعية ومقاربة اجتماعية - د. أحمد اللويزة

هوية بريس – د. أحمد اللويزة

لأننا في زمن التقنية سأتحدث في هذه المقالة بلغتها التي يدركها كثير من الشباب اليوم، بل صارت لغة المعيش اليومي عند أكثر الناس وعند الشباب خاصه، فقضيه النسخة الأصلية والمزورة في كل منتوج قضية تشغل الناس اليوم كثيرا، وأكثر في زمن صارت فيه التقنية حاكمة على تفكير الإنسان، وصارت هما كبيرا يؤرقه، لأنه لم يعد قادرا على العيش بدون هذه الوسائل الحديثة التي تجود بها عقول البشر والتي تحقق نوعا من الرفاهية وتأخذ بألباب الناس ليسبحوا في عوالم مختلفة، تأخذهم من الواقع إلى عالم واسع من الخيال والافتراض.

عندما يتم اختراع وسيلة وإخراجها إلى الوجود وإقبال الناس عليها شراء وامتلاكا، يحرص الناس كل الحرص على شراء الجهاز أو الآلة الأصلية، ويكونون في غاية اليقظة خوفا من أن يباع لهم جهاز مغشوش مزور شبيه بالجهاز أو الآلة الأصلية التي تتوفر على التطبيقات والخصائص التي يكون مصدرها المصنع.

ولأننا في زمن كثر فيه التدليس والتلبيس والغش في أعلى صوره يصعب على البسيط من الناس أن يدرك الفرق بين النسخ الأصلية والنسخ المزورة والمشوهة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الناس عندما يقتنون شيئا من هذه الوسائل التقنية من هواتف وحواسيب وكل ما يرتبط بها فإنها تخرج وقد ضمنت عددا من التطبيقات، هذه التطبيقات التي تعد أصلية تعرف تطويرا وتحديثا عبر الزمن، لكنها في نفس الوقت أيضا تعرف تشويشا وتشويها واختراقا سواء لما هو أصلي مما يعرض الجهاز الى تلف كلي أو جزئي يجعل عمله غير سليم، ويؤدي به إلى حدوث فوضى وتشويش في عمله، أو في التطبيقات التي تطور في ما بعد، أيضا تتدخل فيها أيدي العابثين بالتزوير والتشويش والتشويه.

إن الانسان اليوم الذي يؤرقه أمر النسخة الأصلية والمزورة وهو حريص على كل ما هو أصلي في المنتجات عامة والتقنية خاصة، لا ينتبه هذا الإنسان إلى نفسه ولا يدرك حقيقه أمره هل لازال هو نفسه نسخه أصلية شبيها بالنسخة الأصلية لأبيه آدم الذي يعد هو النسخة الأصل للإنسان، أم إنه تعرض للتزوير والتشويه والمسخ والانتكاس، وتعرضت تطبيقاته ونظامه للاختراق والتشويه، وأصبحت التطبيقات تؤدي ادوارا عكس التي وجدت لها في الأصل، إن هذا الانسان الذي يهتم بأمر الأصيل ويحرص عليه أكثر، تعرض بفعل فاعل إلى تغييرات على مستوى التطبيقات التي هي خصائصه التي خلق عليها أبونا آدم، والتي يخلق عليها كل إنسان، والتي تسمى بالفطرة التي قال فيها نبينا صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه…).

فحديث نبينا هذا عليه الصلاة والسلام الذي يزيد من يقيننا في صدق نبوته يؤكد ما نعيشه اليوم، وهو شبيه بأمر التقنية الحديثة التي سيطرت على عالم الناس. فإن الله لما خلق آدم خلقه بخصائص هي التي بها يستحق وصف الإنسان لأنه بها تميز الملائكة عن الحيوان.

وإن أهم ميزة هي بمثابه تلك القطعة التي تكون في كل وسيله تقنيه يوضع فيها نظام التشغيل، ألا وهو العقل الذي به يتميز هذا الكائن، ذاك العقل الذي ركبه الله فيه ليكون بمثابه جهاز التحكم حيث يثبت فيه نظام التشغيل.

إن الإنسان لم يكن ملكا ولن يكون لأن الله ركب فيه خاصية الشهوات، ولكي لا يكون حيوانا ركب فيه خاصية العقل، هذا العقل الذي يرجع في معناه اللغوي إلى الربط والشد بإحكام، فوظيفته إذا هي ضبط سلوك الإنسان وتصرفاته، وألا يتركه رهينه الشهوة تقوده أو يتبعها حيث دعته، لأنه لو كان كذلك تابعا للشهوات دون ضابط ودون تفكير فإنه يخرج عن مسمى الإنسان، لأن الإنسان الأصلي أي النسخة الأصلية لها عقل يجعل من تصرفاتها تصرفات حكيمه ليست طائشة ولا عبثية ولا فوضى.

فالإنسان يفكر بعقله قبل أن يقدم على أي قول أو تصرف أو اتخاذ موقف، وهذا العقل من جهة أخرى هو مناط التكليف في الانسان، فإن الله لما خلق الإنسان وأراده أن يعمر الأرض بالعبادة جعل المخاطب فيه هو العقل، بينما المجنون والصبي والنائم والمغمى عليه وفاقد العقل بأي طريقة ليس محل خطاب الشرعي، ولا يطالبه الشارع بشيء، ولأن الشارع يخاطب العقل بالوحي، فالوحي للعقل بمثابه النظام الذي يثبت في ذاكره الجهاز، ولا يصلح للعقل إلا الوحي، لأنه لا يستقل بمعرفه الخطأ من الصواب لمحدوديته وعدم قدرته على ادراك الحقائق بتفاصيلها، فكان لابد من الخالق الذي خلق هذا الإنسان وميزه بالعقل أن يمده بالمعرفة (النظام) التي يستوعبها عقله ليحولها إلى سلوك راشد متزن لا يخرج به عن مسمى الإنسان إلى الحيوان.

ولذلك عندما يصبح العقل مستقلا عن برمجة الوحي تصبح سلوكاته في غاية الانحراف والغلط والتشويه، ويصبح هذا الإنسان بمثابه النسخة المزورة أو التي تعرضت للاختراق وعبثت بها أيدي العابثين، فيصبح نظام العقل يشبه نظام الحيوان، إن لم يكن أسوء منه حالا، حيث نجد هذا الإنسان اليوم ينادي بتصرفات وسلوكات ويمارسها لا يعرفها الحيوان الذي لا يملك عقلا، وذلك من قبيل الدعوة إلى الشذوذ وارتباط الذكور بالذكور والإناث بالإناث وإباحة العلاقات الجنسية بدون ضوابط تذكر، ويحرض على ممارسة الجنس مع كل كائن في هذا الوجود.

ومن شدة تشوه العقل ونظامه عند القوم اليوم أن صاروا يرفضون النظام الأصلي ولا يقبل بتثبيته لأن (الفيروسات) التي هجمت على العقل وخربت نظامه صارت تمنع كل محاوله لإصلاح النظام وتثبيت الأصلي الذي هو الوحي الإلهي الذي ينظم حياة الإنسان العاقل الذي لم يزل على أصله.

فالذين يرفضون هذه الممارسات غير الأخلاقية بدءا من التعري والتبرج والاختلاط المهاجم واستباحه الاعراض والتباهي بالممارسات الإباحية وكسر كل الحواجز النفسية المرتبطة بخاصية الحياء، والتي هي أصلية في الإنسان تعرضت أيضا للاختراق وتم تدميرها كلا أو جزء عند كثير من الناس، أو الحواجز الاجتماعية التي هي مرتبطة بخاصيه المشاعر الإنسانية الأسرية وامتداداتها والتي يسعى إلى تدميرها الذين يسمون في عالم التقنية بـ(الهاكر)، أو الحواجز الدينية التي تعتبر التطوير الأمثل لكل الخصائص التي يولد عليها الإنسان إن لم يكن الدين هو جامع تلك الخصائص، فهو الموجه للعقل والعقل هو الموجه للتصرف والسلوك.

إن الانحراف الذي تعيشه البشرية اليوم يدل وبشكل قاطع على انحرافها عن أصلها وانتكاس فطرتها واعتلال عقولها، هذه العقول التي إن تطورت في مجال العلوم الدنيوية لكنها في الجانب الاخلاقي والقيمي تعرضت لأبشع أنواع التزوير والتشويه حتى انقلبت الحقائق في عقول أكثر الناس؛ فالعري الذي كان سمة ولا زال للإنسان البدائي والإنسان المجنون الأحمق الذي يقولون عنه أنه يفقد كل شيء إلا عقله، -يقصدون بذلك أنه يفقد نظام العقل- وكان ذلك دليلا على تخلفهم العقلي بما هم عليه من التكشف وعدم التستر، صار اليوم التعقل والتحضر والرقي الإنساني يدل عليه حجم التعري والتكشف والتهتك، وهو ما يتعارض مع الخاصية الأصلية للإنسان الأصلي، الذي هو آدم وحواء، واللذين أدخلهما الله إلى الجنة مستوري الجسد، ولم يقبلا تكشفه ولم يتحملا بدو عورتهما عندما أكلا من الشجرة بوسوسة من إبليس، ذلك الذي يعد إمام المخترقين للنظام الإنساني الأصلي الفطري السوي حين قال متوعدا بني آدام (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله).

وقد ذكر لنا القران أن آدم وحواء لما بدت سوءاتهما في التكشف أخذا في سترها بأوراق الأشجار في نفس اللحظة التي بدا فيها التكشف، وهذا دليل على أن طبيعة الإنسان التي لم تتشوه ولم تتزور لا تقبل التعري إطلاقا، ولا تتحمل أن يرى شيء من جسدها عاريا، فإذا كان هذا يتعلق بإظهار شيء من الجسد فكيف بالانغماس في الإباحية بجميع أشكالها الشاذة والمبالغة في الشذوذ، فإن هذا لا يمارسه ولا يدعوا إليه إلا مخلوق فقد صفة الإنسان بما هو عليه من طبائع وخصائص، ونازل عن درجه الحيوان لأنه لم يصدر منه ما يخالف طبيعته ونظامه الفطري الذي خلقه الله عليه ولم يتجاوزه رغم أنه حيوان يُعَير به الانسان، لكن هذا الإنسان تخلى عن خصائصه التي تميزه وترفع من شأنه وتقلده مكانة تفضيليه عند خالقه، فعَرّض الكون بسبب انحرافه عن طبعه لدمار وخراب.

 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M