عناية المغاربة بـ”صحيح البخاري”.. من مجالس السرد السلطانية إلى الدروس الحسنية

09 مايو 2021 18:27
أمير المؤمنين يترأس الجمعة الدرس الأول من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية

هوية بريس – محمد زاوي

1-عناية المغاربة بالحديث عموما

إن الطاعنين في “الحديث النبوي الشريف” لا يعرفون أين هم؟! ولا مع من يتكلمون؟! ولا في أي سياق هم معبرون عن آرائهم؟! يعتقدون أن علاقة المغاربة بالحديث هي بتلك الهشاشة، حتى يقطعوها بمجرّد رأي لا تاريخي، هنا أو هناك. وها قد أصبحت الفرصة مواتية، لنعرّف هؤلاء على متانة هذه العلاقة، وعلى قدمها قدم الدولة المغربية، بل قدم الفتوحات الإسلامية لبلاد المغرب.

اعتنى بالحديث النبوي الشريف من المغاربة سلاطينُ وعلماءٌ، رجالٌ ونساءٌ (الأميرة العلوية العالمة خناتة بنت بكار)، كبارٌ وصغارٌ، أسرٌ وأفراد؛ اعتنوا به فاتحين ومستقرين، مع تفاوت فرضته الحاجة؛ واعتنوا به قدماءَ ومعاصرين، حسب المطلوب من كلّ منهم.

نبّه إلى أهميته الفاتحون، ونظم له المغاربة الرحلات إلى المشرق (العلمية/ الحج)، وطلبه الأدارسة في متن “موطأ الإمام مالك”، وبرّز علماءَه المرابطون، وأسس الموحدون مجالس تدريسه والامتحان فيه، وأحب المرينيون أهله، وأوقف على مجالسه الوطاسيون أوقافا، ورسّم السعديون سرده وقراءته، وتخصص فيه بعض السلاطين العلويين وطوروا العناية به. (1)

وأما علماء الحديث في المغرب، فقد رافقوا الدولة، من تأسيسها إلى اليوم. في زمن الأدارسة، كان درّاس بن إسماعيل وغيره. وفي زمن المرابطين، كان القاضي عياض وأبو إسحاق بن الكماء السبتي وغيرهما. وفي زمن الموحدين، كان ابن القطان الفاسي ثم المراكشي والحافظ أبو الخطاب بن دحية وغيرهما. وفي زمن المرينيين، كان ابن رشيد الفهري السبتي وابن الشاط وغيرهما. وفي زمن الوطاسيين، كان ابن غازي وعبد الواحد الونشريسي وغيرهما. وفي زمن السعديين، كان سِقّين القصري وأبو النعيم رضوانالجنوي وغيرهما. وفي زمن العلويين، كان محمد بن سليمان الروداني وغيره، وحملت أمانته أسر كالأسرة الكتانية والأسرة الصديقية والأسرة التليدية والأسرة العراقية… وغيرها من الأسر. (2)

2-“البخاري” في مجالس السرد السلطانية

كان “موطأ الإمام مالك” هو أول حديثي دخل المغرب، وتزامن ذلك مع تأسيس الدولة المغربية. وبعده، اهتم المغاربة ب”صحيح مسلم” أكثر من غيره.

انطلقت المجالس العلمية الحديثية في عهد يعقوب المنصور الموحدي، زمن الموحدين. إلا أنها أصبحت أكثر اهتماما ب”صحيح البخاري”، زمن المرينيين.

وفي زمن السلاطين الوطاسيين، تمّ إحداث أوقاف لتدريس الحديث، وتأسيس كرسي ابن غازي لإسماع “صحيح البخاري”، وكرسي عبد الواحد الونشريسي لشرح “البخاري” ب”فتح الباري”.

وفي عهد السلاطين السعديين، تمّ ترسيم سرد البخاري وختمه وقراءته كل رمضان، وكان فيهم محمد الشيخ (المهدي) يحفظ القرآن ويعرف شروحه، ويقول بأنه لم يكتب في التاريخ مَثَل ل”فتح الباري”. وفي عهد السلطان الحافظ أحمد المنصور الذهبي، فقد كان الأمر قائما بسرد “البخاري”، يسرده أعيان الفقهاء في نسخة من 35 سفرا، في شهر رمضان، ليتم لهم ختمه يوم العيد.

واعتنى العلويون بالبخاري عناية كبيرة، وب”صحيح البخاري” بصفة خاصة، إذ كانت له في أول عهدهم نسخة مخصوصة، وكانت منهم أميرة عالمة تعلق على شرحه “فتح الباري” (شرح ابن حجر العسقلاني على “صحيح البخاري”)، وجعله السلطان محمد بن عبد الله مقرّرا في برنامجٍ وضعه لدراسة الحديث، واستدعى له المولى محمد بن عبد الرحمان من يسرده من العلماء في ثلاثة أشهر (رجب وشعبان ورمضان)… إلى غير ذلك من المجالس وطرق العناية التي تمت واستمرت إلى اليوم. (3)

3-“البخاري” في الدروس الحسنية

يعود شرف تأسيس “الدروس الحسنية” للملك الحسن الثاني رحمه الله تعالى، وقد شارك هو نفسه بدروس فيها. منها درس في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: “كم من رجل لو أقسم على الله لأبره”، وهو حديث وارد بطريق ورواية أخرى هي للبخاري. ومنها درس في شرح حديث: “من رأى منكم منكرا فليغيره”، وهو من رواية مسلم. (4)

تعددت موضوعات “الدروس الحسنية”، فكان منها التفسير والتدبر وعلم الحديث والعقيدة والتصوف والتاريخ والأدب… إلخ. إلا أن هذه الدروس، على عهد الملك الحسن الثاني رحمه الله، وعلى عهد خليفته الملك محمد السادس، كثيرا ما كانت تجعل من مرويات “البخاري” في “الجامع الصحيح” موضوعا لها.

هوامش:

(1): محمد عز الدين المعيار الإدريسي، درس “عناية ملوك المغرب بالحديث النبوي الشريف”، سلسلة “الدروس الحديثية البيانية”، إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم.

(2): لحسن بن إبراهيم اسكنفل، درس “عناية علماء المغرب بالحديث النبوي الشريف”، سلسلة “الدروس الحديثية البيانية”، إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم.

(3): محمد عز الدين المعيار الإدريسي، نفس الدرس السابق.

(4): نفسه.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M