في معنى محاربة الفساد

07 فبراير 2024 19:52

 هوية بريس – ابراهيم أقنسوس

واضح أن ما يحدث عندنا، وإلى حدود الساعة، لا يعدو أن يكون إثارة  لبعض النقاشات، حول ما نسميه، محاربة الفساد ؛ نقاشات وأحاديث، تحتد أحيانا وتخبو أحيانا أخرى ؛ أما محاربة الفساد، في مصادره وامتداداته ومجالاته الحقيقية، فيبدو أن أمره مازال بعيدا، ما دام الكثير من المسؤولين الذين يعنيهم الحديث حول بعض المتابعات، يفكرون في طرق التخلص من هذه المتابعات، أكثر مما يفكرون في القيام بمهامهم، وإنجاز ما كلفوا به من أعمال، ويجتهدون من أجل التحايل على القوانين الموجبة للعقوبات، أكثر مما يجدون في القيام بما تعهدوا به أمام المواطنين، من برامج وأشغال.

لا معنى لأي حديث عن محاربة الفساد، دون سن قوانين وتدابير ناجعة، يتم بموجبها متابعة مصادر الثروات، ومساراتها، وأوجه صرفها وتشغيلها، وطرق إخفائها عن الأعين والمؤسسات ؛ ولا معنى لأي تقارير رقابية، مهما بلغت جديتها، في غياب الفضاء المناسب لتصريفها، وستبقى مجرد تلويحات جزافية، تصيب طرفا دون آخر، وتضبط البعض وتفلت آخرين ؛ فلا قيمة لأي حديث عن محاربة الفساد، دون انخراط الجميع، ودون اقتناع كل الهيئات والذوات والأطراف، أن الأمر جد، وأنه يتعلق بالمصلحة العليا للوطن، ويرهن مستقبل هذا البلد، بكل مرافقه وأجياله ؛ وسيكون للحديث عن محاربة الفساد معناه الواضح، حين تمكن الهيئات الرقابية من القيام بمهامها، بشكل شفاف وبلا عراقيل، وحين تتحول متابعات المسؤولين المخلين بواجباتهم، والمختلسين للمال العام، إلى حدث عادي، يتم تداوله كخبر ضمن باقي الأخبار، في القنوات العمومية، ويطلع المواطنون على مجرياته، بلا حاجة إلى بهرجة ولا تهويل، وسيكون لمحاربة الفساد قيمته الرمزية والفعلية، حين يتم الترحيب بالهيئات الرقابية، بما هي جهات مخولة للقيام بحماية مدخرات البلد، بدل التوجس منها، وتجنب ملاقاتها، والتهيب من تقاريرها ؛ وفي غياب هذه المواضعات والترتيبات والتوضيحات، يتحول أمر الفساد إلى ما يشبه الطلاسم وأعمال السحرة، المليئة بالمغمضات والسراديب، التي تخفي أكثر مما تظهر، وتتحول محاربته إلى ما يشبه مجابهة طواحين الهواء، لا تدري بالضبط ماذا تحارب، وفي أية جهة يوجد الهدف المقصود ؛ واضح أن الكثير من أحاديثنا عن الفساد، مسكونة بالكثير من هذه المعميات، التي تحول دون الإجابة عن الأسئلة الرئيسة مثل، ماذا نقصد بالفساد تحديدا، أين يوجد تعيينا، ما هي صفاته وحدوده، من يتكلف بحمايته ورعايته ؟ ؛ وغياب الأسئلة المباشرة، يعني في المقابل، غياب الأجوبة الواضحة ؛ ولنا أن نلاحظ أن عموم المواطنين والمواطنات، يتحدثون عن الفساد في جل المجالات والمرافق والخدمات، التي يرتادونها، في مقابل إنكار شبه كلي، لهذا الفساد من قبل المعنيين بتدبير هذه المرافق والمؤسسات، ما يؤدي إلى شيوع الكثير من الإرتباك، الناجم عن غياب الفهم.

إن من معاني الإختيار الديمقراطي، أن تتم مواجهة كل مظاهروصورالفساد، بالأساليب العلمية والقانونية، وأن تتم محاصرته في كل المجالات والمؤسسات والذوات، وبالوضوح اللازم والشفافية الكاملة، وأن تتم إحاطة المواطنات والمواطنين علما، بمجريات ونتائج مواجهة هذا الفساد، بشكل مستمر ودائم، حينئذ يمكننا الحديث عن محاربة الفساد.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M