وشهدت شاهدة منهم

18 أبريل 2024 19:11

هوية بريس – إسماعيل المرغادي

الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.

(هلين) كاتبة أمريكية عملت أكثر من عشرين سنة في الإذاعة والتلفزة والصحافة. قامت بزيارة لمصر استغرقت عدة أسابيع في رحلة دراسية لبحث مشاكل الشباب والمرأة في المجتمع العربي، وبعد هذه الرحلة صرحت بكلام نذكره لعقلاء العلمانيين الذين يقدسون الغرب والذين يزعمون أنهم يحكمون العقل، ولنسائنا المسلمات اللاتي غرتهن أنياب الذئاب العلمانية فظنن أنها تبتسم لهن وإنما هي تعد العدة للانقضاض عليهن وافتراسهن:

إذا رأيت نيوب الذئب بارزة … فلا تظنن أن الذئب يبتسم

قالت (هلين): “إن المجتمع العربي مجتمع كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيد الفتاة والشاب في حدود المعقول، وإن هذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوروبي والأمريكي، فعندكم تقاليد موروثة تحتم تقييد المرأة وتحتم احترام الأب والأم، بل تحتم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية التي تهدد المجتمع والأسرة في أوروبا وأمريكا، ولذلك فإن القيود التي يفرضها المجتمع العربي على الفتاة الصغيرة وأقصد ما دون سن العشرين هذه القيود نافعة وصالحة، لهذا أنصح أن تتمسكوا بتقاليدكم وأخلاقكم، وامنعوا الاختلاط وقيدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا.”

وقالت أيضا: “امنعوا الاختلاط قبل سن العشرين فقد عانينا منه في أمريكا الكثير، لقد أصبح المجتمع الأمريكي معقدا مليئا بكل صور الإباحية والخلاعة، وإن ضحايا الاختلاط والحرية قبل سن العشرين يملأون السجون والأرصفة والبارات والبيوت السرية. إن الحرية التي أعطيناها لفتياتنا وأبنائنا الصغار قد جعلت منهم عصابات أحداث، وعصابات جيمس دين (ممثل أثرت أفلامه كثيرا في سلوك الشباب)، وعصابات المخدرات والرقيق. لقد هدد الاختلاط والإباحية والحرية في المجتمع الأمريكي والأوروبي كل الأسر وزلزل القيم والأخلاق. فالفتاة دون سن العشرين في هذا المجتمع تخالط الشباب وتشرب الخمر والسجائر بل وتتعاطى المخدرات باسم المدنية والحرية والإباحية وتلهو وتعاشر من تشاء تحت سمع عائلتها وبصرها. بل وتتحدى والدها ومدرسها والمشرفين عليها. تتزوج في دقائق وتطلق بعد ساعات ولا يكلفها هذا أكثر من توقيع تكتبه و20 قرشا تؤديها.” انتهى كلامها.

إنه لمن المؤسف أن نضطر إلى الاستشهاد بكلام الغربيين من أمثال (هلين)، وهم كثر، لنبين عظمة أحكام الإسلام وما تؤدي إليه من صيانة المجتمع وسعادة الإنسان، وخطورة التشبه بالغرب في إباحيتهم وانحلالهم. ألم يكفنا قول رب العالمين: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) وقوله تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) وقوله تعالى: (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون).

ألم يكفنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم”.[1]

وقوله صلى الله عليه وسلم: “وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري”.[2]

وكلام (هلين) المتقدم نقله العلامة عبد الله كنون رحمه الله في كتابه “الإسلام أهدى”، وهو كتاب يبين تفوق النظام الإسلامي على غيره من الأنظمة في خمس قضايا هي أهم ما تبنى عليه فلسفة الأنظمة المعاصرة، وهو جدير بأن يقرأه المسلم لا سيما في هذه الأيام التي تتعرض فيها أحكام الشريعة لهجوم شرس من العلمانيين جهلا وكذبا وزورا.

وقد علق العلامة كنون على كلام (هلين) بتعليقات نفيسة أذكر منها فائدتين:

الأولى: أن هذه الوضعية المنحلة التي أصبحت عليها المرأة الغربية ليست قديمة وإنما طرأت عليها بعد الحرب العالمية الثانية، وأما قبل ذلك فقد كان الغالب عليها هو الحياء وعدم الاختلاط بالرجال. قال كنون: “فقد أدركنا هذه المرأة برغم سفورها تعتزل مجتمعات الرجال ولا تبدي من زينتها إلا القليل، وكان بها بقية من حياء فلا تتجرد في الأماكن العامة كالمسابح والميادين الرياضية أمام الجمهور، وكانت الفتاة لا تخالط إلا لداتها من الفتيات ولا ترى مع شاب إلا إذا كان خطيبها وبصحبة أقاربها، وما عصفت العواصف بالمرأة الغربية وتدنت إلى هذا الحضيض إلا منذ العهد القريب الذي أشرنا إليه”.

وبهذا يعلم أن المرأة الغربية كانت على حال خير من حال كثير من فتياتنا المسلمات اليوم اللاتي صرن يتجردن من لباسهن المحتشم في المسابقات الرياضية والمنتزهات العامة ويصحبن الشبان ويتمايلن معهم بكل جرأة وصفاقة وقلة حياء، والله المستعان.

الثانية: أن سبب ما تعانيه المجتمعات الغربية من تدهور وتفكك هو إعطاء الحرية المطلقة للفتاة وإطلاق العنان لتصرفاتها العاطفية في السن التي تطغى عليها هذه العواطف ولا تملك كبحها أو ضبطها بحكمة وتبصر، بخلاف ما نجده في الشريعة الإسلامية من حث على عزل الفتاة، ومن ذلك الأمر بالتفريق في المضاجع بين الذكور والإناث منذ الصبا، ولو كانوا من ذوي الأرحام. فلا يتعامى عن عظمة هذه التشريعات وفضلها في صيانة الفتاة نفسيا واجتماعيا إلا مطموس البصيرة.

وقد ذكر العلامة كنون ما يظن أنه سبب انتشار الفكر الداعي إلى الانحلال والانطلاق المتسيب فقال: “قيل إن طبيبا أمريكيا يدعى الدكتور سبوك وهو اختصاصي في طب الأطفال أصدر كتابا عن طرق العناية بالطفل وتنشئته، وترجم هذا الكتاب إلى أكثر من ثلاثين لغة وكان خلال العشرين سنة الماضية أكثر الكتب توزيعا في العالم وهو كتاب ثوري، فلسفته تقوم على حرية الطفل وعدم استخدام الحدود والقيود معه إلى سن الشباب. وقد اعتبرته كل أم دليلا لها في تربية أطفالها. فالجيل المتمرد على الأخلاق والآداب العامة هو جيل الدكتور سبوك هذا. وتقوم الآن دعوة مضادة من المربين وعلماء الاجتماع للعودة إلى أسلوب التربية القديم الذي يأخذ الأبناء والبنات بالحزم في سن الطفولة والعودة إلى عقوبة الضرب وغيرها في البيت والمدرسة حتى يستقيم سلوك النشء ويراجع سيرة الآباء والأجداد.”

وختاما أكرر النصيحة بقراءة كتاب العلامة كنون لا سيما فصل “الإسلام والمرأة” فإنه يبين فضل الإسلام على المرأة وحمايته لها، ويجيب على من ينتقدون أحكام الطلاق والتعدد والميراث الذين يرددون كلام خصوم الإسلام بلا تبصر. فلهؤلاء نقول: أين العقل الذي تقدسونه؟ أين الإنصاف؟

(ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز)

ـــــــــــــــــــــــــــ

[1] صحيح مسلم (1844)

[2] أخرجه أحمد (5115).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M