أحداث البولفار وأسئلتها
هوية بريس – إبراهيم أقنسوس
تستدعي الأحداث التي رافقت حفل (البولفار) الأخير، والتي اعتبرت غير معقولة، طرح العديد من الأسئلة الهادئة والصريحة، أركز منها على ما يلي:
أولا: هل يعتبر حقا، ما فعله هؤلاء الشباب، أمرا غير عادي، بالنظر إلى المسارات الفكرية والتربوية والاجتماعية لأغلبهم؟ أليست هذه الوقائع والمشاهد، نتيجة طبيعية ومنطقية، لتراجع الأدوار التربوية والثقافية والتأهيلية، لجل المؤسسات والإطارات، التي ينتظر أن تحتضن بداهة، هؤلاء الفتيات والفتيان، وأن تواكب مساراتهم وتحرص على ترشيدها وتوجيهها، نحو التعقل والتخلق والاتزان؟؟
أليس ما شهدناه ونشهده من ردود بعض شبابنا، ليس في النهاية، إلا نتيجة عادية ومنتظرة، لمسلسل طويل من الإهمال والصد، والتسييس المريض، لأمهات القضايا والمسائل الحيوية، ومنها قضية الشباب؟؟
ماذا ننتظر من شباب يافع، يفتقر إلى تعليم جاد، ويشكو إهمالا تربويا مخيفا، ويعاني خصاصا ثقافيا مهولا؟
ماذا ننتظر من شباب مفعم حيوية ونشاطا، شباب أعزل، تخلت عنه جل مؤسسات بلده، المعنية بموضوعه أساسا، وفي زمن إشكالي بالغ التعقيد، لا تزيده الأيام إلا صعوبة؛ الأسرة والمدرسة والمسجد والشارع والحكومات والأحزاب والجمعيات؛ جل هذه الإطارات قدمت استقالتها، التربوية والتأطيرية والتدبيرية، ولم تعد تفعل شيئا، عدا إنتاج الكلام والثرثرة؛ الأسرة اقتصر دورها على الصراع اليومي لجلب القوت، والمدرسة حولت الأستاذ إلى ناقل للتعلمات، وباحث عن موارد تكميلية، لإتمام النصف الثاني من الشهر، والمساجد تحولت إلى أماكن خالصة لتأدية الصلوات، ثم الإنصراف مباشرة، بلا تأطير ولا توجيه ولا أفق تربوي، وأكثر الشباب لا يقصدونها، وأكثر خطب الجمعة عبارة عن كلام مكرور، يفتقر إلى التحيين والتجديد؛ والأحزاب تحولت إلى دكاكين انتخابية، تحسب عدد المنضوين والمناوئين، والجمعيات تنتظر أموال الدعم لتوزيعها على الأعضاء، غير النشيطين، فماذا كنا ننتظر؛ إن فاقد الشيء لا يعطيه؛ وإذا كان أمر هؤلاء الشابات والشبان يهمنا حقا، فإن بداية الحل الجاد، يكمن في إعادة الإعتبارالحقيقي لكل هذه الإطارات التي سبق ذكرها، وإلا فلا معنى لأي تذمر وانفعال، بعد كل حدث يأتي، ثم يطوى.
ثانيا: لست أدري، ومن موقع آخر، ووجهة نظر أخرى، إن كان بيننا حقا، من يراهن على إغراق الشباب في أتون الفراغ والتفاهة، بمسميات وأكاذيب، تستثمر وبلا مسؤولية، في براءة هؤلاء الفتيان والفتيات، وتدفعهم دفعا إلى الهاوية، وإلى الانضمام إلى جموع الدهماء والغوغاء والتائهين؟؟
هل هناك بيننا فعلا، من يراهن على التجهيل والتسفيه والضحالة الفكرية والتربوية، ويعتبر ذلك مخرجا، أو مهربا من مواجهة الأزمة ؟؟؛ من حق الجميع أن يختار من الآراء والفنون ما يشاء، ولكن، هل يوجد فن، يستحق هذا الإسم، بلا مضمون فكري جاد، ولا رؤية ثقافية، ولا منظور تربوي، ولا عمق وطني؟؟
فرق كبير بين الحرية والفوضى، بين التعددية والضحالة، بين الفن والتفاهة، بين البحث عن الرقي، والاحتفال بالانحدار إلى الهاوية؛ هل يوجد بيننا من يهمه أن تسود الضحالة، ويتراجع المنسوب التربوي والقيمي لشبابنا؟؟
أحداث البولفار الأخيرة تستدعي التوقف، لاستحضار كل العناصر والإطارات المعنية بقضايا الشباب لمساءلتها، ومراجعة أدوارها، بلا جعجعة ولا ضجيج، ثم البدء من حيث يكون البدء.