أزمة البودشيشية: عندما يتحول التصوف إلى صراع على السلطة
أزمة البودشيشية: عندما يتحول التصوف إلى صراع على السلطة
هوية بريس – متابعات
تشهد الزاوية البودشيشية منذ أسابيع جدلا واسعا وتصاعدا غير مسبوق في ما يتعلق بمشيختها، بعد تنازع أبناء الشيخ جمال بن حمزة، منير ومعاذ، على خلافة المشيخة.
وقد تصاعدت حدة النقاشات حتى وصل الأمر إلى إشاعات حول تدخل ملكي، وهو ما رفضه بعض المراقبين مؤكدين أن الملك عادة لا يتدخل في مثل هذه الشؤون الروحية والتنظيمية الداخلية للزاوية.
وفي هذا الصدد علق د. محمد عوام، على هذا الجدل بقوله إن “حب الترأس آخر ما ينزع من قلوب الصديقين”، مشيرا إلى ما أورده العلامة ابن عاشر في نظم المورد المعين حول التصوف، حيث اعتبر أن حب الرئاسة من أكبر آفات النفس، حتى بالنسبة للصديقين الذين بلغوا أعلى درجات الزهد والفضيلة.
وأضاف الباحث في الفقه وأصوله، أنه إذا كان حب الترأس ملازما لأهل الصديقية، فمن الطبيعي أن يكون أعظم وأشده بين عامة الناس وأصحاب الطرق الأقل التزاما بالتصوف الحقيقي.
وأشار الباحث إلى أن التصوف الحقيقي هو “نقاء وارتقاء وصفاء واصطفاء والتزام بالكتاب والسنة”، وأن من يدعي التصوف دون التزام بما جاء في الكتاب والسنة هو مجرد مدع، لا قيمة لدعواه، مؤكدا أن هذا هو الميزان الشرعي الذي تُقاس به جميع الأعمال والأقوال.
وحذر د. عوام من تأثير السياسة والإفساد الخارجي على الزوايا الصوفية، مؤكدا أن بعض التصوف أصبح مجرد طقوس ورقص وجلب للأموال، مستغلا الانتساب إلى آل البيت لتحقيق مكاسب شخصية، بعيدا عن جوهر التصوف والاقتداء بسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
وذكر في ذات السياق أن الرسول صلى الله عليه وسلم خاطب أقرب الناس إليه من أهل بيته بأن العمل والالتزام هما الطريق الحقيقي، وليس الانتساب أو الادعاء.
واختتم الباحث المغربي بالتأكيد أن ما يحدث في الزاوية البودشيشية ما هو إلا نموذج مصغر لصراع السلطة والامتيازات، بعيدا عن جوهر التصوف القائم على الزهد والورع والتحلي بالأخلاق الفاضلة. وأضاف أن التصوف الحقيقي يظل اقتداء بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم وما عداه مجرد تسوق لا يليق.
ما تشهده الزاوية البودشيشية اليوم يوضح بجلاء خروج بعض ممارسي الطريق عن منهج السلوك، نحو الصراعات السياسية والمناكفات الشخصية. هذا الانحراف لم يمر دون أن يثير تفاعل الرأي العام، إذ شهدت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تفاعلا واسعا ونقاشات حادة تشجب هذا الجدل وتدعو إلى الالتزام بالسلوك السني الوسطي البعيد عن التجاذبات السياسية والشطحات الصوفية.
