أشياءُ وأُناسٌ على الحدود المغربية.. بني ونيف يناير 1907 (3/1)

13 يوليو 2025 23:25

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

** ملخص:

يتحدث النص عن المازق الذي وُجِدت فيه فرنسا، إثر معاهدة لالة مغنية بينها وبين المغرب سنة 1845 التي حدت لها حدوها غربا نحو الجنوب بـ100كلم انطلاقا من البحر شمالا، إلى ثنية الساسي جنوبا، فلما أرادت التمدد نحو جنوب وهران في الصحراء وجدت المغرب في مواجهتها باعتباره صاحب الأرض، وبالرغم من أنها تذرعت بأن جنوب وهران عبارة عن مراعي لسكان البلدين المغرب والجزائر، مبرزا أن الظهرة جزء من المغرب لغاية جبال بشار.

** كلمات دالة:

معاهدة لالة مغنية 1845، ثنية الساسي، جبال زكَّارة، سيدي بوشنافة، بني كيل، واحة فكيك، بني ونيف، مَكْرار، مسجد السي سليمان، سلاطين مراكش، دايات الجزاير، الخرطوم، مصر، الهاتف، التلغراف، السكة الحديدية، الظهرة، عمالات المغرب، موريطانيا الطنجية.

** النص:

ندرك جيِّدا الوضع المتناقض، الذي تواجهه الجزائر على حدودها الغربية؛ تنص المعاهدات الرسمية على أن هذه الحدود مجرد وهْمٍ، باستثناء المائة كيلومتر الأولى الممتدة من الساحل إلى ثنية الساسي.

من هذه النقطة الأخيرة، وعلى مسافة ستة كلمترات فقط، يكمن جوهر الحدود في عدم وجودها، هذا ما ورد في معاهدة لالة مغنية، المبرمة سنة 1845 بين فرنسا والمغرب.

هناك من قال بشروط خاصة؛ في الواقع رأت فرنسا أنه فيما وراء ثَنْيَةِ السَّاسِـي، لا داعي لتحديد “أرض لا تحرث أراضيها، وإنما هي مرعى لبدو الإمبراطوريتين”.

بعد التَّغَلُّب على البلاد، لم ننتظر معرفة أن هذا البلد يمكن أن يكون محل إعجاب المفوضين الوكلاء، سواء الفرنسيين والمغاربة، وهم على وشك اتخاذ قرار الحسم.

مما يفسر لنا لماذا تركوا معالجة الأمر للمستقبل، الذي سيجد حلا لهذا المأزق.

أشهر الشتاء هذه، مثالية لرؤية واضحة لهذه المناطق، شمس إفريقيا الساطعة، لا تملأ الأفق بخيالات فاتنة، في صفاء نور الشرق الجميل الذي يسود حاليا، تظهر الصور على حقيقتها، إنها قاسية، المشهد جبل، يتجه دائما نحو الأفق، ليست سلسلة ضخمة شاهقة، بل سلسلة طويلة، مصفوفة جنبا لجنب، عالية نوعا ما، متشابكة أحيانا، وفي معظم الأحيان راكضة، في صور طبيعية، تتدافع نحو وجهة غامضة في الجنوب…

جوانب هذه السلاسل شديدة الانحدار، وعرة، وعارية، نادرا ما يخفف من وطأتها، نبات أخضر رقيق يدعى خزًّا، ومع ذلك تظهر هنا وهناك، في بعض النقاط العلوية نُدَفٌ من الثلج، ويضاف إلى كل هذا، جاذبية السحب القريبة جدا، التي تغلف أحيانا الارتفاعات.

القمم والقواعد، القواعد من وقت لآخر تبرز سفوح هذه السلاسل الكثبانية الرملية المتفرقة، شقراء كانت أم حمراء، جلَبها صبر الرياح وعنفها، الذي دام قرونا، من أماكن أخرى.

لقد خلف هبوب تلك الرياح، مع الشمس والأمطار، تأثيرا على الجبال الهامدة، منذ آلاف السنين، حولتها لنتوءات صخرية، توَلَّد من نحتها، تلك الكثبان الرميلة السالف ذكرها وألوانها.

في هذا الفضاء القاسي المحبط للآمال، تمتد سلسلة من السهول نصفها صخري ونصفها أخضر، الحركة على أرضها قليلة، كما أن الغطاء النباتي منخفض، إلا من عشب الحلفاء، والزعتر، والشيح، ونادرا ما نرى في طيات تشبه الواد شجرة، شجرتين من أنواع خشنة صلبة، شائكة، مع غابة منخفضة ملتوية كئيبة الخضرة.

لا شيء في الفضاء يحول بين العين ومعانقة الأفق البعيد، لصفاء الجو بها، في الربيع، يُمَيز في سهوبها سنابل الشعير، متناثرة ممزوجة بسنابل الحنطة السوداء وقطيعًا من الماعز والأغنام، بالقرب من السنابيل يقف راعيها تحت قُبِّ بُرْنُسِه، وفي مكان آخر يجول قطيع من الجمال البُهْمِ في المرعى.

الماء شحيح، خلال الشتاء تملأ الأمطار أحواضا كتِيمَة، توفر للبدو وقطعانهم، ماء نظيفا، وسهل الاستخدام.

أما الآبار فهي متباعدة، غالبا ما يكون بعدها على مسافة مشي يوم كامل، لكن بين الحين والحين، يوجد مجرى سيل، يترك على ضفافه نباتات من زروع ونخيل وغيرها من المحاصيل الزراعية، والرعوية، على طول امتداده، يتولاها سكان القرى بالعناية والتحْويط، لمنع الرمال من تغطيتها وتجفيف رطوبتها، وطّمْرِ مائها، كما في: عين الصفراء، وتِيُّتْ، ومُكْرارْ، وبني-ونِّيف، وكولومب-بشار.

هذه حدودنا الجنوبية مع وهران، وكذلك الظهرة، وهو اسم ذلك الجزء من المغرب الممتد من جبال زِكَّارة شمالا، إلى نهر ملوية غربا وإلى جبال فكيك جنوبا، وهي منطقة غير مقسمة بين فرنسا والمغرب.

قد تبدو هذه المراعي مُربكة، لمن اعتادوا على مروج نورماندي، أو جبال الألب الخضراء، إلا أنها مع ذلك مُناسبة جدا، لسلالات الأغنام والماعز، سأعطيكم بعض الأرقام؛ قبيلة مثل بني كيل، تمتلك 350 ألف رأس من الأغنام أو الماعز، بالإضافة إلى 8.000 جمل، و1.500 حصان، وقبيلة أخرى مثل سيدي بن شنافة تمتلك 125 ألف رأس من الأغنام، و1.800جمل، و500 حصان، وهكذا دواليك.

فمع صعوبة البلاد وقسوتها، تعيش فيها قبائل بربرية وعربية عديدة، لكن البيئة بطبيعة الحال تترك أثرها القاسي على هؤلاء البدو، فالمراعي صعبة أيضا، شديدة الانحدار كجوانب صخورها، عنيفة كرياح السهوب، التي تنحت الجبال، متعطِّشة كرمال الكثبان الرملية للأمطار.

من أجل الانتفاع بالمراعي، يتربص الناس ببعضهم البعض، فتسرق الأغنام والإبل، ويقتل بعضهم بعضا، أحيانا ما يجلب نباح الكلاب اللصوص لأصحابها، أو الموت…

على مسالك التلال التي تسجَّل اغتيالات على الطريق، ويقطع مئات الكيلومترات من أجل القتل، من أجل السرقة، السهل هنا، مهيأ للغزوات المفاجئة والهروب السريع، بين سلاسل الجبال الوعرة، ومضايقها التي تساعد فتحاتها على اختفائهم.

وقصارى القول هو أن من هذه الأراضي، ينحدر عدونا القديم بوعمامة، يلوح في الأفق شبحه الشبيه بقاطع الطرق، على هذه الأرض التي يجسدها نخيل مُكْرار الذي تحدثت عنه للتَّوِ، حيث مسقط رأسه ومهد عائلته، في بني ونيف، قبالة واحة فكيك، التي بنى بها السي سليمان مسجدا حمل اسمه (مسجد السي سليمان) قبل حوالي أربع سنوات، والذي ما يزال يأتي إليه، لأداء الصلاة كل جمعة.

إذا كانت أعمال السلب والنهب جزء من الحياة الإجتماعية هنا، فلا بد من إضافة أنها كانت كذلك لقرون عديدة، وللتَّأَكُّد من ذلك، يكفي التجول في بساتين النخيل والقرى المستقرة، فسيُدرك أنها معاقل حصينة حقيقية، مع مسارات دائرية، وأحيانا سورَيْنِ، أبواب المساكن ضيقة ومنخفضة -منخفضُ زَحْفٍ- تحكي حياة الفزَع لدى المزارعين، المحاصيل نفسها لا تنضج، وأشجار النخيل لا تنموا، إلا وراء أسوار عالية.

لم يسبق لأيِّ من أسلافنا مقام بهذا الشمال الإفريقي لغاية هنا، روما، ثبَّتت وجودها في موريطانيا الطنجية بصعوبة، لذلك لم تترك أثرا في هذه النواحي، لم يتمكن دايات الجزائر، ولا سلاطين مراكش، من إرساء النظام في بلد، وبين سكان مماثلين.

لحسن الحظ، أتاحت لنا أدوات المجتمعات الحديثة معالجة هذه المسألة بفُرَص نجاح أكبر، طبَّقنا مبدأ الإنجليز، فزحَفْنا إلى مصر، ضد المهدي والخرطوم، عبر أرض صعبة مماثلة، وتقدمنا إلى الحدود الجنوبية للظهرة باستخدام السكة الحديدية والتلغراف والهاتف.

خط السكة الحديدية، متناغم مع البلاد وسكانها، فالمحطات تُصَوَّرُ كحصون صغيرة ذات سهاريج وثغرات ذات شرفات للرمي مهلكة.

الأبواب، مصاريع النوافذ نفسها، عبارة عن قضبان حديدية، يمتد تلغراف جوي على طول السكة، وفي الوقت نفسه، وُضعت تدابير لاحتمال قطع أسلاكه، قمم الجبال تحمل أحيانا علامات بيضاء، توجد بها أعمدة تلغراف بصرية، مليئة أيضا بالدفاعات.

اليوم يمكننا القول بأن النظام مستتب شرق خط السكة الحديدية، فالقبائل التي تترحَّل على الجانب محتجزة كما لو كانت في كمَّاشة، بين السكة ومحطاتنا في الجزاير الداخلية، الخوف من العقوبات الرادعة، ولسيما الاحتجاز لفترات طويلة لترويضهم، لكن القبائل الواقعة غرب خط السكة الحديدية، وعلى رأسها القبائل البربرية ما تزال بعيدة عن أي تنظيم.

رغم أفعالهم السيئة التي ارتكبوها -سرقة، إغارة، قتل- يجدون المأوى والملجأ في عمالات المغرب، لم تكن للسلاطين سلطة حقيقية عليهم، ولم يحاولوا الإستيلاء عليها، وإلا لوقعوا في ورطة، هم أيضا اليوم.

ومع ذلك كان من الضروري حماية تجارنا ومعمِّرينا، من غارات هؤلاء الرحل، وكذلك ضمان سلامة القبائل التي قبلت باقتراحنا، وتبَنِّـي حياة سلمية وطبيعية.

من المهم الآن أن نوضح كيف نظمنا هذا الدفاع، الذي يمكن للمرء أن يستنتج أنه خاص جدا، وأصيل، بمجرد معرفة هذا البلد وسكانه.

يتبع في (ج2-3)..

——————

Choses et Gens de la Frontier Marocaine

Felix dubois

في: نشرة إفريقيا الفرنسية3/ 1907 /ص:52-53.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة