أكاذيب ومغالطات محبي الدكتور فاروق حمادة
هوية بريس – د.محمد عوام
لم أكن أحفل بما يفعل أستاذنا فاروق في الإمارات، ولم أكن على علم بتلك المحاضرات والكتابات التي يلقيها من هناك، حتى نبهني أحد بلديه صديق لي من العلماء السوريين إلى ما يطوح فيه الرجل، فطفقت أتتبع من حين لآخر ما يقوله، وأطلع على ما يكتبه، وما يمدح به حكام الإمارات تزلفا وتملقا، من غير مراعاة لخلق ولا دين، وطمعا في أن ينال الحظوة عندهم، والطمع أذل أعناق الرجال كما يقال.
ومن أراد أن يقف بنفسه على هذه الحقيقة فما عليه إلا أن يفتح اليوتوب وسيجد ما أقول، (حب الوطن في عالم متحرك، ملتقى الإمارات وطني..انتماء وولاء، مفهوم الخلافة: جدلية النموذج بين الماضي والحاضر..من رؤى السراب). ولم يستح الرجل من التصدي في كل مرة للشهيد حسن البنا وسيد قطب رحمهما الله بالتهجم عليهما في قضية الخلافة وغيرها، وتحميلهما ما لا يليق بمكانتهما، ولا بفكرهما، حتى اعتبر كلام حسن البنا حول الخلافة فكرة موهومة، فكرة غامضة، على حد تعبيره، ويحمل سيد قطب رحمه الله تبعات فكره عن الحاكمية، حيث ورثته عنه القاعدة والدواعش وكل التيارات الجهادية. وستقفون على العجائب والغرائب التي يلصقها فاروق بالإخوان، ليس من قبيل النقد العلمي الرصين، وإنما كان يحشر من الأباطيل والتحريفات ما يرضي به حكام الإمارات.
واليوم اطلعت جماعة من المجاهيل، لا ندري اسمها وفصلها، ولم نقف على مكانتها ومنزلتها، تحت غطاء الموضة الجديدة (محبو العلامة فاروق حمادة)، تقيأت كلاما كله طعنا وشتما في أستاذنا العلامة أحمد الريسوني حفظه الله، تحت عنوان (بين الدكتور فاروق حمادة وبين الريسوني وقناعه الجباري)، حشرت فيه من الأباطيل المزيفة، والأكاذيب المنمقة، والضلالات المرصعة، بما لا يصلح أصلا للرد عليه، لأنه من الهزال والضعف الذي يدركه كل منصف عرف أستاذنا الريسوني، ولكن الذي حذا بي للرد هو رفع الالتباس عن بعض الناس، الذين قد يسقطون في سوء الظن والتأويل القبيح، والترويج للباطل وهم لا يشعرون. أما طائفة المحبين الذين عميت أبصارهم عن إدراك الحقيقة، واختلطت عليهم المبادئ بالدينارات والدولارات، فانساقوا لاهثين وراء المال متنكرين للمبادئ والقيم، وعلى رأسهم من يحبونه، فهذه بالنسبة إلي لا في العير ولا النفير، ولا تهمني في شيء.
وأنا أكشف للقارئ الكريم زيف هذه الأراجيف الضالة فيما يلي:
أولا: أن هذه طائفة من المجاهيل، لم تجرأ على أن تكشف القناع عن وجهها، وتزيح الحجاب عن بدنها، حتى يعرفها الناس بذاتها وبأسمائها وصفاتها، فهؤلاء جبناء يحسون بالرعب في داخلهم، لأنهم لو كانوا مقتنعين بما يكتبون، وجادون فيما ذهبوا إليه، لما تستروا خلف الباب، واكتفوا بالسب واللعن من وراء حجاب. وإحداهن طفقت تروج للمقال، وهذا من حقها، ولكن كما يقول المغاربة “من عرفت كسوته لا يهمني عراه”.
والذي لا يخفى على أهل العلم، وهو ما سطره الدكتور فاروق في (المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل ص330) أن من الأمور التي يجرح بها الرواة الجهالة، فجمع هؤلاء الجهالة من جانبيها: جهالة العين، وجهالة الحال. فاكشفوا عن وجوهكم رحمكم الله، واخرجوا من جحوركم حتى تزول عنكم الجهالة، ويعرفكم الناس.
ولو كنتم فعلا تحبون أستاذكم وشيخكم لما خذلتموه بالاختفاء والتستر، ولكانت لكم الشجاعة في الدفاع عنه، مما يجعل احتمال إنشاء هذه الصفحة (محبو العلامة فاروق حمادة) لا يخرج عن احتمالين لا ثالث لهما: إما أنها من إنشاء المحبين فعلا، ومنهم الذباب والباعوض الوظيفي الإكتروني، أم هي من إنشاء فاروق نفسه، وإن كان في نظري هذه المسألة لا تكتسي أهمية، إلا أنها تطلعنا عن مبدأ التمويه والتشغيب الذي جعلته هذه الطائفة مسلكا لها منذ الانطلاقة الأولى، فما بالك بالاستمرار والنتائج، ولماذا أنشئت أصلا. ولذلك أقول لكم بلسان حال أستاذنا الريسوني:
إن قومي تجمعوا وبقتلي تحدثوا
لا أبالي بجمعهم كل جمع مؤنث
ثانيا: مما عابه المجاهيل على أستاذنا الريسوني كونه وجه انتقادا لأستاذه فاروق حمادة، وفيه من “التجريح الذي لا يليق أن يصدر من مسلم فكيف من تلميذ في حق أستاذه؟؟؟”
فمتى كانت مناقشة الأستاذ لطالبه أو الإشراف عليه مانعة من مراجعة كلامه ونقده إن اقتضى الأمر ذلك؟ فهل مقام الأستاذية يلجم الطالب وإن صار عالما ومفكرا من المراجعة والنقد وإبداء الرأي في ما ذهب إليه شيخه؟ لعمري هذا التصور يوطن للاستبداد الفكري الذي يمارسه بعض المشايخ والأساتذة، ودليل على التنفخ والتكبر الذي لا يليق بأهل العلم. فإذن هذه حجة داحضة، إذ ليس في العلم كبير، وليس من خلق المسلم فضلا عن عالم أن يسكت عن منكر أستاذه أو شيخه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: “من رأى منكم منكرا فليغيره.” الحديث.
والذي يجهله “المحبون المجاهيل” أن أستاذنا الريسوني تتلمذ على يد الصديقيين، منهم عبد الله ابن الصديق وعبد الحي ابن الصديق رحمهما الله، مثله في ذلك مثل فاروق مع العلم بتقارب سنيهما، ولما دخل الريسوني كلية الآداب في إطار سلك تكوين المكونين يومها، مع أستاذنا الروكي، دخلاها وهما راسخان في العلم، بل من العلماء، لا يقلون عن فاروق في شيء، إن لم يكونا يفوقانه، وهذا ما يشهد به العلماء الثقات. ومع ذلك لا أحد ينكر الأستاذية وإن لم يجن منها شيئا، ممن يشترك معه في الشيوخ الكبار.
ثم لماذا يغض المجاهيل الطرف عن دور أستاذنا الدكتور محمد بلبشير الحسني حفظه الله صاحب الريادة والفضل الكبير على هؤلاء جميعهم، وعلى شعبة الدراسات بالمغرب، وعلى فاروق نفسه، الذي قلب عليه الطاولة في قضية رئاسة الشعبة، وخبرها شاع وذاع، كأن أستاذ المجاهيل هو من صنع تاريخ شعبة الدراسات الإسلامية؟ فهذه لوثة فكرية وسوء خلق، وتشغيب لا يليق بمن ينشد معرفة الحق.
ثالثا: ادعى المجاهيل أن أستاذنا الريسوني تقنع بالدكتور عبد الله الجباري، وهذا مجرد وهم وادعاء، فالذي يغيب عن هؤلاء المجاهيل أن أستاذنا أحمد الريسوني لم يطلب في يوم من الأيام من أحد أن يكتب للدفاع عنه، لا مني ولا من الجباري ولا من غيرنا، فشيمه وأخلاقه، وعفته وعلو منزلته تأبى ذلك وترفضه، فهو إما أن يكتب بنفسه أو لا يكتب، وما ذكره المجاهيل كله مغالطات وتمويهات وتشغيبات. أما مقال الأستاذ الجباري فهو مقال علمي كشف فيه مواقف الدكتور فاروق حمادة المتقلبة، بعيدا كل البعد عن الاستعداء وغيره. ثم إن الجامعات المغربية والأوساط الثقافية تعرف كلا من الأستاذين الريسوني وفاروق، تعرفهما بتاريخهما ومكانتهما ومواقفهما، والعرب بالباب.
رابعا: زعم المجاهيل أن عند أستاذنا أحمد الريسوني “عقدة مرضية مزمنة، وقد تكون منذ مدة طويلة اسمها (الدكتور فاروق حمادة)،” ولم يفصحوا عنها، وإنما تذرعوا بجمع معطياتها. فلماذا إذن تأخير البيان عن وقت الحاجة إن كنتم صادقين؟ وهذا أكبر دليل على الكذب الصراح. وأنا أدلكم على عقدة الريسوني الوحيدة، والتي يدركها القاصي والداني عنه، وممن خبره وأطال مصاحبته، وهي ما يسميه المغاربة “التخلويض والتخربيق”، فالرجل لا يقبل البتة أن يشارك في الظلم وابتكار الحيل والتمويه وظلم الطلبة، بتقريب فلان وإبعاد علان بحسب الهوى والمصلحة الشخصية، وهذا ما جعله يختلف مع فاروق في وقت مبكر، يوم كان يدرس بوحدة (الاجتهاد المعاصر) التي أسسها فاروق، لأنه لاحظ أشياء لم ترقه فاصطدم معه، وقدم استقالته من التدريس بالوحدة، وشاهد عيان الذي أخبرني بذلك لازال حيا، ولو سمح لي بذكر اسمه لذكرته، إذ كشف أستاذنا الريسوني عن الفساد الذي يمارسه أستاذه بالوحدة، حتى أصبحت معروفة في الكواليس بحدة الخليجيين.
أما قضية صهره فنوجز الكلام عنها بأنه تحريف للموضوع، لا يليق. ولم يكن أقل مستوى من بعض الخليجيين الذين كانوا يفوزون بالنجاح تكرما وتفضلا، ويُتفضل عليهم بالزيادة في التنقيط، والاتصال بالمريدين الذين يسعون في ذلك سعيا.
خامسا: وهي أم الأراجيف، وأفحش الأكاذيب المضللة، إذ قالوا: “لقد أرسل الريسوني يوما ملفًا يطلب من أجله ثلاثة ملايين دولار من دولة الإمارات العربية المتحدة -الملف موجود واسمه مطبوع عليه، وإن اضطررنا سننشر صورته. كما أنه طلب منه السعي لتوظيف بعض الناس في الإمارات، ولما لم يتحقق له طلبه هذا ولا ذاك بدأت أفكاره تغلي، وكانت نفسه مترعة مهيأة قبل ذلك لأسباب أخرى…”
هذا حديث موضوع يعني مختلق، فإما أن يكون مختلقه فاروق نفسه، وهذا جرح شديد يُجرَّح به صاحب (المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل) فتكون بذلك عدالته قد سقطت، وإما أيكون موضوعا من قبل محبيه وجماعته المجاهيل، وهذا لا يشرف الأستاذ أيضا أن تنتسب إليه، وتلتف حوله جماعة من المجاهيل وطائفة من الوضاعين. وهذه الرواية المكذوبة المخزية قد كذبها وردها وتبرأ منها أستاذنا الريسوني بعد أن سألته عن ذلك، وجزم أنها من “الاختلاق المحض الذي لا أصل له البتة” وبهذا يكون صاحبها كذابا ممسوخا. وأستاذنا فاروق يعتبر الكذب “من أعظم المعاصي إثما عند الله تعالى، ومن جملة الكبائر، وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع” (المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل 291).
فهذه الرواية المكذوبة على أستاذنا الريسوني موجبة للطعن في صاحبها ومبتدعها، والذي يكذب في حديث الناس –كما قال الأستاذ فاروق- “فلا يؤتمن على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم” ونقل عن القاضي عياض قوله: “من لا يستجيز الكذب في الحديث النبوي ولكنه يكذب في حديث الناس وقد عرف بذلك، فهذا لا تقبل روايته ولا شهادته، وتنفعه التوبة، ويرجع إلى القبول.” (المنهج308). فهل يؤتمن على العلم وشريعة الرحمن أيضا من التزوير والتأويل؟
سادسا: قضية مشروع (معلمة زايد للقواعد الفقهية…) هذا المشروع لولا -بفضل الله تعالى- أستاذنا الدكتور أحمد الريسوني ومحمد الروكي وبعض المخلصين كاد أن يتوقف، والمشروع منذ سنين خلت، وهو يتدحرج من غير نتيجة تذكر، وأمواله كانت مرصودة زمن الشيخ زايد رحمه الله، فكان لأستاذنا أحمد الريسوني الفضل أن أشرف على هذا العمل الجبار، حتى أخرجه إلى النور، الذي أصبح اليوم ينسب إلى الإمارات، ولم يحضروه حتى في حفل الانتهاء منه. وما كان يتقاضاه إنما ذلك بحسب الاتفاق الذي أبرمه مع المؤسسة وكان من وراء ذلك الدكتور جمال عطية رحمه الله، والذي أصر على أن يكون أستاذنا الريسوني مديرا للمعلمة، لما عهد عليه من صرامة وجدية وتفان في العمل. ثم أجرة الريسوني لا تساوي شيئا أمام مستشار ولي العهد الإماراتي المداح، ولكن أتمُنُّ على الأستاذ الريسوني أن طبَّعت بفتواك مع بني إسرائيل، ولم ترقب آيات الله تعالى في حفظ المسجد الأقصى وفلسطين.
سابعا: أما قضية “الإشراف الإداري” على أطروحة الريسوني التي يمتن به عليه، فالحق أنها لم تكن بطلب من الريسوني، وإنما كان ذلك بطلب ومبادرة من فاروق، خشية أن يفوز به غيره.. ولذلك لما طبعت الأطروحة (نظرية التقريب والتغليب) طبعت خالية من تقديم فاروق لها، كما فعل مع أستاذنا الروكي، هل قُدّم تقرير فاروق إلى الريسوني ليجعله تقديما لأطروحته حين عزم طباعتها فرفض فعل ذلك أم ماذا حصل؟ فهذا يحتاج إلى جواب، وجوابه وغيره مما سكت عنه أستاذنا الريسوني ولم يبده، فهو موكول إليه، وإن كانت ذبذبات أمواج ذلك قد ترددت على أذني من غيره.
ثامنا: قال المرجفون: “وقد سمعنا غير ما مرة شهادة حق كان أستاذنا فاروق يوصينا أن نحفظها عنه: أن الشيخ محمد بن زايد لا يحتاج لمثل إهداءاته أو كتابات أحد وهو رجل الدولة العالمي من الطراز الرفيع في فكره النيِّر وحكمته وأخلاقه السمحة ورؤيته المستقبلية البعيدة وحبه لوطنه وعمله الدؤوب لرفعته، ونبل تعامله مع كل من رآه أو اقترب منه أو جالسه، وأنه استفاد منه سعة الفكر وبعد النظر وعلو الهمة، وهذه الأمور في الحقيقة هي التي تبني الدول والحضارات، وليس بالرعونة والفكر الصبياني وتتبع عورات الناس والاشتغال بهم، وقد أحل الشيخ محمد بن زايد حفظه الله شيخنا فاروق حمادة وأمثاله محل التكريم والاحترام والرعاية، أفينكر عليه الريسوني صفة الوفاء ويعدها كفراً؟؟ فلو قرأ كتب الإسلام لوجد كثيراً منها ومقدماتها تسطع بالوفاء والشكران من كاتبيها لمن كان سبباً في إنجازها ولمن هيأ لهم أسباب العلم والمعرفة”
نعم كان يحفظكم ترانيم الكذب، ويعلمكم النفاق. من شر البلايا ما يضحك، من يصدق هذا الهراء والكذب والألقاب الممنوحة للمجرمين والسفاكين للدماء، المخربين للاوطان، كأن العالم لا يعرفهم. فهذه قطعا عند العقلاء ليست من الوفاء، وإنما ذلك من النفاق والتملق. ثم أسأل هؤلاء المجاهيل الذين يحفظون ترانيم الولاء للطغاة، لماذا صاحبكم وهو الذي عاش في المغرب ودرس به، ومن عليه بالجنسية في وقت مبكر، وصار إلى ما صار إليه، لم نسمع له ولو كلمة شكر في حق النظام المغربي، مثل ما فعل مع الإمارات، من أولى بذلك؟ وإن كنت أنا لا أحبذ ذلك، ليس من ديني وخلقي أن أمدح الحكام ولا أدعو إلى ذلك، ولكن إذا فعلوا خيرا دعونا لهم في السر.
تاسعا: طعن المجاهيل في أستاذنا أحمد الريسوني في كونه له انتماء جماعي وحزبي وسياسي. نعم فالرجل لا ينكر انتماءه للحركة الإسلامية (حركة التوحيد والإصلاح) وقد كان رئيسا لها سابقا، كما أنه يهتم بقضايا أمته الشرعية والسياسية، فهو واضح جدا، لاسيما اليوم وهو على أعلى هيئة علمائية في العالم (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين). ومع ذلك لم يمنعه انتماؤه من قول الحق وتوجيه النقد لمن ينتمي إليهم، مرات كثيرة، ومقالاته موجودة. وجه النقد للحركة الإسلامية في الداخل أي من داخل صفه وانتمائه. وفي الخارج من خلال نقده لحركة “الإخوان المسلمون” وللحركة الجهادية حماس، ولغيرهما، بل أكثر من هذا كان حفظه من الرافضين لحمل السلاح في وجه الأنظمة الدكتاتوية، وعلى رأسها نظام بشار الأسد، لما يدرك من حمل السلاح من مزالق وخطورة على البلاد والعباد، ونصح بذلك بعض السوريين.
وفي الوقت ذاته كان يؤيد المظاهرات السلمية التي يعبر فيها الناس عن حقوقهم، أليس هذا منتهى الوضوح، لكن بالمقابل على طريقة فيصل القاسم متى كان الأستاذ فاروق بعيدا عن الانتماء الذي بدأه في سوريا زمن مصطفى السباعي رحمه الله، ثم أليس تأييده لنظام الإمارات بتلميع صورته، والمبالغة في مدحه وإطرائه، وإضفاء جميع “الفضائل” عليه انتماء سياسيا أو على الأقل اختيارا سياسيا؟ أليست محاضرات فاروق تدخل ضمن الأجندة الإماراتية ونصرة لمواقفها السياسية من المد الإسلامي (انظر محاضرة مفهوم الخلافة: جدلية النموذج بين الماضي والحاضر..من رؤى السراب) التي حاد فيها عن جادة الحق، وضمنها أباطيل، ولم يستطع أن يتحدث عن مرجعية التيار التكفيري والجهادي التي تعبر عنها الفتاوي النجدية وشيوخ السلاطين؟ ولكنه ألصق جذورها وأصلها بالشهيد حسن البنا. ومع الأسف اختيار الأستاذ فاروق المال والجاه والسلطة على حساب الدين وثوابت الأمة. اختيار بكلمة موجزة: للفساد والاستبداد وخراب البلدان وقتل العباد.
عاشرا: ذهب المجاهيل إلى أن قضية التطبيع التي أفاضت الكأس، بناء على طاعة وصلاحية ولي الأمر المطلقة، كما دندن حولها أستاذنا فاروق مرات عديدة في بعض محاضراته، مما اختلف فيها العلماء فلماذا التركيز على فاروق دون غيره؟
إن مناصرة التطبيع وحشر الأدلة المزيفة حوله، ولي النصوص والاستنكاف عن الطرق الصحيحة للاستدلال بها، إرضاء للحكام الظلمة والفسقة، كل هذا موجب للطعن في من وقع في ذلك، ومن ذلك محاضرة الدكتور فاروق حمادة عن (قيم السلم ودورها في استقرار المجتمعات)، فهي دعوة مردودة، وادعاءات ممقوتة، واستدلالات باطلة. فالتطبيع حرام شرعا ومرفوض عقلا، فهل لكم عقول تفكرون بها أم أنكم تركتموها عند أسيادكم.
وهل صلاحية ولي الأمر المطلقة كما يزعم فاروق مما تدعو إليه الشريعة؟ ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير الصحابة رضي الله عنهم، امتثالا لقول الله تعالى: “وشاورهم في الأمر.” أليست هذه الطاعة العمياء مما يوطن للفساد والاستبداد؟.
إن ثوابت الأمة لا تنازل عنها، ولا يحق لأي حاكم أن يساوم فيها، أو يضيعها ويفرط فيها، ويحرم في حق العالم أن يفتي بجواز ذلك، وعلى رأس القضايا اليوم قضية فلسطين كلها والمسجد الأقصى، وهذا عليه العلماء جميعا منذ زمان، إذ قالوا بحرمة التفريط في شبر من أرض المسلمين؟
فالتطبيع حرام وخيانة عظمى وجريمة لا تغتفر، فهل يغيب عن الدكتور فاروق هذا الأمر أم أن حبه لحكام الإمارات أعماه عن إدراك شرع الله وثوابت الأمة.
همسة لا بد منها: على أستاذنا فاروق أن يتوب إلى الله تعالى، لاسيما أنه تقدمت به السنون، ولا يدري متى الرحيل، وقد يكون قريبا، فلا تلقى الله تعالى وأنت في هذه الحال، سينقضي الجاه، وتنتهي السلطة، ويفنى المال، ولا يبقى إلا وجه ربنا الكريم، فلنعد للرحيل الزاد، وخير الزاد التقوى، ومن التقوى عدم الركون إلى الظالمين والمجرمين، قال الله تعالى: “ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون.”
ونسأل الله لنا جميعا العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. والحمد لله رب العالمين.
كلمات في حق شيخنا الدكتور العلامة أحمد الريسوني حفظه الله
شيخنا الريسوني حاز الشرف من جهات ثلاث:
الأولى: شرف النسب إذ نسبه يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهو بذلك شريف النسب، وما أجملها وأعظمها أن يتصل المرء بالنبي صلى الله عليه وسلم من جهة النسب، وأن يتصف به ويتخلق بأخلاقه ويتبع هديه ويستن بسنته، لأن من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه. فهو شريف الاتصال وشريف الاتصاف.
الثانية: شرف النفس، فهو نفيس المعدن، فمن عاشره واقترب منه إلا وأحس أنه أمام رجل عفيف زاهد، جعل الدنيا وراء ظهره، والآخرة نصب عينيه، وعالم تقي، وقاف عند حدود الله تعالى، لا تلين له عريكة. وعزة النفس وشرفها وإباؤها تصنع العالم الرباني الذي ينال ثقة الجميع، واحترام الجميع. لأجل ذلك كانت له مواقف جليلة نطق فيها بالحق، وانحاز فيها للعدل، ولم يلتفت فيها لا للمقربين ولا لغيرهم، فقد جعل الإنصاف ديدنه ووجهته.
الثالثة: شرف العلم الذي ينتسب إليه، وهو شرف علم المقاصد، الذي هو سر الدين، وغاية شرع رب العالمين. فقد بلغ فيه أستاذنا وشيخنا أحمد الريسوني حفظه الله مبلغا عظيما، وقطع فيه مسافات بعيدة، وغاص في أعماقه، فاستخرج درره وكنوزه، وكشف عن لآلئه ومروجه. فقد عرفت شيخنا عالما مسكونا بالمقاصد، بحيث تهيمن على أقوله وأعماله، فهو لا يفكر إلا بالمقاصد، ولا يعمل إلا بالمقاصد، ولا يتحرك إلا بالمقاصد. فالمقاصد مشكاته، والمقاصد بوصلته وقبلته. بها يزن وعلى ضوئها يحكم.
فهذه الجهات الثلاث جعلت من شيخنا أن يكون رجل المواقف وعالم المقاصد بحق، لا يماري في ذلك أحد، إلا من غمط الرجل حقه، وانتقص الشيخ قدره، ومثل هذا لا يصدر عن العلماء، وإنما هو ديدن السفهاء. والله المستعان. فنسأل الله تعالى أن يمد في عمر شيخنا وينفع به، ويفيض علينا من بركات علمه ودعائه، آمين.