أمة الجسد الواحد الممزقة ووهم النصرة

09 فبراير 2024 22:14
فيديو.. العنف ضد المرأة.. رؤية شرعية ومقاربة اجتماعية - د. أحمد اللويزة

هوية بريس – د.أحمد اللويزة

دعوة الأنبياء المبلغين عن الله هي دعوة توحيد لله، وتوحيد الأمة على توحيد الله، وجعلها أمة جسدية، أمة مجتمع تطغى فيه قيم المحبة والإيثار والإحسان، لا قيم الأنانية والفردانية، وعندما تغيب عقيدة التوحيد الخالص الحق الموجه لبوصلة أفراد الأمة تغيب معاني الأمة لتحل محلها معاني الشخصانية والتمركز حول الذات، ومنطق (نفسي ومن بعدي الطوفان).

ما يعيشه إخواننا في العقيدة في فلسطين منذ عقود واليوم بشكل أشد، هو وضع عاشته شعوب مسلمة في دول مختلفة في هذا العالم الذي يتغنى بالإنسانية وحقوق الانسان، لكن المؤكد أنها لا تنطبق على هذا الانسان الذي ينتمي إلى أمة الإسلام.

هذه الأمة التي عمل (الاستعمار) على تفريقها وشرذمتها وخلق العداوات بينها، ووضع المتفجرات في ثناياها والمفخخات في طريقها حيث تتطاير أشلاء الانتماء الديني والعقدي لأبسط المهيجات والمثيرات. فأصبحت ممزقة متناحرة، لا على مستوى الشعوب والبلدان فحسب، بل حتى على مستوى البلد الواحد، بل والمدينة الواحدة والحي الواحد والزقاق الواحد…، وسكنت قلوبهم قيم الانانية المفرطة، بسبب الإفراط في طاغوت الحرية التي استوردوها من قيم الغرب التائه المؤله للإنسان، الذي يعيش لذاته ونزواته دون مراعاة لمشاعر الآخرين سواء كانوا أسرة أو عائلة أو قبيلة أو بلدة أو شعبا أو أمة، لا يهمه إلا أن يعيش لذاته.

وهي نفس القيم التي صار يتربى عليها المسلمون اليوم ويتوارثونها أفكارا ومقولات وممارسة، عنوانها (عيش ولا يهمك أحد) و(تفوتني وتج فين ما بغات) و( كل شاة تعلق من كراعها)… وغيرها كثير مما لا داعي لسرده إذا ظهر المعنى، هذا المعنى الذي اختفت معه معاني التلاحم والتضامن والتقاسم لكل الممتلكات والمشاعر تحت عنوان (ندير راسي وسط الرؤوس ونعيط أقطاع الرؤوس) مما أصبح قصصا وحكايات تروى ولا ترى، وتحكى ولا تحاكى.

ان الوضعية الراهنة التي يعيشها إخواننا في فلسطين لهي امتحان صعب وخطير يمحص ويميز بين الحقيقة والادعاء في موضوع الهم المشترك والتضامن الإيماني، والتضحية العقدية والايثار الأخوي، ففي الوقت الذي يباد فيه شعب فلسطين وبعد أن هدأت موجه الحماس، تأتي التظاهرة الرياضية التي صرفت الوجوه والقلوب عن أولى القبلتين، ومحرقة غزة وإجرام بني صهيون، وهدأت الأوضاع وعم في الآفاق صمم وصد، ولم يعد هناك صراخ إلا تبعا لتطاير كرة تتقاذفها الأرجل وتتعالى عندها الرؤوس، وتتابعها رؤوس فارغة وأرجل لا تقوى على الصمود في مواجهة محن الامة وعدوان الطغاة بصدق وعزيمة تقطع مع العبث واللهو واللعب حتى يرفع الله الغمة عن الامة.

كيف يطيب لهذه الشعوب المسلمة من المحيط إلى المحيط أن تولي وجوهها نحو هذه الجلدة المنفوخة، وتضرب صفحا وتطوي كشحا عن الواقع المر الأمَرّ الذي ترزح تحته الأمة الفلسطينية، وزد عليها إخوتنا في السودان وقبلهم وإلى الآن إخواننا في سوريا والإيغور وبورما وهلم جرا، وقبلهم في البوسنة والهرسك حيث الإبادة والاغتصاب، والتهجير…

لتعاد الكَرّة بعد الكرة والأمة هائمة على وجهه تستمتع بالكرة ، والمهرجات والليالي الحمراء والمراقص وغير ذلك مما يدل على أن أمة التوحيد ضاع توحيدها فضاعت وحدتها، وأصبحت كرامتها أهون من الجعلان، في كل مرة تنتهك حرمة شعب يتفرج عليه بقية الشعوب أو ينشغلون عنه بتفاهات الحياة،  والحبل على الجرار حتى يأتي دور البقية لا قدر الله.

أتحدث عن سواد الأمة وليس عن بعضها الذي لا زال يقض مضجعه واقع الامة عامة وحال إخواننا في فلسطين والشعوب المسلمة المنكوبة، ولكن أتحدث عن سواد أعظم، أفضلهم من يعيش الوهم، شعوب أنتجتها سياسة القطيع يصرخون احتفالا بانتصارات تافهة لا تزيدنا إلا هوانا.. ثم يحملون الأعلام والشعارات.

اتركوا عنكم الكوفية والراية الفلسطينية، فالقضية الفلسطينية عقدية توحيدية إيمانية لا نصيب فيها لأهل التفاهة والعبث، المفروض لو كنا أمة الجسد لفارقت البسمة وجوهنا ونحن نرى إخوة لنا في الدين والعقيدة يبادون ويشردون ويجوعون ويعطشون أما عالم متواطئ.. ثم يأتي أحدهم يرقص أو إحداهن تغني أغاني الحماسة وأخرون ممن يحمل الراية أو يلتحف بالكوفية ويظن أنه يناصر القضية… كلا ورب الكعبة ما هذا إلا خذلان.

وإليكم عبرة من واقعة رجل يعيش فعلا قضايا الأمة في زمنه وهو نور الدين زنكي رحمه الله صاحب المقولة الشهيرة حين بلغه محاصرة الفرنجة لدمياط بمصر: «إِنِّي لأستحيي من الله تعالى أن يراني مُتَبَسِّمًا والمسلمون ‌محاصرون ‌بالفرنج». «الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية» (2/ 143).

فمتى ترجع إلى الأمة هيبتها، ووحدتها وهي تمزقها لعبة تافهة ما وضعت إلا تنشر التفاهة وتحقق رغبة التحكم من لدن الأعداء، ولتزرع بذور التفرقة وتوقد نار الأحقاد والضغائن بين شعبين مسلمين من أجل فوز تافه أو خسارة لا معنى لها. إلا الدلالة على الحماقة والتفاهة التي سكنت عقول كثير من المسلمين للأسف حين تخلت عن هَم التوحيد وهَم الأمة.

إنه لن يجمع هذه الأمة على العزة والكرامة إلا دين الله الذي ما جاء إلا لهذا الغرض وهذا المقصد، قال تعالى (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، نعم بتحقق التوحيد الخالص وهو تمام العبودية لله طاعة وانقيادا لأمره وشرعه، حينها يمنّ الكريم باجتماع الأمة المشتتة على قلب رجل واحد وحينها لن يحتقرها عدو ولن يهينها حقير، ولن تعيش ما تعيشه اليوم لأنها أمة اختلاف ونزاع وعبث نتيجة مخالفة قول الحق سبحانه (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).

فأنى لها قوة الوحدة وحدة الكلمة وعزة النفس وسلامة النفسية، وكل ذلك منة من الله لا تكون إلا لأهل التوحيد والطاعة الخالصة المطلقة، قال سبحانه مخاطبا أولئك الذين دانوا له بالتوحيد الخالص والطاعة التامة والاستقامة الحقة؛ صحابة رسوله الكريم (واذكروا اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)، حينها لن تقف أمة من الأمم ولا قوة من القوى إما جيل التوحيد وتوحيد الكلمة، ولنا في ذلك عبرة لمن يعتبر طبعا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M