أين الثروة؟! .. المجلس الأعلى للحسابات يرصد اختلالات برنامج التهم 3200 مليار
هوية بريس – متابعات
أفضى الافتحاص التقني والمالي الذي أجراه المجلس الأعلى للحسابات حول برنامج “مدن بدون صفيح”، إلى إعلان فشل هذا المشروع الحكومي الذي تم إطلاقه عام 2004 بغلاف مالي بلغ 3200 مليار درهم، للقضاء على “البراريك” في أزيد من 70 مدينة مغربية.
وسجل المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي برسم سنتي 2019 و2020، أن الهدف المعلن لهذا البرنامج هو معالجة ملفات 270 ألف أسرة قاطنة بمختلف مدن الصفيح في 70 مدينة ومركز حضري، لكن العدد تزايد ليصل إلى أكثر من 450 ألف أسرة، أي بزيادة 75 في المائة مقارنة بالهدف الأولي، وبمتوسط زيادة سنوي يزيد عن 10.669 أسرة.
وضمن تقييمهم لهذا البرنامج الوطني، رصد قضاة المجلس أنه على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت والتي مكنت من معالجة 280 ألف أسرة بين عامي 2004 و2018، ما يزال البرنامج يواجه صعوبة في المضي بالسرعة المطلوبة لتحقيق هدف وجوده والتمكن من القضاء النهائي على أحياء الصفيح، لكون الظاهرة “راسخة ويصعب استئصالها”.
وفي طليعة المشاكل والصعوبات التي تحدث عنها التقرير المرفوع إلى أنظار الملك، تلك المرتبطة بالبناء الذاتي لبقع إعادة الإيواء، إذ سجل المحققون أن العديد من المستفيدين قاموا ببناء البقع الممنوحة لهم، إما بتعبئة أموالهم الخاصة في سياق البناء الذاتي، أو باللجوء إلى ممارسة الارتباط مع شخص آخر، من خلال إبرام ما يسمى “عقود” الجمعية. وتشكل هاتان الوسيلتان 72.2 في المائة من الطرق الأكثر اعتمادا في بناء البقع المخصصة للمستفيدين لإعادة الإيواء. ومع ذلك، فإن فئة كبيرة من المستفيدين الذين هم في حالة هشاشة اجتماعية، تواجه صعوبات في تثمين البقع لافتقارها إلى الوسائل والمساعدات، كما يصعب الحصول على التمويل البنكي، بسبب عسر بعض المستفيدين، والتردد في بعض الأحيان في اللجوء إلى القروض البنكية، بسبب عدم توفر شواهد ملكية الأراضي وعدم فعالية تدابير التمويل.
كذلك، توقف المحققون عند وجود ثغرات في تدبير مرحلة ما بعد الترحيل، إضافة إلى اختلالات في آلية إبرام عقود المدينة، حيث نصت خطة تنفيذ برنامج “مدن بدون صفيح” على إعداد برامج محلية سنة 2005 تمكن من جهة، وضع رؤية كفيلة بضبط، ومن جهة أخرى، جعل عملية البرمجة أكثر دقة حسب المدن. وكان من المفترض أن تتوفر 60 تنفيذ مقتضيات عقود المدينة هاته البرامج المحلية على مجموعة من المعطيات الضرورية، غير أنه لم يتم إعداد البرامج المحلية لبرنامج “مدن بدون صفيح”، ولا تتوفر الجهات الفاعلة على المستوى المركزي والمحلي، على وثيقة تصف، حسب المدينة، الإجراءات والتدابير الرئيسية التي تم اتخاذها أو التي سيتم اتخاذها لإبرام أو/ وتنفيذ بنود عقد المدينة.
وفي غياب هذه البرامج المحلية، يقول التقرير، لم يكن إعداد عقود المدن يتبع دائما نهجا دقيقا، سيما من حيث ضبط المعطيات الأساسية، والقيام بالدراسات والتحقيقات القبلية وكذا التنسيق مع الفاعلين المحليين والساكنة المعنية بهذه البرامج.
كما لوحظ أن معظم عقود المدينة واتفاقيات التمويل، لم تسبقها دراسات تشخيصية حول البيئة البشرية والاقتصادية للساكنة المعنية، بل تم الاستناد إلى تقديرات سطحية مؤقتة للمستفيدين من البرنامج وليس إلى إحصاء رسمي وفقا لتوصيات خطة تنفيذ البرنامج. وهكذا، فقد أدى عدم ضبط اللوائح التقديرية للمستفيدين إلى زيادة مستمرة في عدد الأسر، حيث ارتفع من 338.519 إلى 472.723 أسرة في سنة 2018، أي بزيادة 40 في المائة مقارنة مع عدد الأسر الأولي.
يضاف إلى ذلك، صعوبات في مختلف أشكال إدارة المشروع وعدم وضوح المسؤولية المشتركة للفاعلين، ونقائص في ضبط الدعم المقدم من طرف صندوق التضامن للسكن والاندماج الحضري، وتضاربا بين تكلفة البقع الأرضية المخصصة لإعادة الإيواء وثمن بيعها، ونقائص على مستوى التدبير المالي للعمليات، إذ تم تصميم التركيبات التقنية والمالية للعمليات بحيث تغطي موارد التمويل جميع النفقات وتكون العمليات متوازنة، لكن التركيبة المالية لبعض العمليات تختلف بشكل واضح عن التصميمات المالية الأولية. وقد أوضح تحليل المعطيات المالية للعمليات المنجزة أن 46% من العمليات، أي حوالي 74 من إجمالي 162 عملية، أظهرت عجزا مقارنة مع 45% من العمليات أظهرت فائضا في أرصدتها المالية.
من شأن هذا الوضع، يؤكد التقرير، أن يثير التساؤل حول جدوى التركيبة المالية للعمليات والتي أثبتت في معظم الحلات، أنها تستند إلى معايير غير مبنية على أسس سليمة، كتكاليف الاستثمار، وقدرة الأسر على المساهمة المالية ووضعية سوق العقارات والإقبال على منتوجات الموازنة، ما نجم عنه مجموعة من المشاكل كسوء تقدير عائدات الموازنة وتجاوز التكاليف المتوقعة.
ولمعالجة هذه النقائص، أوصى المجلس الأعلى للحسابات، بضبط عدد المستفيدين مع تحديد معايير أهلية موحدة وقاعدة بيانات موثوقة، ووضع مخطط تمويل واقعي والحرص على احترامه، وتصفية العقار وعقلنة استغلاله، واحترام آجال تنفيذ العمليات، مع تنسيق أفضل وشامل، واعتماد مقاربة متكاملة للتنمية البشرية تتجاوز هدف “الإسكان” لتشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في مواقع الاستقبال الجديدة، من خلال توفير أنشطة مدرة للدخل (كالتجارة، ومناطق النشاط الصناعي …)، والتوفير المبكر قدر الإمكان للخدمات العامة الأساسية في الأحياء الجديدة، لا سيما التعليم والصحة والنقل والأمن.
كما حث المجلس على التعامل بقدر أكبر من الصرامة مع مكافحة ظاهرة انتشار أحياء السكن العشوائي، عن طريق تعزيز آليات المراقبة والردع، سيما من الناحية القانونية والتكنولوجية، والتواصل المناسب لترويج مختلف عروض الدعم العمومي لمحاربة السكن العشوائي، وبالتالي وضع حد للانطباع السائد والذي يوحي بأن الاستفادة من المساعدة العمومية حق مضمون لكل قاطن بالسكن العشوائي.