أيها الحداثيون كونوا صرحاء
هوية بريس – مصطفى الجراري
الملاحظ في الفترة الأخيرة ببلدنا، ارتفاع عقيرة الحداثيين بالطعن في السنة مصدر المسلمين التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، وبالمطالبة بإسقاط جملة من الأحكام الفقهية المقررة في الزواج والطلاق والإرث والشهادة والولاية… وبالتحريض على الخنا والزنا، والتبريز في الإعلام الرسمي، لبعض الفاسقين، بل والدفاع عن فحشهم وتفحشهم.
إن هؤلاء الحداثيين يسعون بأعمالهم هذه إلى سلخ الناس عن دينهم، وصدق الله العظيم إذ يقول: (ويريدون أن تضلوا السبيل، والله أعلم بأعدائكم، وكفى بالله وليا، وكفى بالله نصيرا) النساء– 44.
وإن هذا الهجوم الخطير على الدين والأخلاق والتراث، لا يمكن فصله البتة عن مشروع التطبيع الرسمي مع الصهاينة في الفترة الأخيرة.
فٱستقواء هؤلاء الحداثيين بمن غضب الله عليهم، جلي لذي عينين، فإن ما كان أمسِ في الظلام من علاقات، خرج اليوم إلى الضوء، بل اتسعت دائرته أفقيا وعموديا. قال تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين) المائدة– 53.
إن كل هذا الزيغ يرتكبه هؤلاء الناس بذرائع خداعة، ويُمْهَر بشعارات لماعة، قال سبحانه:(وإن يقولوا تسمع لقولهم)، من قبيل:
–ذريعة محاربة الأسطورة والخرافة في التراث الإسلامي.
–وشعار محاربة الذكورية في الفقه.
–ومقولة رفع وصاية الإسلام السياسي على تدين المغاربة.
–ولافتة الحرية والعلاقات الرضائية.
–وراية البحث العلمي في التراث، داخل مؤسسة التعليم العالي.
وغير ذلك من حلو الكلام ولحن القول، وصدق الله العظيم إذ يقول (ولتعرفنهم في لحن القول) محمد– 31.
أي في مذهب القول ومنحاه ومقصده، وهذا كما يقول لك إنسان قولا معتقدا له، وتفهم أنت من مقاطع كلامه وهيئته وقرائن أمره أنه على خلاف ما يقول.(تفسير ابن عطية).
وما أشد مطابقة حال هؤلاء الحداثيين لما أخبر به سيد البرية، في أحاديث كثيرة، منها: “إن بين يدي الساعة كذابين فٱحذروهم” رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة، والطبراني بسند صحيح من حديث النعمان بن بشير.
والغريب أن طعنَ هؤلاء القوم في الحديث، وطلبَ التشطبيب على تلك الأحكام، وبينَهم وبين علمي الفقه وأصوله وكذا علم الحديث وباقي علوم الشريعة بُعد السماء عن الأرض.
ولله در من قال: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب.
فهم ينتسبون إلى تخصصات الأدب أو التاريخ أو القانون أو الاجتماع أو السياسة.. بل إن بعضهم أغمار لا يعرف لهم تخصص علمي معين، قذف بهم إلى السطح إعلام معروف بعض مسؤوليه بٱرتباطاتهم المشبوهة.
فإن تكلموا في تخصصاتهم قبلنا منهم ذلك، أما أن يسطوا على تخصصات غيرهم فلا نسلم لهم، قال تعالى: (هآنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون) آل عمران–65.
وأما إن أبدى المتدينون رأيهم أو نصفه أو ربعه في بعض القضايا الوطنية أو دافعوا عن السنة أو الفقه أو الأخلاق، لوجدت هؤلاء الحداثيين يُهرعون إلى ألقاب جاهزة، ينبزون بها هؤلاء الغيورين على دينهم، ومثال ذلك: لقب الغوغائيين والشعبويين والأوصياء على الدين.. وغيرها من صنوف الاتهامات وألوان السباب التي أصبحت عندهم (كالماركات المسجلة).
فما هذا الكيل بمكيالين أيها الحداثيون!!؟
أيها الحداثيون كونوا صرحاء، وتحلوا بالشجاعة، والجرأة الكافية، وكفى اختباء وخداعا، (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون)البقرة –8
فلتقولوا:
–نريد المغرب دستوريا وواقعا، دولة دينها العلمانية لا الإسلام.
–نريد مدونة للأحوال الشخصية وضعيةً، لا علاقة لها البتة، بالفقه المالكي أو أي مذهب فقهي آخر.
–نريد إشاعة الزنا واللواط.
–نريد إسقاط القرآن والسنة لأنهما منبعا الظلام والإرهاب.
–نريد العودة بالمغرب إلى ذاته -كما قال أحد المتطرفين الأمازيغ في قناة رسمية- أي أصوله الأمازيغية واليهودية، والانعتاق من الأصول الإسلامية والعربية الغازية.
لتقولوا هذا وغيره دون مواربة، فلقد خلا لكم الجو فبيضوا واصفروا.
وكفى من التستر وراء تروس البحث العلمي والحرية والمدنية وإنصاف المرأة.. فهذه وغيرها تروس شفافة وسُتُرٌ رقيقة، تعري مراميكم الحقيقية، وتفضح خبث معتقداتكم.
فأنتم لا يروق لكم أن يعيش هذا البلد في ظل الإسلام، وأن تسعد المرأة والرجل بتشريعاته الإلاهية وقوانينه الربانية.
وقد غركم اليوم، حال البلد وأهله، فٱعتقدتم أن الفرصة مواتية لسلخ الناس عن دينهم وتاريخهم، لكن هيهات هيهات، فلقد نسيتم أنهم تشربوا الإسلام وٱصطبغوا به على مدى أربعة عشر قرنا. قال تعالى: (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة). وقد أحسن الأعشى لما قال:
يا ناطح الجبل العالي ليكلِمه// أشفق على الرأس لا على الجبل
إن مثلَ هؤلاء الحداثيين مثلُ المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين فضح الله تعالى سريرتهم، ووبخهم على سوء أفعالهم، وبين نوع وموطن الداء فيهم.
وصدق الله العظيم، إذ يقول: (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم) البقرة — 117.
فمتى قيل لهم إن مقولاتكم الشيطانية إفساد في الأرض، قالوا إنما نحن مصلحون(ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).
ومتى نُصحوا استكبروا ولووا رؤوسهم، وقالوا كيف نُنصح من السفهاء (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون).
ومتى قيل لهم: إياكم وتحليل الحرام وتحريم الحلال، فذلك هتك لحرمات الدين، وتعد على حدود الله(ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه)الطلاق _ 1
قالوا: إنما نحن مؤمنون، تسترا منهم وتخفيا ليصدوا عن سبيل الله( إنهم ساء ما كانوا يعملون).
فهذه بعض صور التطابق بين هذه الشرذمة الحداثية والمنافقين في كتاب الله تعالى.
بل إن الحافظ أحمد بن الصديق اعتبر أن صفات المنافقين المذكورة في بداية سورة البقرة، لم تنزل فيهم كما زعم المفسرون، وإنما نزلت في هؤلاء العصريين الكذبة، على حد تعبيره. وقد بين هذا من وجوه تزيد على العشرين في كتابه “بيان غربة الدين بواسطة العصريين المفسدين”.
وفي ختام هذه المقالة، قد يسأل المرء، كيف لزمرة أسماؤها عربية، ولسانها عربي ينطق بالشهادتين، وأصولها مسلمة، وتعيش في بلد مسلم، وتحت سلطان دولة دينها الإسلام… وتقع في هذا الزيغ كله!!؟
لقد أجاب الله عزوجل، في كتابه عن هذا السؤال بقوله سبحانه: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا)، فمن كان حاله الفساد والإفساد، والفحش والتفحش، والإنكار والنكير.. فقلبه مريض بل يزيده الله مرضا على مرض، حتى يصير طافحا بالعلل كالضغائن والحسد، والقسوة والخوف، والعجب والتكذيب والشك، ونشر الإشاعات وإثارة النعرات… وغيرها من ألوان العَماية القلبية المذكورة في القرآن الكريم.
لذلك لا تجد هذه الطائفة تهتدي بالقرآن الكريم، أو تنتفع بسنة النبي الكريم، أو تلقي السمع للعالم النحرير، أو تستجيب للمصلح الغيور، أو تصغي للناصح الأمين!!؟
وصدق الله العظيم إذ يقول: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يومنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى) فصلت- 43.
نسأل الله سبحانه حال أهل الإيمان، ونعوذ به من حال أهل العَماية، آمين.
والحمد لله رب العالمين.