إسرائيل قامت على خداع العالم بالشعارات والفلسفات والإعلام والأكاذيب

19 يونيو 2025 23:41

هوية بريس – د.إدريس الكنبوري

قليلون في العالم هم أولئك الذين ينظرون في هذه المعركة مع إصرائيل منذ سابع أكتوبر 2023 إلى الجانب الفكري والثقافي، فالجميع غارق في متابعة التطورات العسكرية وبناء تحليلاته وتوقعاته عليها. غير أننا منذ ليلة سابع أكتوبر/ثامن أكتوبر 2023 احترنا الجانب الأول، وتركنا الجانب الثاني لعشاق المباريات.

نحن نرى بأن الصعود اليهودي في العصر الحديث -قبل نشأة إسرائيل بأكثر من قرن- ارتبط أساسا بالتحولات الفكرية والثقافية العميقة التي مست العالم الأوروبي والغرب ثم باقي العالم فيما بعد، فما كان لليهود أن يصعدوا بعد أكثر من 15 قرنا على سقوط مملكتهم لولا تلك التحولات الكبرى التي لعبوا فيها الدور الأكبر والأهم.

أول تلك التحولات الثورة الفرنسية التي لعبوا فيها دورا مهما. رفعت الثورة شعارا مثلثا -تقليدا للثالوث المسيحي- هو المساواة والإخاء والحرية. ولأول مرة منذ أكثر من 15 قرنا أصبح الياهود يتمتعون بالمساواة والحرية في فرنسا ثم في أوروبا بعد قرون من الاضطهاد. لأول مرة.

ثاني تلك التحولات خلق مفهوم معاداة السامية أو معاداة اليهود في أوروبا ثم في العالم. بدأ ذلك المفهوم ينتشر مبكرا في القرن التاسع عشر مع نشأة الإيديولوجيا الصهيونية، وليس بعد النازية كما يعتقد الكثيرون.

ثالث التحولات نشوء الدول القومية في أوروبا، وانتشار فكرة أن كل عرق يجب أن تكون له دولة.

رابع التحولات خلق مفهوم القيم الياهودية-المسيحية في الغرب من طرفهم لإعادة التصالح مع النصارى بعد قرون من الاضطهاد على أيديهم.

خامس تلك التحولات قرار الفاتيكان عام 1965 بتبرئة الياهودية من جريمة قتل المسيح.

هذه التحولات المهمة في العالم في العصر الحديث غيرت نظرة الشعوب إلى اليهود تغييرا جذريا غير مسبوق في التاريخ كله منذ الإمبراطورية الرومانية. قلت: منذ الإمبراطورية الرومانية.

مهدت تلك التحولات لمساعدة الغرب على إنشاء إسرائيل في فلسطين، وانتشار التعاطف مع اليهود في أوروبا وأمريكا، وتجذّر فكرة اضطهاد اليهود التي أصبحت فكرة مقدسة عند الشعوب الغربية.

باختصار شديد، صعود اليهود في العصر الحديث راجع إلى انقلابات فكرية حصلت فيه، وهذه الانقلابات الفكرية هي الأساس أو العمود الذي قامت عليه دولة إسرائيل.

اليوم هناك انقلابات جديدة، سقطت فكرة الاضطهاد وبدأت تحل محلها فكرة أن اليهود هم الذين يضطهدون الفلسطينيين.

وسقط شعار الهولوكوست الذي تعرضوا له وحل محله الهولوكست الذي يعرضون هم الفلسطينيين له. وسقطت فكرة المساواة والإخاء بعد أن ظهروا بأنهم لا يتعاملون مع الآخرين بنفس الشعارات وإنما يريدون الاستفادة منها فقط (لنلاحظ كيف انقلب الإسرائيليون خلال ثماني وأربعين ساعة على جميع دعاياتهم في حربهم مع المقاوومة الفلسطينية، وكيف أصبح استهداف إيران للمباني المدنية جريمة، وقتل الأطفال جريمة، وضرب المستشفيات جريمة، وترهيب السكان جريمة، وضرب المدنيين جريمة… إلخ، وقد كانوا قبل ساعات من القصف الإيراني يقومون بنفس الأفغال).

لذلك فإن إسرائيل اليوم حتى لو انتصرت عسكريا فقد سقطت صورتها التقليدية في العالم كله، فلم يشهد العالم هذه الكراهية التي عادت إلى الناس تجاههم، الناس من كل دين وثقافة، خصوصا في أمريكا وأوروبا، فالعمود الذي قامت عليه إصرائيل، وهو عامود التحولات الفكرية والثقافية في العصر الحديث، بدأ يتهاوى، والخلاصة أن سقوط الأفكار التي ساعدت على قيام إصرائيل سوف يساعد على سقوطها.

إسرائيل قامت على خداع العالم، بالشعارات والفلسفات والإعلام والأكاذيب، ولكن الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن قال: تستطيع أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت، وتستطيع أن تخدع كل الناس لبعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.
“You can fool some of the people all of the time, and all of the people some of the time, but you can not fool all of the people all of the time.”

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
11°
19°
أحد
19°
الإثنين
20°
الثلاثاء
19°
الأربعاء

كاريكاتير

حديث الصورة