إشكالية الركوع المغربي: مشكل بروتوكول.. أم هي أزمة عمود فقري؟
هوية بريس- ذ.أحمد ويحمان
*كلمات*
.. إلى كل المغاربة
*إشكالية الركوع المغربي*
مشكل بروتوكول.. أم هي أزمة عمود فقري ؟
أثار ركوع رئيس الحكومة *عزيز أخنوش* اليوم أمام ولي عهد المملكة السعودية *محمد بن سلمان* ضجة كبيرة كانت المادة الرئيسية في وسائل الإعلام الوطنية وعلى كل منصات التواصل الاجتماعي . ثم ما لبث أن انضافت لهذه ” الطامة الكبرى “، على حد تعبير أحد أشهر الإعلاميين، طامة لا تقل *لعنة* بجلوس الراكع تحت *لوغو* خريطة مبتورة منها الصحراء المغربية تحت عنوان وشعار المؤتمر المتوسطي الذي يشارك فيه بالرياض .. لا بل واستكمل فضيحته بتزيين صدره ب *”پينس”* معدني لنفس اللوغو- الخريطة ! ..
نبقى في الركوع ونعود للمصائب الاخرى ومعانيها في كلمات الغد بحول الله .
فما معنى ركوع رئيس الحكومة المغربية، في خنوع، أمام ولي عهد المملكة السعودية في الرياض ؟ وما معنى كل هذه العاصفة وكل هذا السخط اللذين أثارهما سلوك المسؤول الحكومي عند المغاربة ؟ ولماذا شعروا بالمهانة وبكل هذه المرارة التي عبروا عنها بكل ردود الفعل التي عبروا بها عنها ؟
*1- بين البروتوكول والعمود الفقري*
منذ أن قرأت خبر ركوع أخنوش المهين بالرياض زوال اليوم، اندلق في ذاكرتي، دفعة واحدة، نقاش صاخب، ذات يوم، ببيت بن عم الزعيم والبطل الاممي محمد بن عبد الكريم الخطابي ووريث سره في المدرسة الخطابية؛ المرحوم الدكتور *عمر الخطابي*، حيث سمعت لأول مرة ب “نظرية ” العمود الفقري من صاحبها مباشرة؛ مضيفنا، ذلك اليوم، رفقة ثلاثة من الأصدقاء الآخرين منهم وزير سابق بإحدى الحكومات الوطنية بداية الاستقلال .
شرعت أتنقل بين مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات ” المؤثرين” وصفحات عدد من المهتمين و المتابعين للأحداث أستقصي ردود الفعل على هذه ” الشوهة” و”الفضيحة” و” الإهانة التي مابعدها إهانة ” … و … وغيرها من التوصيفات التي قدم وتوبع بها الحدث المقرف .
ومن معالجات الواقعة التي استوقفتني، تعليق الإعلامي *حميد المهداوي* في قناته بديل أنفو . فبعد تقديمه للخبر واعتباره إهانة في حق المغرب والمغاربة بدأ يحلل ويعلق على الحدث انطلاقا من سؤال جوهري انتهى فيه، بعد جهد ولأي، إلى جواب شكلي لا علاقة له بجوهرية وجدية السؤال الذي طرحه، ويطرحه العديد من المتتبعين، خاصة وأنه أتى في برنامجه بعدد من أمثلة وسوابق لمسؤولين سقطوا في نفس شوهة المهانة التي سقط فيها أخنوش اليوم في الرياض .
أما السؤال *الجوهري* الذي يطرحه الكثير من الناس ويستبطنه جل المغاربة، وانطلق منه المهداوي ليدير حوله برنامجه اليوم فهو :
لماذا يصر معظم المسؤولين المغاربة أن يركعوا ويتقوسوا، في مهانة وخصوع، أمام مسؤولي الدول وهم يمثلون المغرب في زيارات رسمية أو عند مشاركتهم كممثلين للمغرب في مؤتمرات وندوات في المحافل الدولية ؟
هذا هو السؤال الجوهري الذي أجاب عليه المهداوي، رغم اعتباره ووصفه بالمهين، بأن المشكل كله يكمن في انعدام التربية، ويعني التكوين في الطقوس أو ما يسمى ب *البروطوكول* .
فهل المشكل في هذه الشوهة، وهذه المصيبة الوطنية المتكررة، هو في عدم التربية على البروطوكول أم، على العكس تماما، في هذه التربية على هذا البروطوكول ؟
إنه السؤال الجوهري الثاني الذي نستولده من السؤال الجوهري الأول .
وهنا نعود إلى *نظرية العمود الفقري* للدكتور عمر الخطابي رحمة الله عليه .
*2- المغاربة أصبحوا رخويات والبروطوكول مهانة جمعية*
كنا يومها في ضيافة المرحوم، نناقش الوضع في المغرب وكان النقاش هو استئناف لنقاش في غذاء رباعي سابق ضم، فضلا عنه وعني كل من الهرمين الوطنيين المرحومين قائد المقاومة وجيش التحرير الفقيد *محمد الفقيه البصري* وعالم المستقبليات المرحوم *المهدي المنجرة* . وكان حضور الغذاء والحلقة الثانية، فضلا عنه و عني، كل من المرحوم محمد الطاهري الجوطي و الطبيب الدكتور جريدي والأستاذ أحمد المرابط متعهما الله بموفور الصحة والعافية .
كان النقاش قد سخن بيننا حول التخلف وتردي الوضع في البلاد وعن الأسباب الذاتية والموضوعية في وصولنا إلى كل هذه المستويات من الانحدار . كما أن اللقاء كان يطغى عليه حينها حدث توقيف الصحفي عبد الرحيم أريري لعدة أيام بسبب إجرائه لحوار مع عضو اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي والكاتب العام للشبيبة الاتحادية وقتها الأستاذ محمد الساسي الذي تناول في أحد ردوده على إحدى الأسئلة قضية البروتوكول وتقبيل يد الملك الذي طلب أن يتوقف .. وكان وقتها أجواء انتقال السلطة من الملك الراحل لخلفه الملك الحالي وبدأ الحديث عن ” العهد الجديد” و ” قلب صفحة الماضي” … الخ .
كان النقاش قد انطلق من هذه الواقعة بحكم حصولها وقتها بجريدة الاتحاد الاشتراكي التي كنت عضوا في هيأة تحريرها وبحكم ما ألاقيه كذلك من تضييقات ستنتهي بالطرد نهائيا من هيأة التحرير .
وأذكر أن الدكتور عمر، رحمه الله، قاطعني، وبانفعاله المعهود عندما يريد أن يوصل ويؤكد على فكرة او مبدإ مهم، وقال بصوت أقرب إلى الصراخ :
– شوف بارك الله فيك آ الشلح .. الأزمة في البلاد ليست لا اقتصادية ولا اجتماعية ولا ثقافية ولا حتى سياسية بالمعنى المبتذل الذي تناقش به السياسة اليوم ..
– وماذا تكون إذن دكتور ؟
– الأزمة في البلاد هي أزمة العمود الفقري !
هنا انفجر الحضور من الضحك، فبادرته مستفسرا بصيغة مازحة، بينما لايزال الثلاثة الآخرين يغالبون ضحكاتهم :
– عهدنا بك أنك طبيب نساء ولست طبيب جراحة العظام كي نقتنع لك بسهولة بهذه النظرية الجديدة في تفسير ظاهرة التخلف .
وهنا بدأ، رحمه الله، يعود للحديث بهدوء المقتنع بما يقول مشددا على كل كلمة في ما سيصبح من قبيل المقولات :
– القصد هنا هو أن *المخزن ( الدولة) جرد المغاربة من عمودهم الفقري فأصبحوا رخويات ! وهذه هي مشكلة المغرب قبل أي شيء آخر .*
ضحكنا وواصلنا نقاشنا، لكنني عندما رجعت من القنيطرة، في طريق عودتي إلى الرباط، عادت إلى ذهني *مقولة* العمود الفقري، التي أصبحت أسميها نظرية، فوجدت أنها تختصر، في سطور قليلة أطروحة الدكتور مصطفى حجازي الذي قارب البعد النفسي لتخلفنا من خلال : *سيكولوجية الإنسان المقهور .*
_*خلاصة القول*_
إن *شوهة* أخنوش في الرياض هي *شوهتنا الجماعية* المرتبطة، أنتروبولوجيا، بطقوس تعود للقرون الوسطى والمستمدة من التاريخ العبودي؛ وهي طقوس تجعلنا أضحوكة في كل المحافل والمؤتمرات التي نحضرها ونعرف بها كلما ذكر المغرب ونصبح بسببها لقمة سائغة لكل من أراد أن يأكل لحمنا شهيا من الخصوم بأي جدال أو سجال حيث لا يكلف نفسه أكثر من عبارة : *حتى أنتم أيها الركع تحاججون ؟!* .. إنها الطقوس التي قال عنها القائد الوطني *محمد بن سعيد آيت إيدر* ، وهو يتحدث عن الركوع وتقبيل اليد، *إنها امتهان لكرامة المواطنين .*
*آخر الكلام*
إن القضية هي في تحويل المغاربة – كما قال الدكتور عمر- إلى رخويات .
إن الركوع لله وحده .. ولا لأحد غيره .. وهو عمق الرسالة المحمدية .. رسالة التوحيد ..
*إنها قضية الكرامة !*
إنه البروطوكول المحلي الضارب في نزع العمود الفقري من نخب البلاد و مسؤوليها .. حتى اذا ذهبوا في مهام رسمية خارج البلاد ينسون أنفسهم و ينكسروا ( “أو كايتطواوا علي جوج ” ، بكل ما تلقوه من تربية الخنوع ) أمام حكام و ملوك الآخرين (حتى أن آخنوش، والحالة هذه، ركع لولي عهد و ليس حتى لملك السعودية..!!) ظنا منهم أنه هكذا “و خلاص” ركعة عادية و تمر الأمور .. و ليس أن في ذلك إهانة لدولتهم المغرب و شعبهم الذي، *للأسف للأسف*، يمثلونه رسميا و إن كانوا لا شعبية و لا عمق وطني لهم في وجدان الشعب، مهما صعدوا، أو بالاحرى مهما تم تصعيدهم، بصناديق انتخابية مبللة مصداقيتها ومثقوبة شرعيتها (وهذه مهزلة عمود فقري أعم وأشمل) …
هذه هي حقيقة وعمق وجوهر ما جرى اليوم في الرياض .
.. *ولله الأمر وإليه المصير .*