إصدار تربوي جديد بخصوص “الاختلاط المدرسي”
هوية بريس – عبد المجيد النحكامي
في أروقة معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي افتتح يوم 24 يناير 2024، عرضت دار النشر المصرية “المكتب العربي للمعارف” إصدارها الجديد لسنة 2024: “ثغرات الاختلاط المدرسي“، لعالم الاجتماع الفرنسي “ميشيل فيز”، ترجمة المغربي “عبد المجيد النحكامي”. ويمكن اعتبار هذا الإصدار إضافة نوعية في الحقل التربوي العربي عموما، و المغربي خصوصا، لخصوصية و حساسية الموضوع الذي يتطرق إليه.
ننقل فيما يلي ما ورد في مقدمة المترجم للكتاب توضيحا لدوافع الترجمة:
هي ظاهرة عالمية على ما يبدو يتردد صداها في العديد من دول العالم: الإناث تتفوقن دراسيا على الذكور، و العنف يستشري في الوسط المدرسي بأشكال مختلفة! و الجميع قلقون من ذلك، و خاصة منهم الأساتذة و الأولياء.
في العالم العربي، نأخذ على سبيل المثال حالة المغرب :
فاستعدادا لبداية كل موسم دراسي، يكون الشغل الشاغل للوزارة الوصية توفير العرض المدرسي الكافي لتلبية الطلب المتزايد على حق التمدرس؛ و تزداد القضية حساسية عند استحضار تحدي تمدرس الفتيات.
و إنه من خلال المعطيات المتوفرة في هذا الشأن[1]، لا يمكن لكل منصف إلا أن ينوه بالنتائج المحققة على مستوى العرض: فقد بلغت النسبة العامة للتمدرس 96,6 % في موسم 2021/2020، و تبدو في سلكي التعليم الإلزامي الابتدائي و الإعدادي إيجابية للغاية (هي على التوالي: 103,7 % و 94,7 %). أما بالنسبة لمؤشر تمدرس الإناث بشكل عام، فقد بلغت 95,9 %، و لا يزيد عنهن زملاؤهن الذكور إلا بـ 1,4 %. و هذا مؤشر إيجابي جدا سواء أمن حيث ضمان حق التمدرس لعموم الأطفال أم من حيث ضمان حق المساواة بين الجنسين في التمكين من هذا الحق.
غير أنه، و عند نهاية كل دورة و نهاية كل موسم دراسي، و خاصة عند استعراض النتائج النهائية للمستويات الإشهادية، و في إطار النقاش الدائم حول مردودية المدرسة المغربية؛ لا بد أنه تلفت انتباهنا ظاهرة تربوية يشتد بروزها مع ظهور نتائج التلاميذ: إنها ظاهرة نجاح و تفوق الإناث دراسيا على الذكور!
من خلال المعطيات المتوفرة[2]، نجد مؤشرات متنوعة تؤكد (ربما) معاناة الذكور من صعوبات تربوية في المدرسة المغربية :
ــ ففيما يتعلق مثلا بنسب التكرار: بلغت عموما عند الذكور 9,8 % مقابل 5,1 % عند الإناث. أي أن الذكور أكثر تكرارا من الإناث بما يقارب الضعف. و تزداد هذه النسبة حدة في التعليم الإعدادي حيث إنها ترتفع عند الذكور إلى 15,6 % مقابل 6,8 % عند الإناث، أي أن الذكور أكثر تكرارا من الإناث بما يقارب ثلاثة أضعاف!
ــ و فيما يتعلق بنسب الانقطاع: بلغت عموما عند الذكور 5,9 % مقابل 4,6 % عند الإناث. و هما هنا إن كانتا متقاربتين، فإنه في التعليم الإعدادي ترتفع النسبة عند الذكور إلى 11,8 % مقابل 7,4 % عند الإناث!
ــ و فيما يتعلق بنسب النجاح: هنا كذلك يستمر المنحى السلبي للأداء الدراسي للذكور؛ فالإناث أكثر نجاحا منهم في الأسلاك الثلاث بفارق يبلغ في السلك الابتدائي 1,4 %، ثم يرتفع في السلك الإعدادي إلى 6,8 %، و في السلك التأهيلي إلى 6,3 %!
ــ أما فيما يتعلق بنسبة التفوق الدراسي: و اعتمادا على عينة أولاد موظفي التربية و التكوين الذين يستفيدون من منحة الاستحقاق المخولة لمن حصلوا منهم على الأقل على ميزة حسن جدا في شهادة البكالوريا؛ فإنه في سنة 2021، استفاد من هذه المنحة 1884 تلميذا: منهم 1168 إناث (بنسبة 62 %)، مقابل 716 ذكور (بنسبة 38 %). بما يعني أن ما يكاد يقارب ثلثي هذه المنح استحوذت عليها الإناث!..
ــ ثم مؤشر آخر أكثر دلالة في هذا الشأن: فقد أكدت نتائج مباراة التوظيف في التعليم التي أجريت في موسم 2022/2023 المنحى العام لتفوق الإناث على الذكور بشكل صارخ، حيث إن 86 % من الناجحين في هذه المباراة هم من الإناث، مقابل 14 % فقط للذكور!..
أما من حيث العنف الذي يستشري في الوسط المدرسي بشكل لافت للنظر: فقد اشتغلت الوزرة الوصية على هذه القضية بإنجاز أول دراسة في موضوع العنف بالوسط المدرسي بدعم من اليونسيف سنة 2005 ، و تلاحقت بعدها مبادرات الوزارة في هذا الشأن إلى أن توجت سنة 2016 بإعداد حقيبة تربوية تحسيسية و توعوية حول الوقاية و مناهضة العنف بالوسط المدرسي بمشاركة وطنية و دولية.
بشأن المعطيات الإحصائية، و بناء على ما هو متوفر[3]، ففي ظرف موسم دراسي واحد فقط (موسم 2012/2013) سجل ما يلي: فمما مجموعه 203 حالة عنف (105 منها داخل المدرسة) :
ــ بحسب الوسط: 77 % منها في المجال الحضري مقابل 23 % في المجال القروي ؛
ــ و بحسب الفاعلين: 29 % منها ما بين التلاميذ و الأطر التربوية (59 حالة) مقابل 12 % ما بين التلاميذ أنفسهم (25 حالة)، و 54 % ما بين مكونات المدرسة و دخلاء من خارجها (110 حالة) ؛
ــ و بحسب الجنس: 57 % منها ما بين الذكور مقابل 41 % ما بين الذكور و الإناث و 2 % ما بين الإناث ؛
ــ و بحسب نوع العنف: 59 % منها عنف جسدي، و 33 % عنف جنسي (35 حالة اغتصاب و 31 حالة تحرش)، و 9 % عنف لفظي ؛
ــ و بحسب مستوى العنف: 74 % منها خطيرة (68 حالة ضرب، و 51 حالة جرح، و 35 حالة اغتصاب، و 16 حالة اختطاف، و 11 حالة قتل، و 7 حالات انتحار) مقابل 26 % ما بين متوسطة و بسيطة (28 حالة سرقة، و 18 حالة تهديد، و 13 حالة تخريب، و 05 حالات احتكاك، و 03 حالات شغب).
نفس المنحى المخيف و المقلق لهذه المعطيات تؤكده دراسة ميدانية “للتضامن الجامعي المغربي” بعنوان “العنف الممارس ضد الهيئة التعليمية في الوسط المدرسي” عرضت نتائجها في يونيو 2019. و مما ورد بشأن سياق هذه الدراسة: «دراسة تكتسي طابع الراهنية، و ذلك لاعتبارين إثنين: أولهما، ارتفاع حالات العنف الموجه ضد الهيئة التعليمية في الوسط المدرسي خاصة خلال السنتين الأخيرتين، و ما واكب بعضها من تداعيات متعددة المستويات، و من جدل إعلامي تجاوز حدود الوطن (حالة أستاذ ورززات، و حالة أستاذة الحي المحمدي نموذجا)، ثانيهما: انفتاح منظمة التضامن الجامعي المغربي – في مجال اشتغالها – منذ المؤتمر العاشر(2005) على عدد من الخبراء والباحثين، لتدارس السبل الممكنة لتجاوز ما تعرفه منظومة التربية و التكوين من اختلالات مختلفة، من عناوينها البارزة “تراجع أدوار المدرسة العمومية في التربية على القيم و ترسيخ السلوك المدني”، مما شكل بيئة حاضنة سمحت و تسمح ببروز جملة من الممارسات السلوكية اللامدنية (عدم الانضباط، وعدم الالتزام بالأنظمة الداخلية، و استفحال الغش المدرسي، و الملابس الممزقة، و الحلاقات المثيرة للانتباه، إلخ)»[4].
إنه إذا حُق لنا أن نفتخر بالنتائج التي تم تحقيقها على مستوى تعميم التمدرس لعموم أولادنا، و تمكين إناثنا منهن على الخصوص من هذا الحق..، و إذا حق لنا كذلك أن نفتخر بالنتائج الدراسية المتميزة التي تحققها بناتنا على مستويات استمرارية التعلم و النجاح و التفوق الدراسي..؛ فإن الواجب يفرض علينا كذلك أن ننتقل بأنفسنا إلى مستوى القلق على تدني الأداء الدراسي لأبنائنا الذكور، و البحث في أسباب ذلك، و الوصول إلى إجابات علمية و عملية .
نقول هذا و نحن نرى (و منذ عقود) اهتمام الآخرين غيرنا بهذه القضية بدليل العديد من الدراسات التربوية التي صدرت في هذا الشأن، في حين أن مسؤولينا و أهل الاختصاص في علوم التربية عندنا ما يزالون حبيسي الخطابات المساواتية التقليدية، رهيني خطاب تحدي تدريس الفتيات، و لا يكادون يتجاوزون هذا السقف.
الخطاب التربوي الغربي تجاوز مستوى “الحق في التمدرس للجميع” إلى مستوى “الحق في النجاح للجميع”، و خرج في هذا الشأن بخلاصات جديرة بالاهتمام، و قامت على أساسه عدة مبادرات تربوية رائدة وجدت من الدعم الرسمي و الأهلي ما جعلها محط نظر و اهتمام، خاصة مع النتائج الباهرة التي حققتها على مستوى “الحق في النجاح” للجنسين معا.
سؤال مهم يطرح هنا: هل الخلل في أبنائنا الذكور أم في نظام تربوي يحابي الإناث؟
بتعبير آخر و حتى يفهم السؤال دون تأويلات خاطئة: ما مدى استجابة نظامنا التعليمي للشروط الواجب توفرها حتى ينجح و يتفوق ذكوره كما تنجح و تتفوق إناثه؟
سؤال يجب أن تنبري له أقلام التربويين لإنقاذ تلاميذنا الذكور مما هم فيه، و من هنا تأتي مبادرتنا هذه في ترجمة هذا الكتاب بشأن الاختلاط المدرسي لعالم الاجتماع الفرنسي (Michel Fize) لتركيزه على الظاهرة المشار إليها إلى جانب العنف الذي يستشري في المدرسة الفرنسية.
عالم الاجتماع الفرنسي (Michel Fize) من مواليد سنة 1951، كان عضوا في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS)، اختص في قضايا الشباب و المراهقة و الأسرة و عُد من خيرة خبرائها، و جعلته أهلا لكي يستعين به أصحاب القرار السياسي محليا و مركزيا في القضايا ذات الصلة، فقد كان على سبيل المثال مستشارا لوزير الشباب و الرياضة الفرنسي سنتي 1997 و 1998.
كتابه هذا عن الاختلاط المدرسي، محاولة غير مسبوقة في فرنسا لدراسة: التفاوت الصارخ في نسب النجاح و التفوق الدراسيين ما بين الإناث و الذكور، و التمييز بين الجنسين، و العنف الجنسي، و عدم الانضباط، و تفشي السلوكات المنافية للمدنية، و غير ذلك مما يثير القلق، و خاصة من قبل الأولياء و الأساتذة.
و بالنظر إلى المبادرات الجديدة التي ظهرت في دول غربية عديدة بإحداث مدارس غير مختلطة، و ما حققته من نتائج إيجابية على المستوى الدراسي و على مستوى السلوك للجنسين معا، فإنه يحق التساؤل عن مدى شرعية “مبدأ الاختلاط” الذي تصر دول أخرى على اعتباره “مبدأ مقدسا” لا يحق لأحد المساس به؟ ألا يخلو الاختلاط من سلبيات؟ بل، و ما مدى صدقية الإيجابيات التي تنسب إليه؟ هل لها من أصل علمي و حقيقة على أرض الواقع المدرسي؟
شهد هذا الكتاب عند صدوره سنة 2003 موجة انتقادات لاذعة لصاحبه ما دام أنه خرج عن الإطار العام السائد في فرنسا، و خاصة من قبل دعاة المساواة بين الجنسين، حتى إن البعض اعتبره ردة و انتكاسة في هذا الشأن لمجرد أنه حاول نزع هالة القداسة التي أُلْبسها الاختلاط المدرسي خطأً، و نبه إلى أنه لا علاقة سببية بين المساواة و الاختلاط، و أن الاختلاط بين الجنسين تصاحبه عدة مشاكل في الوسط المدرسي.
و الباحث هنا و هو يعرض وجهة نظر عالم اجتماع فرنسي في إطار السياق الفرنسي، فإننا و نحن نطالع كتابه لسنا مطالبين بتبني و نسخ وجهة نظره كما هي..، بل مطالبون بأن نخرج من الإطار الضيق الذي وضعنا أنفسنا فيه منذ عقود بدعاوى هي أقرب إلى الغوغائية منها إلى العلمية، و أن نبدع لأنفسنا ما يليق بسياقنا الخاص.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ــ www.men.gov.ma: “مؤشرات التربية لموسم 2021/2020″، وزارة التربية الوطنية، المملكة المغربية، 2021.
[2] ــ نفس المرجع السابق.
[3] ــ www.men.gov.ma: وزارة التربية الوطنية، قسم الاتصال، “تقرير نهائي حول مؤشرات العنف داخل المؤسسة التعليمية و في محيطها من خلال المتابعة الصحفية للجرائد الوطنية من 01 شتنبر 2012 إلى 30 يونيو 2013.
[4] ــ https://www.akhbarona.com/: عزيز لعويسي، “دراسة ميدانية للتضامن الجامعي بشأن العنف المدرسي”. نشر بتاريخ 03 يوليوز 2019.
سؤال: هل يتوفر هذا الكتاب بالمغرب حاليا؟