إصــلاح الـعـدالــة الأهـلـية بـالــمـغـر ب

هوية بريس – ذ.إدريس كرم
يبدو أن إعادة تنظيم العدالة الشريفة، الذي حظي باهتمام واسع، خلال السنوات العشر الماضية، لمواكبة تطور المغرب، قد وصل أخيرا إلى مرحلة التنفيذ، أو على الأقل، إلى مرحلة الدراسة.
تُعد هذه القضية بالغة الأهمية، وتؤثر على مصالح متعددة، مما يجعل من الصعب حلها، بما يرضي الجميع، وقد سبق أن قدَّمت النشرة bulletin du comite de l,afrique francaise دراسات حول هذا الموضوع في مناسبات عديدة، كشفت عن مختلف جوانب وصعوبات إعادة التنظيم هذا.
بطبيعة الحال، تخضع هذه العملية لرقابة دقيقة من قبل المسؤولين عن إدارة العدالة (قضاة المحكمة العليا الشريفة، القضاة، الباشوات، القياد) ومن يشرفون عليهم (المراقبون المدنيون والعسكريون، مفوضو الحكومة) ومن قبل القضاة الفرنسيين، الذين على الرغم من توازي أعمالهم مع أعمال القضاة المغاربة، إلا أنها متقاربة، لدرجة أنها قد تتداخل أحيانا، ومن قبل المحامين الذين يُجنَّدون موكليهم، بنسبة كبيرة جدا، من بين المتقاضين المحليين.
وأخيرا؛ وإن كانوا غالبا ما يُنسون من قبل هؤلاء المتقاضين أنفسهم، الذين يرغبون في معرفة كيفية تناوُل المَحَار الذي يتمثل في المتقاضين.
على الرغم من اختلاف الآراء الناجمة عن تنوع وجهات النظر، يبدو أن الجميع متفقون على بعض النقاط، وأن هذا الاتفاق يُشكل أساسا كافيا للإصلاح المقترح.
أولا: لا شَك في توقيت هذا الإصلاح، لكل من يتابع عن كثب، سيْر عمل المحاكم الشريفة، ولا بد لنا من الإشادة بلا تحفظ، بالعمل الذي أنجزه قضاة هذه المحاكم ورؤساؤهم، الذين نجحوا بمواد محدودة للغاية -في كثير من الأحيان- في إقامة العدل ببلد كاد أن يكون فيه معدوما فيه قبلهم، ووسعوا نطاقه لدرجة أن الأهالي يلجأون إليه كل يوم بشكل متزايد.
قاعة محكمة القاضي، على وجه الخصوص يتم اقتحامها من قبل المتقاضين باحثين عن عدالة لا تشوبها شائبة، ويتصف بمزايا هائلة تتمثل في السرعة والإنصاف.
ولكن على الرغم من هذه التحسينات التي لا جدال فيها فمن المؤكد أنه مع التطور السريع للمحاكم، يتطلب هذا النظام القضائي، لكي يظل جزء من التطور الفكري للمغاربة، تكيُّفا لا يعتمد فقط على حسن نية القضاة، بل يجب أن ينتج بالضرورية إعادة التنظيم الداخلي، ويُمْلِيها المُشَرِّع.
لا جدال في توقيت الإصلاح لكل مَن هو مُطَّلع على هذه القضية: ولكن هل سيقدر هذا الإصلاح من يُدعى للإستفادة منه، ومن المتقاضين أنفسهم؟
ألا يوجد ما يدعو للقلق من تشويه خبيث متعمِّدا للأرواح الشريرة، صحيح أنه لم يتم استقبال الإصلاح بشكل سيء من قبل الرأي العام الأهلي، مثل أي عملية إعادة تنظيم قضائي مؤخرا، قد لا يكون للملاحظة فائدة بالتأكيد، لكنها دعاية سيئة النية، تجعل من الإصلاحات غير شعبية؟
إن طرح مثل هذا السؤال يعني التساؤل عما إذا كانت هناك سياسة محلية قائمة، لقد كان من المألوف إنكار هذا الوجود، واختزال جميع الصعوبات في مشاكل اقتصادية يقدم الفنيون حلولها، لكن هؤلاء على الرغم من أنهم حلوا المشاكل تماما، كان عليهم أن يعترفوا بأنهم يستطيعون جعل حلهم مقبولا، الاعتراف بحلولهم يوجد عدد كبير من السكان يتمتعون بعقلية معينة رفضت على سبيل المثال فوائد واضحة مثل توفير المياه لمدينة في حاجة إلى هذا العنصر من الحياة.
تظل أسباب هذه الأهواء للرأي العام الأهلي غامضة بالنسبة للإقتصاديين الصرف، لذلك يجب أن يسبق أي إصلاح إعداد هذا الرأي في جميع الدوائر التي يقوم بها أولئك الذين يعرفون السكان الأهالي، ولديهم بينهم علاقات وأصدقاء، وتعاطف يستمدون منه السلطة والمصداقية، نحن لا نفتقر -وخاصة بين مراقبينا المدنيين والعسكريين- إلى الرجال الذين يمتلكون مثل هذا النفوذ الذي يَهُمُّ وظائفهم، استطلاع رأينا وإعداده، وتوجيهه، بطريقة تجعل أي إصلاح مناسب يستقبل في النهاية، بشكل جيد من قبل أولئك الذين ليسوا بسيئـي النية، أي من قبل الغالبية العظمى من المغاربة.
بهذه الطريقة، سيكون من المستغرب جدا، أن ترفض إعادة تنظيم القضاء الشريف، علاوة على ذلك، يُمكن تكليف لجنة، تضم بالإضافة إلى كبار المسؤولين، وكبار القضاة الفرنسيين، والشرفيين المعينين، ممثلين عن الشعب المغربي غير رسميين، مشهورين بمعرفتهم القضائية ومكانتهم الاعتبارية.
سيتعين على هذه اللجنة دراسة التغيرات التي تؤثر بشكل رئيسي، على ثلاثة أجزاء من التنظيم الحالي: عدالة القاضي، والعدالة المدنية والتجارية، والعدالة الجنائية.
تعاني العدالة التي يُصدرها القاضي حاليا من عيوب خطيرة، إذ يمارس الإشراف على عمله بشكل أساسي في الدعاوي، التي يرفعها المتقاضون إلى السلطات العليا على جميع المستويات، ولا يلعب الإستئناف القضائي دورا يُذكر، إذ يصدر القاضي أقل عدد من الأحكام، مفضلا السعي إلى التسويات التي تحقق ربحا أكبر، ويُجْبَرُ المتقاضون على قبول هذه التسويات، بفضل رعاية القضاة مُدَّة إطالة الإجراءات، واستخدامهم للمناورات القانونية، لإقناع الأطراف.
من الأفضل لهم قبول اقتراحات القاضي، طوعا أو كرها، نادرا ما يُكتب النجاح لشكوى المتقاضين في هذا الشأن، لأن القضاة اتخذوا كل الإحتياطات اللازمة لمنع إثبات فسادهم وظلمهم.
يمكن حل هذه المشكلة في الإشراف المستمر، طوال جميع الإجراءات من قِبل وكيل فرنسي، يحضر جلسات الشرع، بنفس الشكل الذي يحضر المراقب جميع جلسات القاضي.
ولكي يكون له تأثير فعَّال على القاضي، يجب أن يُرفع تقريره إلى أقرب وأقوى سلطة إشرافية مدنية أو عسكرية: رئيس المنطقة، أو السر، في المحكمة القروية، والرئيس الإقليمي في المناطق الحضرية.
بهذه الطريقة، ستكون لديه قاعدة متينة للتأثير على القاضي الخاضع لإشرافه، والذي سيحاول بالتأكيد التهرب منه قدر الإمكان، ويمكن إيجاد حل سريع لهذا الأمر، إذا كان الوكيل الفرنسي مسؤولا فقط عن إدارة شؤون الإشراف؛ إذ يقتصر الأمر على القاضي في حالة الخلاف، بإغراق خصمه في خلافات كتابية، متورطا في منازعات قانونية، يُرهق طولها وكثرتها إدارة شؤون الإشراف؛ ووزارة العدل، وكذلك الوكيل الفرنسي، علاوة على ذلك، لا يستطيع الأخير الفرار من سلطة السلطة التي تمثل المقيم العام محليا، وفي هذه الظروف يُفضل أن يكون امتدادا لها.
في المناطق القروية، يكفي وجود مراقب مدني أو عسكري، وهو مساعد ثالث مكلف خصيصا بمراقبة القاضي.
أما في المدن التي تتطلب مسؤولا أكثر تخصصا وكفاءة، فيُرفع تقرير مفوض الحكومة المسؤول عن مراقبة محضر القاضي إلى رئيس المنطقة.

يعاني نظام العدالة المدنية والتجارية الذي يديره الباشوات والقياد، من عيب خطير، يتمثل في اتساع نطاق اختصاصه القضائي، بشكل مفرط، نظرا لهذه الموارد.
فمحاكم “لَبْلادْ” على وجه الخصوص، تعمل بدون قانون، أو سجل أو مساعدين متخصصين، مما يصَعِّب عملها في القضايا المعقدة، التي تنطوي على مصالح جسيمة.
إن أفضل طريقة، لتزويد المتقاضين بجميع الضمانات، التي توفرها العدالة الحديثة، هي منحهم حق اللجوء إلى المحاكم الفرنسية.
ولتحقيق ذلك يكفي النص على أنه في المنازعات التي تتجاوز مبلغا معينا، (مثل مبالغ نقدية قدرها 5.000فرنك) يحق للمتقاضين اختيار جهة الاختصاص القضائي، مع ضرورة موافقة الأطراف على هذا الموضوع، على الأقل في المراحل الأولى من إعادة التنظيم.
ولن يفاجئ هذا التجديد رعاتنا الذين استعدوا مسبقا للتسجيل، وهو متاح لهم، كجهة اختصاص قضائي مشترك، يختارونها طواعية، وبالإلتزام المفروض عليهم، وهو الآن الرجوع إلى القضاء الفرنسي، عندما يكون خصومهم مواطنين أجانب.
لقد وفرت العدالة الجنائية، بمنهجها للمغرب عموما، و”لَبْلاد” خصوصا، قدرا كبيرا من الأمن
وهو ما لم يتحقق إلا بصعوبة بالغة، وإن كانت في الجزائر لاحقا: تُنتقد، لكونها مفرطة في القسوة والسرعة.
من المؤكد أن صلاحيات القضاة (وبالأخص صلاحيات الباشوات)، التي تمتد إلى إمكانية فرض عقوبة سجن لمدة عام، وغرامة ألف فرنك دون استئناف، وهي عقوبة يتجاوز مداها حدود الضرورة.
ومن المتفق عليه عموما أنه إذا أردنا الحفاظ على مستوى الأمن الحالي، فيجب علينا الاحتفاظ بسلطة القاضي المسؤول عنه، للتصرف دون تأخير ودون حواجز، للقبض على المذنبين وضربهم.
إن الاستئناف في الأحكام التي تتجاوز مدتها ثلاثة إلى ستة أشهر سجنا، وغرامة قدرها 5.00 فرنك، من شأنه أن يحدَّ من سلطة القضاة، دون مساس بالضمانات، مع إتاحة الفرصة للمتقاضين للإنتصاف من الأخطاء الجسيمة أو الظلم، ويكفي زيادة عدد وموظفي دوائر المحكمة الكبرى الجنائية الشريفة، المسؤولة عن النظر في الطعون الكثيرة التي ستطرح لا محالة، إذ لم تعد هذه المحكمة كافية لمهمتها في تنظيمها الحالي.
إن الإستئناف على الأحكام التي تتجاوز مدتها ثلاثة إلى ستة أشهر سجنا، وغرامة قدرها 5.00 فرنك، من شأنه أن يحد من سلطة القضاة دون المساس بالأمن، مع إتاحة الفرصة للمتقاضين للإستئناف ضدالأخطاء الجسيمة أو الظلم.
وأخيرا يبدو أن اتفاقا عاما على استصواب وضع مدونات صغيرة، بسيطة جدا في البداية، لقواعد القانون العرفي، ليتبعها القضاة وغير القضاة، يكمن جوهر هذه المدونات في المنشورات المتداولة حاليا، والتي تُعطي أولى التوجهات بشأن هذا الموضوع.
علاوة على ذلك، قد يكون من المناسب الإستمرار في تنظيم هذه المسألة المتغيرة من خلال منشورات بسيطة، إلى أن تُثْبت الممارسة والتجربة جدوى القواعد المقررة، وإلى أن تُرسخ في الفقه، إذ لا يمكن للمرء أن يوصي على الأقل في بداية إعادة التنظيم بمرونة مفرطة في هذا الشأن.
جميع قوانين العدالة الكبرى ضُمِّنت في القانون العرفي المغربي، وهو في هذه المرحلة الأولى من تطوره، ، ويبدو أن ما هو أساسي فيه، يتمثل في تشديد الرقابة على القضاة، وترسيخ القواعد التي لا يجوز لهم مخالفتها.
إن المغاربة الذين انفتحت عقولهم -بفضل احتكاكهم بحضارتنا، ونِظامنا القضائي- على مفهوم أوسع، مما كان عليه القانون قبل وصولنا، يدركون إدراكا غامضا تداعياته.
دعونا لا ننتظر منهم أن يطلبوا منا تطوير الشيء الذي وضعناه، بطريقة تجعلنا نُعْرَفُ بأننا في موقف الذي يسْتسْلِم، بدلا من أن نكون في موقف الذي يُعْطي بسخاء.
بل دعونا نعرف كيف نستفيد من هِبَتِنا على أكمل وَجْهٍ، وذلك بتقديمها للجمهور بشكل مناسب، دعونا نعرف من قبل أولئك الذين يفهمون الأهالي، ويعرفون كيف يتفاهمون معهم، ويعبرون عن جميع الآراء كيف ما كانت جميع الأوساط، الأرستقراطية، والبرجوازية، الحرفيين، والمنبوذين، والمَدِينِيِّين، والبَدَويين، كما يقول مريس لوكلاي “من السهل والجبل”.
في الوقت الذي يوشك فيه هذا المقال على النشر، علمنا أنه تمَّ تشكيل لجنة في الرباط، لدراسة سير عمل المحاكم الأهلية، واقتراح التحسينات التي تبدوا مرغوبة من قبل جلالة السلطان، إذا لزم الأمر، تتكون من أكثر الفقهاء المغاربة تأهيلا، بمساعدة ممثلين عن الخدمات ذات الصلة في المحمية والتقنيين، وهم:
الأعضاء الأهليون:
السي الحاج محمد المقري، الصدر الأعظم، السي محمد روندا وزير العدل، السي بوشعيب الدكالي
الوزير الفخري للعدل، السي محمد ملين وزير الأحباس، السي محمد بن العربي العلوي رئيس محكمة الإستئناف الشرعي، السي العربي الناصري رئيس المحكمة العليا الشريفة، السي احمد عواد، السي محمد ازويتن، قاضيان بالمحكمة الشرعية العليا، السي لمعمري نائب مدير البروطكول
الأعضاء الفرنسيون:
الجنرال نوكيس، المدير العام للشؤون الأهلية، السيد كِيـيْ، مدير الشؤون الشريفة cherifiennes ابْرونو، نقيب المحامين بالرباط، بينازيت، مدير الشؤون الأهلية، كونطارد، رئيس مصلحة المراقبة المدنية، ريِنير مفتش الشؤون الأهلية، كارديرارو، رئيس الترجمة بمحكمة الإستئناف.
اجتمعت هذه اللجنة لأول مرة في دار المخزن في 27 يونيو، وأعربت عن رأيها بضرورة مراجعة أحكام اللوائح الإدارية الصادرة في بداية عهد الحماية المتعلقة بمسائل العدالة المحلية، وخاصة في ظهير 14 يوليوز 1914 الذي ينظم العدالة المدنية المحلية ونقل الملكية العقارية.
ويبدو أن بعض أحكام هذا النص التي كانت مبررة وقت صدورها، قد عفا عليها الزمن اليوم، ومن ثمَّ فإن شرط “البطاقة” أو “رسالة الإستفسار” قبل أن يُصدر القاضي أي إجراء يُنشئ أو ينقل حقوق الملكية
تشكل هذه المتطلبات عائقا مُحِقّاً أمام حرية المعاملات، دون أن تقدم ضمانات تُذكر.
لم تعد هذه الحقوق منسجمة مع ظروف المعيشة الحالية، فعلى سبيل المثال: جدول رسوم شركات “العدول” منخفض للغاية، بشكل واضح، وبالتالي لا يطبق عمليا، وهوما يمثل مصدرا لانتهاكات متكررة.
لذلك قررت اللجنة دراسة النصوص الإدارية المتعلقة بالعدالة الأهلية، السارية حاليا، وشكلت لجنتان فرعيتان لدراسة آليات تطبيقها، ولا داعي للتأكيد على الأهمية الكبيرة لهذه الأعمال. لكن من المؤكد تمام أن الإصلاحات التي يتوخى تنفيذها بهذه الطريقة، لن تنفَّذ على النحو الأمثل، إلا بمساعدة جهات متخصصة، تفَوِّض من قِبل المخزن لمراقبة تنفيذها بدقة.
لدا سيتعين على حكومة الحماية دراسة مسألة مراقبة العدالة المحلية المهمة، والتي يبدو تحسينها أمرا بالغ الأهمية.
———أنظر:
la reforme de la justice indigene au maroc
في: bulletin du comite de l,afrique francaise
ص:496-499 سنة 1931.



