احسان الفقيه: نغرّد.. نُدوّن ولكن أين الشعور بالمسؤولية؟!
هوية بريس – احسان الفقيه
الخبر يقول: نشرت قناة «إن بي سي» الأمريكية قاعدة بيانات، تتضمن أكثر من 200 ألف تغريدة حجبها تويتر، بدعوى أنها منشورة من حسابات مرتبطة بالنشاط الروسي، للتأثير في الانتخابات الأمريكية.
في الوقت الذي ترتبط مواقع التواصل الاجتماعي برأس هرم الأنشطة الحياتية، ويكون لها تأثيرها على المسار السياسي، والصراعات بين الدول العظمى، تُطالعنا الاهتمامات العربية المنحدرة على تلك المواقع، بما يعكس ثقافتنا المحدودة. هذا أُصيب بخدْشٍ في أصبعه، فلماذا لا يقوم بتصويره، ويبثه على فيسبوك وتويتر؟ وتلك الزوجة التي شعرت بالزهو والفخر عندما أجادت طهي (المقلوبة او الكبسة)، ستنشرها إذن! هو ينشر وجها ضاحكا مبتسما مُلحقا بعبارة: «يشعر بالسعادة مع فلان»، بينما آخر تجده يشعر بالغضب فينشر صورة وجه غاضب.
لا عليك من تلك الزوجة التي أدْمنتْ بثَّ كلمات الغزل لزوجها فيردّها بأحسن منها، فلْتُحسِن الظن ولا تقل: ربما كانت العلاقة الحقيقية بينهما هي الجحيم بعينه لكنه (الميكاب) العاطفي.
دعك من هؤلاء، أصحاب الاهتمامات الحمقاء، ركِّز على الناشطين الذين يحمل كل منهم قضية يُنافح عنها، ولكن تناوَلْ قبلها كوبًا من العصير الطازج ربّما يُهدّئ أعصابك.
ينشر تدوينة أو تغريدة، تُعبّر عن رأيه، والويل كل الويل لمن يُعارض، سوف يُشهر في وجهه سيف التصنيف والتجهيل، فكأنه يردك إلى المثل العربي:
إذَا قَالتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوها … فَإنَّ القَوْلَ مَا قَالتْ حَذَامِ
وحَذام هي زوجة لُجَيْم بن صعْب، يرى أن القول السديد المُعتدّ به هو قولها، كما جاء في مجمع الأمثال للنيسابوري. ربّما كان عليك أن تتحمل هذه المناقشات والسجالات الفكرية التي تطرح أمامك على مواقع التواصل وإنْ امتدّت لساعات، وكن ذا ذاكرة كربونية لأنك عندما تصل إلى النهاية ستنسى البداية، بل ستنسى أصل الموضوع، ولا أنصحك بأن تأمل في أن يصل الطرفان إلى الحسْم، فكلاهما صاحب الحق ونصيره، ولا تسألني كيف.
وإذا ما أردت أن تكون مُغردا أو مُدونا جيدا، فاشْهَد قبلها الشهادتين، لأنك بعد قليل ستكون: المرتشي، المأجور، السكير العربيد، المتلون، الجاهل المتعصب، وستسمع عن أهلك وعشيرتك ما لم يخطر لك بِبال.
إنه لمن الأحرى أن يتَّجِه المُغرّد أو المُدوّن إلى صيغة أخلاقية وقيمية واعية لثنائية الحرية والمسؤولية في مواقع التواصل الاجتماعي، فهو يدخل إلى هذا العالم مُستشعرا عدم وجود عوامل ضغط أو قيود، وبدون وصاية أو رقابة، فينبغي بأي حال من الأحوال ألا تنفكَّ نشاطاته عن المسؤولية الاجتماعية والخُلقية، فحرية الفرد قيمة مشتركة مع الآخرين، لا تستقيم بدون المسؤولية، وبمقدار ما أنت حر فأنت مسؤول أيضا، بحسب تعبير الناقد عبد الله الغذّامي في كتابه «ثقافة تويتر: حرية التعبير أو مسؤولية التعبير»: وأرى أن المسؤولية الكبرى في هذا التوجيه تقع على عاتق ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي أصحاب التوجهات الهادفة، في تحرير مسألة المَزْج بين حرية التعبير عن الرأي والمسؤولية الاجتماعية والخلقية، عن طريق التناول والطرح القوي لأهمية ذلك المزيج، انطلاقا من تعاليم الإسلام والقيم الإنسانية والمجتمعية الأصيلة التي لا تعارضه.
كما أن مسؤولية هذه الصفحات النشيطة على مواقع التواصل في تعميم الوعي بهذه الثنائية، تتطلب أن تكون هذه الصفحات وهؤلاء النشطاء قدوة عملية ومثالا للآخرين.
لقد أصبحت هذه المواقع مسرحا لعرض حشد هائل من المصطلحات الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، كثير من هذه المصطلحات يكون مطّاطيا يحتاج إلى تعيين وتحديد، مثل مصطلح الإرهاب هل ينطبق على كل من حمل السلاح ولو دافع عن أرضه؟ ومثل مصطلح الإسلام الحضاري – الذي طرحته المؤسسات البحثية الأمريكية كمؤسسة راند وكارنيجي ونيكسون – هل يعني تعاطي الإسلام مع الواقع الجديد وفق قواعده الكلية؟ أم يقصد به تطويع الإسلام للتماهي مع القيم والحضارة الغربية؟
كما أن الكثير من هذه المصطلحات الرائجة يحتاج إلى تعريف وتوضيح، لأنها قد تُطلق أحيانا في معرض التراشق والتناحر وإلحاق الأذى النفسي، فتستخدم بغير مناسبة للمقام، كأن يتهم الآخر بالشوفينية أو المازوشية إلى آخره. فينبغي أن تكون هناك مُحدّدات وإيضاحات للمصطلحات الرائجة على مواقع التواصل، وربما يجدر مثلا بالناشطين رصد تلك المصطلحات الرائجة، وإنشاء صفحات خاصة تمثل قاموسا لتلك المصطلحات تظهر معانيها، ويتم مراجعتها من قبل أهل الاختصاص، سواء كانوا سياسيين أو اقتصاديين أو علماء اجتماع أو شريعة، أو الرجوع في أقل التقديرات إلى مصادر عامة معتمدة.
وعلى النخب الثقافية والسياسية والبحثية كذلك، واجب في الاهتمام بمواقع التواصل وتفعيلها بما يخدم متطلبات النهوض المعاصرة، فعلى سبيل المثال:
تبرز في مواقع التواصل أنشطة وسلوكيات جديدة ينبغي الاهتمام بها ودراستها ومعرفة أسبابها ودواعيها ومدى تأثيرها، وكيفية توظيفها في إرساء القيم الدينية والوطنية والإنسانية، فهناك مثلا ظاهرة (البلوك) ودلالاتها النفسية، وهل تمثل شكلا من أشكال الاستبداد الفكري؟ أم هي حرية شخصية؟ وهل الأفضل الاستغناء عنها مطلقا؟ أم بصورة نوعية؟ أم هو أمر لا يمكن وضع مُحددات ومعايير له ومتروك للتقدير الشخصي؟
كما أن ظاهرة الوسم أو الهاشتاغ، ظاهرة ينبغي دراستها لأنها أثبتت أن لها تأثيرا واسع النطاق في تشكيل رأي عام نوْعي تجاه القضايا المُثارة.
وعلى الرغم من أن تويتر كان سببا في نشر ثقافة الاختصار، عبر محدودية المساحة المُتاحة للحروف، إلا أن كثيرا من المُغردين يتمسكون بقالب المناجزة والمنازلة والسجال الفكري على تويتر، وهذه المحدودية من المساحة تجعل هذه السجالات ناقصة غير مكتملة.
وحتى التدوين على فيسبوك رغم مساحته المفتوحة، إلا أن السجالات والنقاشات أيضا على صفحته تكون عقيمة، لبطء وصعوبة الكتابة عند الكثيرين، فيكون من العسير أن يكتب أيٌّ منهما كل ما يريد وفق ما يريد، ومِن ثمّ ينبغي التوجيه إلى ثقافة أخرى وهي ثقافة الاهتمام بالكليات، القضايا العامة الجامعة التي تحتاج إلى أدوار تكاملية من المغردين والمدونين في شتى البلدان العربية والإسلامية.
كاتبة إردنية