الأسرة بين البناء والتخريب

22 مايو 2024 19:20

هوية بريس – إبراهيم الناية

في البداية ننطلق من الاسئلة الاتية :

-هل الاسرة تتأسس على المحبة والانسجام والتكامل ؟ ام على الصراع والتناقض؟ -كيف يمكن للانسان المسلم ان يُقبل على بناء بيت مسلم وهو يجهل الاحكام الشرعية المتعلقة بذلك البناء؟

-وهل يمكن للرجل ان يتزوج امرأة تختلف عنه فكرا وسلوكا واخلاقا اذا كان يريد ان يحقق شيئا في حياته؟

-وهل يمكن للحياة الزوجية ان تستمر والحالة هذه ؟.وكيف لتربية الابناء ان تتحقق  وتستقيم اذا لم تكن هناك وحدة  التصور بين الاب والام اي الزوج والزوجة؟. وهل وحدة القناة ضرورية لتبليغ رسالة التربية الى الابناء؟ -وكيف يمكن ان يتم الزواج داخل مجتمع تتعدد فيه الرؤى والمنطلقات الفكرية.؟

-وكيف نفسر انتشار الطلاق في مجتمعاتنا ؟ هل الامر يعود الى ثغرة تشريعية يستغلها البعض؟ ام ان الأمر يعود الى طبيعة البشر ام هما معا؟. عندما يطرح موضوع الاسرة داخل مجتمع تتعدد فيه القناعات وتختلف فيه الرؤى والتصورات يصبح من اللازم ان تتحدد كثير من الأمور التي يتعين توضيحها، فمجتمعاتنا اضحت عرضة لهجوم كاسح من قبل تيارات مذهبية تختلف جذريا عن معتقداتنا ورؤيتنا للحياة. وقد تبناها ودافع عنها كثير من بني جلدتنا ،وقدموها لنا على انها المنقذ من الضلال، والمخلص لما نحن فيه من مشاكل ، سيما وان مجتمعاتنا لا تتوفر على الوعي اللازم الذي يجعلها تتفطن الى مختلف المكائد خاصة ان قوى الاستعمار الاجنبي لن يهدأ لها بال الا بعد تفكيك مجتمعاتنا واخضاعها لرؤيته في الحياة. ومن بين الموضوعات الاكثر حساسية واكثر جدلا موضوع الاسرة  وكيف جند الاستعمار اتباعه لتخريبها لانه يعلم ان القضاء على تماسكها هو البداية الحقيقية لتخريب المجتمع، فقد وضعت الصهيونية ومعها المذاهب الاستلابية خطة لتخريب المجتمعات، قائمة على الميوعة والتفسخ والدعوة  الى ممارسة كل انواع الرذائل كما تمت الدعوة الى اذكاء روح الصراع بين الرجل والمرأة  وقدمت الرجل (الزوج ) على انه عدو للمرأة، وعلى المرأة (الزوجة ) ان تنتفض مطالبة باستقلالها وحريتها التامة ولا حق للرجل (الزوج) ان يتحكم فيها لانها المالكة لزمام نفسها فهذا عصر الحرية والإنفتاح اما عصر العبودية فقد ولى الى غير رجعة وقد تبنى هذه الفكرة داخل مجتمعاتنا مجموعة من الأشخاص الحاملين للنمط الغربي في التفكير ومعهم مجموعة من النسوة الفاشلات في حياتهن وأردن ان يأتين على الاخضر واليابس ،واستنادا على هذه الرؤية  وضعت الاستراتيجية لتخريب البيوت وتدمير الاسرة بتحريض المرأة على الرجل للوصول الى الطلاق الذي انتشر داخل مجتمعاتنا وما ترتب عنه من تشرد الاطفال، ولم يقف الامر عند هذا الحد بل هناك الدعوة الى ممارسة الدعارة في صفوف الفتيات واغوائهن باعتبار ذلك حرية شخصية، وتحقيقا للذات وقد ساعد في ذيوع مثل هذه التصورات الباطلة والمخالفة لطبيعة خلق الانسان انتشار الامية الفكرية، والغريب ان المتضرر من هذه الرؤية هم النساء اولا فقد انتشرت ظاهرة العنوسة الى ابعد الحدود كما اصبحت ظاهرة العزوف عن الزواج حاضرة عند بعض من الشباب  الذي ينظر الى الزواج وكأنه فخ تنصبه المرأة للرجل وخاصة عندما شاعت مسألة الزواج من اجل الطلاق ،وعندما يطرح موضوع الطلاق في مجتمع تعددت فيه التصورات فإن الأمر يقتضي البحث عن الأسباب التي ادت الى تفشي هذه الظاهرة المفزعة التي اضحت تشكل خطرا على تماسك البنية المجتمعية مما يترتب عنه تفكك الأسرة وتشرد الأطفال واثارة النعرات والأحقاد وهو امر مستهجن لكن لا غرابة في ذلك لان الزواج الذي انتشر هو الزواج العفوي وهو زواج تتوفر فيه شروط الزواج الشرعي ولكن يغيب فيه تحديد المفاهيم والتصورات والرؤى التي تحدد مسار الحياة ففي السابق كانت وحدة الثقافة هي السائدة فقد يتزوج الرجل المرأة دون ان يراها او يعرف عنها شيئا ثم تستمر العلاقة الى نهاية الحياة، لان الرؤية كانت موحدة عند المجتمع، فالرجل يتزوج المرأة وهي مقتنعة بطاعته والامتثال لرأيه. اما اليوم فتعددت القناعات التي تسود المجتمع.

واختلفت الرؤى والمشارب وكثرت المذاهب والشيع واختلفت طرق التفكير عند الناس نتيجة الغزو الفكري والثقافي فلابد من تحديد المفاهيم وطرق التعامل فاصبح من المفروض ان تتحدد المفاهيم والتصورات والحقوق والواجبات. وكذا المنظومة المرجعية التي يتعين الاحتكام اليها عندما يحصل الاختلاف والشنآن. فاصبح الزواج اليوم هو زواج القناعات. فكيف يمكن للرجل او المرأة ان يتزوج احدهما من الشخص الذي يختلف معه في المنطلقات والتصورات وفي الرؤى والمعتقدات ولا قاسم مشترك بينهما من الناحية الفكرية؟ ولذلك لم يعد الزواج بتلك السهولة التي كانت سائدة في الزمن البعيد وهذا ما تفطنت له بعض المجتمعات فقامت بدورات تدريبية لردم الهوة بين الراغبين في الزواج ولتحديد الاطار المرجعي الذي ستتحكم قوانينه في سير الحياة الزوجية ولذلك ولكي تستمر العلاقة الزوجية فلابد من وحدة المنظومة المرجعية بين الزوجين. فكيف يمكن للرجل ان يتزوج امرأة تختلف عنه في المبادئ والقيم والاخلاق؟ والاسلام لم يترك اي جانب من جوانب الحياة الا وضع لها القانون المنظم وان الذي قال “تفقهوا قبل ان تتزوجوا” محق للغاية ،لانه كيف يمكن للانسان المسلم ان يُقبل على بناء بيت وهو يجهل الاحكام الشرعية المتعلقة بهذا البناء؟، سيما ان القاعدة تقول  “لا يحل لامرئ مسلم ان يقدم على امر ما، حتى يعلم حكم الله فيه”. وقد اقر كثير من قضاة المحاكم الشرعية في بلدان متعددة  ان من اسباب الطلاق الواضحة هو الجهل بالحقوق والواجبات التي وضعها الاسلام لكل طرف وان كثيرا من المشاكل التي تعترض المتزوجين ناشئة في معظمها عن جهل الطرفين بالحقوق والواجبات التي سطرها الشرع لكل واحد منهما لان كل عمل  يتعلق بحياة الانسان المسلم إلا قد وضع له الاسلام القانون المتعلق به. ومن ثم على كل من اراد الزواج ان يطلع على فقه الحياة الزوجية في الاسلام، اي على القانون  الذي   تأسس عليه بناء البيت المسلم قبل الدخول في ذلك المشروع فقد يتزوج الرجل وهو لا يعرف ماله من حقوق وما عليه من واجبات كما تتزوج  المرأة وهي لا تعرف مالها وما عليها. ولعل معترض يقول ليست كل البيوت تتأسس على الحقوق والواجبات فقد يكون هناك التسامح والتنازل، ولكن كل ذلك لا يضفي شرعية على الجهل بالحقوق والواجبات لان العلم بهذه الاحكام ضرورة شرعية، ومن اسباب نجاح الزواج لكي يستمر وتعم السعادة، فلابد من تطبيق النظام الاسلامي داخل البيت ليكون منطلقا لتطبيقه خارج البيت. والغريب ان بعض الذين يقبلون على الزواج يستنكفون ولا يرغبون في معرفة ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات. فهل الامر يتعلق بالجهل  ام لسوء النية؟ ليبقى لهم هامش المناورة وكأن الاقبال على الزواج هو معركة بين شخصين.

ان الطرح النسائي القائم على التناقض بين المرأة والرجل غير مقبول على الاطلاق لان المطلوب هو مساهمة المرأة في تحرير الانسان من الظلم والعبودية وتحقيق العدل والقيام بتربية الاجيال والمساهمة في تحقيق النهضة واتخاذ اسباب النجاح في الحياة. وليس اذكاء الصراع  بين الرجال والنساء الذي هو احد المشاريع التي ترتكز عليها الصهيونية واتباعها في تخريب المجتمعات.

فبناء الاسرة من خلال زواج شرعي قائم على المحبة والاحترام والعلم بالاحكام الشرعية المنظمة له هو الذي يضمن الاستقرار والاستمرارية. وهو مشروع مهم في حياة الانسان الذي يتعين انجازه فلا يمكن ان يكون عمل الانسان سالما اذا لم يكن بيته منسجما  وما يتردد من كلمات سخيفة مثل المجتمع الذكوري او الفقه الذكوري ما هي الا انفعالات غوغائية ناشئة عن الجهل بحقائق الامور، فضلا أنها تعكس عقلية التبعية والتفكير بعقل الاخر.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M