الأسرة والقيم في النموذج التنموي الجديد (ج2)

11 يوليو 2024 03:00
السياسة على منهاج النبوة

هوية بريس – امحمد الهلالي

2- طموحنا من أجل مغرب الغد في أفق 2035:

في هذه الفقرة سوف نتطرق لموقع الاسرة والقيم من الاختيارات ثم من اهداف التنمية.

أ- الاختيارات:

يحصر التقرير، الطموح الجماعي لتوجه المغرب نحو المستقبل في ستة اختيارات كما يلي:

– التشبت بالاختيار الديموقراطي؛

– تثمين الرأسمال البشري وضمان تكافؤ الفرص والادماج الايجابي وتفعيل المواطنة وتحقيق الرفاه؛

– التعلق بكل ما يشكل خصوصية للمملكة وعمقها التاريخي وهويتها الوطنية الغنية بروافدها وقيمها الثقافية والدينية ؛

– التشبت بالتنوع وبالمساواة بين الرجل والمرأة وبتكريس مكانة المرأة في الاقتصاد وداخل المجتمع ؛

– نمط ادماجي في خلق القيمة يثمن كافة الطاقات ويضمن التوزيع المنصف وينتقل ببلادنا الى مصاف القوى الصاعدة، نمط لخلق الثروة هاجسه المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية

– التشبث بمغرب منفتح على العالم ويساهم بشكل فعلي في رفاه مواطنيه وفي التقدم العالمي .

وهنا يمكن التنويه بايراد التشبت بالاختيار الديموقراطي في صدارة الاختيارات رغم الصياغة المقتضبة مقارنة بباقي الاختيارات، ومع ذلك فهناك تنكب عن الهندسة الدستور سواء في تصدير وترتيب الثوابتة الجامعة والاختيارات الكبرى او في الحيز الذي يحتله كل ثابت صياغة ومضامين .

وهنا لا بد من الوقوف على ما قاموبه التقرير من قفز عن ثابت الدين الاسلامي الذي يحتل مكانة الصدارة في الثوابت الجامعة التي تستند عليها الامة في حياتها العامة، كما ينص على ذلك الفصل الاول في فقرته الثابثة : “تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي”.

كما تم تجاوز الترتيب الذي يضعه الدستور لهذه الثوابت والاختيارات في شعار المملكة حسب الفقرة الثانية من الفصل الرابع شعار المملكة “الله الوطن الملك” او في ترتيب الثوابت الجامعة كما اشرنا الى ذلك وهي الدين الاسلامي والوحدة الوطنية متعددة الروافد والملكية الدستورية والاختيار الديموقراطي .

من جهة اخرى، فان الموقع السلبي لقيم الهوية تعكسه حالة دحرجة بعض مضامين ثابت الدين الاسلامي ومقوم الهوية الراسخة للبلاد الى المرتبة الثالثة في الاختيارات وتعويمها في تعبيرات هلامية وفضفاضة من قبيل “التعلق بكل ما يشكل خصوصية للمملكة وعمقها التاريخي وهويتها الوطنية الغنية بروافدها وقيمها الثقافية والدينية”، وهذا يندرج في اطار جهود تذويب المكاسب الدستورية في لغة انشائية فاقدة للمعنى بغاية التزييف والتحريف والنكوص، اذ ان الثابت الاول من الثوابت الجامعة يغدو في لغة النموذج التنموي مجرد قيم للهوية الوطنية بعد القيم الثقافية ومندرج ضمن باقي خصوصيات المملكة وعمقها التاريخي المتشبت بهما .

اما بخصوص الاسرة فإن الحيز الذي خصصه التقرير للاختيارات لم يتسع لها ولا لقيمها ما عدا اشارة يتيمة وردت في الاختيار الرابع المتعلق “بالتشبت بالتنوع وبالمساواة بين الرجل والمرأة وبتكريس مكانة المرأة في الاقتصاد وداخل المجتمع “؛
اي في عبارة المساواة بين الرجل والمرأة وفي عبارة تكريس مكانة المرأة في الاقتصاد وداخل المجتمع .
وهي اشارات لا تصب في صالح الاسرة ولا في صالح القيم والضمانات التي كرسها الدستور من اجل حمايتها اقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا.

ما يعضد هذه القراءة هو المضامين التي سيعطيها التقرير لمفهوم المساواة ومفهوم التمكين للمراة في الاقتصاد وفي المجتمع، في محاور اخرى من هذا التقرير وهي مضامين تنتمي الى مقاربة تفكيكية للاسرة وليست حامية لها .
والخلاصة هي ان الاسرة ما تزال غائبة في الاختيارات المستقبلية للمغرب في افق 2035، واذا حضرت فحضورها يكون في شكل مشاكل وتحديات، ولا تحضر الا لكي تغيب في حقيقتها وفي مفهومها وفي ضمانات تكريسها وحمايتها .

ب- أهداف التنمية

يقترح التقرير خمسة اهداف للتنمية كما يلي :
– تحقيق الرخاء : مغرب مزدهر يخلق الثروة وفرص العمل ؛
– التمكين : مغرب الكفاءات ؛
– الادماج : مغرب دامج يوفر الفرص والحماية للجميع ويعزز الروابط الاجتماعية ؛
– الاستدامة : مغرب مستدام ؛
– الريادة الجهوية : الريادة الجهوية في مجالات مستقبلية .

وبفحص هذه الاهداف سنجد ان الهدف الثالث هو الاقرب الى الجانب القيمي والاسري من خلال تأكيد التقرير على ان الشعور بالانتماء والانخراط في المشروع المجتمعي وترسيخ اسس وقواعد العيش المشترك يقتضي نمودجا دامجا يمنح الفرص للجميع من خلال توفير الاستقلالية الذاتية وتنمية القدرات لكل المغاربة رجالا ونساء عبر تعزيز الحماية للفئات الهشة وايلاء عناية خاصة للشباب الذي يشمل 25 في المائة من الساكنة، وهو ما يعتبر مكسبا ديموغرافيا مهما للبلاد.

وهنا يشكل البعد الثقافي يضيف التقرير رافعة مهيكلة لتقبل التنوع والتعدد وتعزيز الروابط بين الاوساط الاجتماعية وبين الاجيال بالاضافة الى خلق الثروة.

ولا تخفى صلة الرافعة الثقافية المهيكلة لتقبل التنوع والتعدد وتعزيز الروابطة الاجتماعية والجيلية بموضوع الاسرة وبموضوع الاطار القيمي والنموذج الاسري في سياق دولي وقيمي ضاغط لاعطاء مدلول خاص لمفهوم التنوع والتعدد سواء في مفهوم الاسرة او في بنيتها وادوارها غير النمطية او في تكوينها وانحلالها وعلائقها وصلتها بالثروة كسبا وتوزيعا وصلتها بتسييرها والانفاق عليها والقوامة فيها وبتربية الابناء ونسبهم وحضانتهم ونفقتهم والمسؤولية عليهم .

وهذا ما سيتضح لاحقا كما سنقف عنده وخاصة في المحور الثالث المعنون بفرص الادماج للجميع من فقرة المحاور الاستراتيجية للتحول اذا ما استصحبنا خلفية تغييب الجانب المرجعي الذي يحيل على الثوابت الجامعة من الوثيقة الدستورية ومزاحمتها بمرجعية من خارجها باسم مفهوم جديد للتنمية، والاصرار على العودة بالنقاش في موضوع الهوية والقيم والثوابت الى المربع الاول، والقفز على كل التراكمات والمتكتسبات المتوافق بشانها بين مختلف المكونات الحية للمجتمع الى
ان الاسرة التي تشكل المصدر الاوحد للرأسمال البشري والتي تقع في صدارة مؤسسات التنشئة الاجتماعية والشريك الذي لا غنى عنه للمدرسة في التربية والتكوين والرافد الذي لا مناص منه لمؤسسات الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية، هذه الاسرة بهذا الموقع وبهذه الادوار لم تستحق التفاتة من قبل تقرير النموذج التنموي سواء بتخصيص هدف خاص بها أو بأدوارها، وهو ما يعتبر تجن مقصود وتبخيس متعمد، ناتج على ما يبدو عن طبيعية المقاربة التي تنظر الى المستقبل بعين واحدة وتقف في الحاضر على رجل واحدة.

أي موقع للاسرة والقيم في المرجعية الجديدة للتنموية بتوجهها ومبادئها والتزامات الفاعلين نحوها؟

وما مكانتها ضمن ما يعتبره النموذج التنموي بالتحولات الاستراتيجية للتحول؟ ذلك ما سنتعرض له في الحلقتين المواليتين:

3- مرجعية جديدة للتنمية التوجه المبادئ التزامات الفاعلين واطار ترسيخ الثقة والمسؤولية:

في النقطة الاولى بعنوان توجه تنظيمي جديد المشار اليه في الصفحة 54، اشار التقرير الى ان التوجه الجديد يتوافق مع المبادى والقيم التي كرسها الدستور ومع التنظيم الذي حدده للسلطات الدستورية .

لكن مع ذلك يصر في النقطة الثانية على مواصلة تغييب المبادئ الاسلامية والثوابت الجامعة عند الحديث عن المبادئ المشتركة في العمل مما يعد اقصاء متعمدا لهذه القيم وتغييبها من الاطار المرجعي الجديد للتنمية.

ونفس هذا المنحى الإنتقائي والاختزالي يتكرر عند تناول ما اسماه التقرير “اطار ترسيخ الثقة والمسؤولية” في النقطة الرابعة عند التفصيل في قيمة العدالة الحامية للحريات ومصدر الأمان، حيث تم التركيز على الحريات الفردية والعامة وحمايتها من قبل منظومة العدالة واعتبار هذا وحده هو الشرط لاقامة مناخ الثقة وتحرير الطاقات وهنا يتم التعاطي الانتقائي مع منظومة الحقوق والحريات في جملتها ويتم اغفال حماية الثوابت الجامعة ومقومات الهوية الراسخة للبلاد بما في ذلك ثابت الاختيار الديموقراطي .

فالتحولات الاجتماعية والثقافية والتطلعات الجديدة للمواطنين يضيف التقرير، تجعل من المستعجل ارساء علاقة جديدة بين الدولة والمواطنين حول ترسيخ واحترام الحريات العامة والفردية والتقليص من حجم المناطق الرمادية في اشارة الى ما يسميه بالغموض في النصوص والتباين في الممارسات في القانون الجنائي، الى جانب اعمال ايجابي للدستور يرتكز على القيم الكونية المكرسة للاتفاقيات الدولية المصادق عليها وكذا القيم الاصيلة للمملكة .

وهذه الفقرة بالضبط تقول كل شيء عما يضمره التقرير ولا يفصح عنه الا بعبارات حمالة اوجه، فقد اكد معدو التقرير على الحاجة المستعجلة الى علاقة جديد بين الدولة والمواطنين حول ترسيخ واحترام الحريات العامة والفردية وعلى الاستعجال ايضا من اجل تقليص ما يعتبرونه مناطق رمادية في القانون الجنائي في العلاقة بالقيم وبالضبط في العلاقة بالحماية الجنائية للاسرة وللاداب العامة والنظام العام، والمقصود عند الرجوع للفصول المومإ اليها هو الحرمات المحمية من بعض الجرائم الماسة بالنظام العام او بالاداب العامة او بالاسرة وهي الموضوعات التي لم يكتفي فيها تقرير النموذج التنموي بخلاصات التوافق المجتمعي وبمخرجات التحكيم الملكي من خلال اللجان التي تمت في القضايا ذات الصلة، من قبيل موضوع الاجهاض، مما حذا به الى الرجوع بهذه القضايا الى المربع الاول واعادة الكرة من اجل رفع التجريم فيما يخص الاسرة عن فاحشة الزنا المتمثلة في جريمة الفساد والخيانة الزوجية تحت ستار الحرية الجنسية خارج اطار الزواج، ثم اباحة الاجهاض لنفس الغرض، وكذا بحجة توسيع مفهوم الصحة النفسية للمرأة وليس للام للاستفادة من الافلات من العقاب عندما تفضي الممارسة الجنسية غير المنضبطة بالزواج الى حمل غير مرغوب فيه.

وفي الاتجاه ذاته استعجل التقرير كذلك، اعمالا ايجابيا للدستور يرتكز على القيم الكونية المكرسة للاتفاقيات الدولية للتملص من العبارة الدستورية التي توازن بدقة متناهية بين القيم الاسلامية والقيم الموسومة بالكونية وهي في جوهرها غربية عندما تجعل الاتفاقيات الدولية تسمو على القوانين الوطنية من خلال شروط دقيقة في مقدمتها ان تكون موضوع مصادقة من قبل المغرب عبر المسطرة التشريعية المعمول بها في هذا الشأن، وفي اطار احترام الدستور الذي يجعل الدين الاسلامي يتبوأ مكانة الصدارة في الثوابت الجامعة التي تستند عليها الامة في حياتها العامة، ويجعل مقتضيات الاسلام محصنة من اي تعديل دستوري ثم بشرط اخر هو احترام الهوية الراسخة للمغرب .

هذا الوضوح الدستوري ظهر لمعدي التقرير منطقة رمادية ويتعين اعمال ايجابي للدستور للانفكاك من هذه الصرامة الدستورية في تحصين الثوابت الجامعة وفي مقدمتها المرجعية الاسلامية .

وبخلاصة، فان التقرير يريد ان يتدارك الفرص الضائعة في سياق اعداد الوثيقة الدستورية مرة بخلق مرجعيات موازية لها ومرة اخرى بالدعوة الى اعمال ايجابي لها بما يرجح قيم المواثيق الدولية على المرجعية الاسلامية وليس فقط على القوانين الوطنية، حتى مع بعض التلميحات الى هذه المرجعية بعبارات مطاطة وفضفاضة من قبيل القيم الاصيلة وغيرها .

ما يؤكد هذه الخلاصة يمكن رصده بوضوح من خلال الفقرتين التاليتين من التقرير وذلك على النحو التالي :

الفقرة الاولى: وفي الاطار رقم 10 بعنوان مواطنة متجدة وقيم مشتركة : الحريات والحس المدني، يستهل التقرير هذه النقطة بسؤال حول كيفية الجمع بين الحريات الشخصية والجماعية التي تعتبر رافعة للعمل وللمبادرة والمواطنة المسؤولة والملتزمة، بما يدعم المصلحة العامة والدفاع عنها من خلال استعادة الثقة وتوطيد دولة الحق والقانون ومركزية المواطن واحترام كرامة الانسان، والدفاع عن الانصاف من خلال تعبئة الذكاء الجماعي ضمن رؤية مشتركة وقيم متقاسمة .

غير ان السؤال عن كيفية هذا الجمع بين الحريات الشخصية والحريات العامة يظل معلقا، بيد ان عناصر الاجابة تكمن في التحيزات المفاهيمية والقيمية وكذا في مساحات الحضور المقصود لبعض القيم و التغييب المتعمد لقيم اخرى.
بل الاهم هو في عملية التحريف الواعية للتقابل في حد ذاته، اذ الحريات الفردية لا تتقابل مع الحريات العامة التي تعتبر مكملا وامتدادا لها، ولكنها تتقابل في جوهرها اما مع حريات وحقوق فردية مقابلة او مع حرمات محمية بالقانون ومحصنة بالدستور .
وعلى سبيل المثال فالحرية الجنسية تتقابل مع حرمة الميثاق الغليظ للزواج ومع الحماية القانونية للاسرة والابناء ان وجدوا ومع قيمة الشرف.

والاجهاض الذي يراد نقله الى مجال الحريات الفردية باعتباره حقا مزعوما للتصرف في الجسد يتصادم مع اقدس حق من حقوق الانسان وهو الحق في الحياة بالنسبة للجنين المراد اعدامه، ومع مقصد من مقاصد الشريعة وهو مقصد حماية النفس وحماية النسل ومع قيمة كونية وعالمية وهو بقاء النوع البشري واستمراره اي الحق في الوجود الانساني في جملته .
من جهة اخرى، يضيف التقرير بشكل مباشر وصريح ان المساواة بين المرأة والرجل واحترام الاختلاف هي المحاور الرئيسة لمقاربة تهدف الى بناء مجتمع متحرر وشريك لدولة قوية.

لكن السؤال الاساسي يتمحور حول مدلول مفاهيم المساواة بين الرجل والمرأة واحترام الاختلاف وفي اي اطار معرفي وما موقعه من القطعيات الشرعية بالنصوص القرأنية المحكمة؟ ثم ما هية مفهوم التحرر، والتحرر من ماذا ؟

وهل سيتم ذلك كله ضمن الاطار الدستوري والثوابت الجامعة المسيجة لهذه المفاهيم او في تفلت وانفلات من ضوابطها ؟.
واخيرا هل الامر يتعلق بالمساواة امام الحق، كما هو في المطق الكوني ام يراد تمديد هذا المفهوم الى مساواة في الانصبة والحصص التي مدارها على الاستحقاق والتكافؤ الذي هو التنزيل العملي للمساواة، حيث يكون التماثل والتطابق عين الجور وعين الاختلال .

وهنا نكون امام مفهوم اشمل هو العدل الذي يجمع بين المساواة امام الحق واستحقاق في هذا الحق اي في انصبته وحصصه.

اما في الفقرة الثانية: فقد اكد التقرير على ان اطلاق مرحلة جديدة تستمد ديناميتها من مثالية الدولة ومسؤولية المواطنين من شأنها ان تجعل المغاربة فاعلين ضمن مواطنة متجددة عبر الفخر بالانتماء والانخراط ضمن افق مشترك يرتكز على الارث التاريخي للتماسك الوطني والنفس الجديد لمواطنة دامجة وملتزمة .

ومرة اخرى يتم تذوب مقوم الاسلام في الارث التاريخي للتماسك الاجتماعي، اي ان الاسلام وباقي الثوابت الجامعة التي تعتبر اللاحم للمكونات الوطنية واساسا للتماسك الاجتماعي تصبح في التقرير مجرد ارث تاريخي.

4- المحاور الاستراتيجية للتحول
لخص النموذج التنموي المحاور الاستراتيجية للتحول في اربع محاور، اولها اقتصاد منتج ومتنوع قادر على خلق القيمة المضافة ومناصب الشغل ذي جودة، محور ثان حول راسمال بشري معزز واكثر استعدادا للمستقل، ثم محور ثالث حول فرص الادماج للجميع وتعزيز الروابط الاجتماعية، بينما تم تخصيص المحور الرابع لمجالات ترابية قادرة على التكيف وفضاءات لترسيخ اسس التنمية وما يهم موضوعنا هو المحور الثالث الذي جاء فيه ان مساهمة كل المواطنين في الدينامية الوطنية للتنمية يستوجب ادماج كافة المواطنين وكافة المجالات الترابية في المجهود التنموي الجماعي من خلال المشاركة والولوج المتكافئ الى الفرص الاقتصادية من خلال الحماية الاجتماعية والانفتاح على الغير وتقبل التنوع ومحو كل المعايير الاجتماعية التمييزية وتجاوز النقائص المرتبطة بالمؤهلات والقدرات المسببة في الاقصاء الاجتماعي وفسح المجال لدينامية الادماج .

وطبعا فقد تم التركيز خلال هذه الفقرة على معزوفة الانفتاح على الغير وتقبل التنوع ومحو كل المعايير الاجتماعية التمييزية وتجاوز النقائص المرتبطة بالمؤهلات والقدرات المسببة في الاقصاء الاجتماعي دون ان يملك التقرير الجراة الكافية للافصاح المباشر عن المقصود بهذه المضامين الثاوية وراء تعبيرات الانفتاح وتقبل التنوع والمعايير التمييزية والاقصاء الاجتماعي .

ولا حاجة للتذكير انه من غير الوارد ان يفكر معدو التقرير في تصنيف المجالات الاقل انفتاحا والاقل تقبلا للتنوع والاكثر تمييز واقصاء وهل هذا التقييم السلبي هو مقصور على المجال الديني والقيمي كما يتوهم معدي التقرير، ام تمتد وبشكل افدح الى المجال السياسي والثقافي والفني ثم المجال الاقتصادي ومجال الثروة حيث الهيمنة المطلقة لاقلية محظوظة لا تقبل مجرد الوجود لغير فصيلتها الاوليكارشية احرى ان تقبل الانفتاح والتنوع والتنافس .

فعن اي انفتاح عن الغير في ظل اقصاء جزء من الذات، وعن اي تنوع نتحدث ونحن نمارس واحدية في التفكير واستفراد في التقرير وحيث لا صوت يعلو على صوت التنميط والقولبة للحياة والفكر والذوق على اساس نمط عيش فرداني ومستورد؟، واي مصداقية لمناهضة التمييز الاجتماعي في الوقت الذي تغرق فيه البلاد في انواع كثيرة من الاقصاء والتهميش، وتمارس فيه الوان مختلفة من التمييز ليس على اساس النوع فقط وانما داخل نفس النوع بين نساء المترفين ونساء الكادحين وبين نفس الرجال بين الطبقة المترفة والطبقة المسحوقة فضلا عن التمييز القائم على اساس اثني وفئوي ومجالي وعلى اساس القناعات في الراي والفكر والموقف السياسي، فضلا عن التمييز بسبب الانتماء؟، واخيرا اي اقصاء اكبر من اقصاء فئات واسعة من الحقوق الاساسية كالحق في المواطنة والحق في التمتع بالحقوق السياسية ومنها حق المشاركة وحق التمثيل السياسي والحق في الاعلام والحق في المعلومة والحق في الثروة الوطنية المحتكرة .

1- الخيارات الاستراتيجية:
ضمن هذا المحور، يقترح النموذج التنوي اربع خيارات استراتيجية تم من خلالها التأكيد على دعم استقلالية المراة وضمان المساواة والمشاركة بين الجنسين ودعم ادماج الشباب وتعبئة التنوع الثقافي كرافعة للانفتاح والحوار والتماسك وتأمين قاعدة صلبة للحماية الاجتماعية وتعزز القدرة على الصمود والادماج وتجسد التضامن بين المواطنين.

2- المحور الاستراتيجي الثاني : راسمال بشري معزز واكثر استعدادا للمستقبل :

في هذه النقطة تم المرور مباشرة الى الصحة والتعليم بوصفهما المعنيين بالراسمال البشري وتناسى التقرير المراحل التي يتم فيها ايجاد هذا الرأسمالي البشري الذي هو الانسان من خلال التزاوج والتناسل والتوالد والتنشئة الوالدية التي لا تتم الا في محضن الاسرة وفي كنفها وفي اطار شبكة علاقاتها الرحيمية والمصاهرة والعائلية.

اما عملية التكوين والعناية بالصحة فهي لا حقة عن ما يتم في المرحلة الاسرية ومؤسسة عليه .

وهنا تتضح هفوة التقرير في القفز عن الاسرة بوصفها المصدر الاول للرأسمال البشري والمحضن الاصلي والاول للعناية الطبيعية به صحيا وتعليميا من خلال المكتساب المحصل عليها من المبادئ الاولية في التعليم والصحة، وهو ما يفصح عن خلفيات التقرير في اقصاء الاسرة وعدم احضارها الا في صورة كابح ومعيق ومنطقة رمادية وقضية اشكالية ومصدرا للمعايير التميزية التي تتسبب في الاقصاء الاجتماعي.

كما يظهر اقصاء الاسرة بجلاء عند الحديث عن مؤسسات التنشئة الاجتماعية اذ تم المرور مباشرة الى المدرسة وتم اهمال الاسرة وهو ما يعكس المنظور الاختزالي والرؤية المادية التقنية للتقرير، لانه لا يعترف بدور الاسرة ويأبه بدور الام اتجاه الرأسمال البشري منذ ولادته ورعايته واكسابه مهارات الحياة من تربية حركية وحسية وذكاء عاطفي وتربية على النطق وعلى تسمية الاشياء وادراكها والقدرة على تمييزها والتعرف على المخاطر وتوقيها.

كما تم ايضا تجاهل ادوار المواكبة والمصاحبة التي تظل الاسرة تؤديها لتكميل دور المدرسة او المرفق الصحي وغيرهما.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M