الأطفال ضحايا الطلاق.. رؤية شرعية تربوية

10 مارس 2024 10:02

هوية بريس – د.يوسف فاوزي

لما كان لانتشار ظاهرة الطلاق في المجتمعات المسلمة أثرها في نشأة فئة بارزة من الأطفال ضحايا هذه الظاهرة، كان من الواجب الانتباه لمصير هذه الفئة، والعناية بها وفق أصول الشرع ومقاصده التربوية العظيمة، التي تهدف إلى تربية الطفل تربية سليمة صالحة تؤهله لوظيفة العبودية لله سبحانه، وأداء مهمة الاستخلاف في الأرض، وهي مهمة تحتاج إلى شخصية متزنة نفسيا سليمة من الآثار السلبية التي تفرزها حالة انفصال الأبوين.

فالناظر في جل حالات الطلاق التي تنتهي بوجود أبناء بين الطرفين، ليلحظ أن المسار الشخصي لهؤلاء الأطفال لا يكون طبيعيا، حيث تصير حياة هؤلاء الأطفال مهددة بفقر عاطفي قد ينتج عنه عقد نفسية، تجعل من أصحابها لقمة سائغة لعوالم الانحراف الأخلاقي، نتيجة غياب دور الأبوين في تأمين الجو العاطفي داخل البيت، ويزيد من انتشار هذه المعضلة غياب الثقافة التربوية للأبوين المنفصلين، إذ الواجب الإحاطة بمعلومات حول مرحلة ما بعد الطلاق بخصوص الأبناء.

والشرع الحكيم صان الطفل في كل أحواله، سواء حال بقائه مع والديه أو انفصالهما، فحتى بعد الانفصال -الطلاق- حث الشرع على حسن رعاية الطفل، وذلك بما يلي:

-حفظ حق الحضانة للأم: لأن عاطفة الأم أقوى من عاطفة الأب، والتغذية العاطفية عنصر مهم في نشأة الطفل، ولم يختلف الفقهاء في كون الأم أحق بالحضانة من الأب، حديث عبد الله بن عمر أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليها وسلم فقالت ‏‏”يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء وزعم أبوه ‏أنه ينزعه مني فقال: “أنت أحق به ما لم تنكحي”، أخرجه أحمد والحاكم وصححه ووافقه ‏الذهبي.، والحكمة في إسقاط حق الحضانة للأم بعد زواجها من زوج ثان هي الخوف على الطفل من ضرر نفسي أو مادي يلحقه من هذا الزواج الثاني، فناسب أن تسقط عنها الحضانة.

-حفظ الاحترام بين الطرفين أمام الطفل: فالمشاهد في الواقع المعاش أن أغلب حالات الطلاق تعرف غياب الاحترام بين الطرفين بعد الطلاق، بقصد الانتقام، ومحاولة كسب الأبناء ضد طرف معين، وهذا من شأنه بث روح العداوة، بل ولربما كان سببا في تكريس عقدة نفسية لدى الطفل تجاه أحد والديه، أو توريطه في عدم القيام بواجب البر المفروض عليه شرعا، وحفظ الاحترام أمام الطفل يرسخ في ذهنه فكرة مفادها أنه رغم الانفصال فلكل طرف من الوالدين حقه من التقدير والاحترام والبر، وهذا سيساعد بشكل كبير في السلامة النفسية للطفل.

-حفظ كرامة العيش للطفل: فبعد الطلاق يجب حفظ كرامة عيش الطفل، بتوفير أساسياته في الحياة، من طعام وشراب وكسوة وتعليم وتطبيب، بدل أن يكون عالة على المجتمع، وللأسف فإن الكثير من الآباء يتهربون من النفقة، بقصد الانتقام من الطرف الآخر، غير مكترثين بمصلحة الطفل، ومتجاهلين أن هذا الإهمال قد ينعكس سلبا على شخصية الطفل، كالتسول والاتكال على الآخرين، والسرقة، وكره الوالدين، وغيرها من الآفات النفسية والسلوكية.

-حفظ مشاركة كلا الطرفين في تربية الطفل: فلا ينبغي أن تكون هناك قطيعة بين الطرفين تسبب عدم التواصل بينهما في رعاية الطفل والنظر في مصالحه، بل يجب إبقاء التواصل مفتوحا قصد التعاون في سبيل التسيير السليم لحياة الطفل، وعدم إحساسه بالوحدة والإهمال.

-حفظ مقصد صلة الأرحام: فالطلاق لا يعني منع الطفل من صلة رحمه من جهة الوالدين، بل إن صلة رحمه يعطيه شعورا بالانتماء للعائلة التي تقف بجانبه في السراء والضراء، وعدم إحساسه بالوحدة والعزلة عن الوسط العائلي بسبب انفصال الوالدين كجزء من الحرب الانتقامية بين الطرفين.

هذا وغيره من المقاصد العظيمة التي حرس عليها الشارع الحكيم في سبيل تنشئة جيل صالح، جيل لا تدمره الأزمات والنكبات، بقدر ما تصنع منه شخصية مؤمنة قوية قادرة بعون الله على رعاية نفسه وتأدية واجباته، وهذا ما يجب أن تقوم به الجمعيات التي نصبت نفسها مدافعة عن القيم وعن الطفولة والأسرة، وتقديم ما يمكن تقديمه لصالح هذا المجتمع، لتقليل دائرة الطلاق في المجتمع أولا، وحفظ الأطفال ضحايا هذه الظاهرة ثانيا، وبالله التوفيق.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M