الإبراهيمية على أرض الواقع… كيف تصطاد الإبراهيمية فرائسها؟

الإبراهيمية على أرض الواقع… كيف تصطاد الإبراهيمية فرائسها؟
هوية بريس – متابعات
في حلقة له بعنوان “الإبراهيمية على أرض الواقع… كيف تصطاد الإبراهيمية فرائسها؟”، أوضح الدكتور محمد العوضي أن المشروع لم يعد مجرد شعار نظري أو دعاية إعلامية، بل تحوّل إلى خطة عملية محكمة تُنفَّذ عبر مؤسسات ضخمة لها تمويل وحضور وتأثير على الأرض. إذ المسألة، وفق قوله، لم تعد ترتبط بمبادرات فردية أو اجتهادات شخصية، وإنما بمشروع متكامل يعيد تشكيل الوعي الديني والعقائدي للمجتمعات، عبر ذوبان الفوارق الجوهرية بين الأديان، وتحويل الدين إلى كلمة مطاطة بلا خصوصية ولا هوية.
ويشير العوضي إلى أن التسارع الكبير في هذه المشاريع يفرض على المسلمين الوعي واليقظة، والاطلاع على آليات “الديانة الإبراهيمية” وكيف تعمل على الواقع. ثم ينتقل إلى تحليل خمس مؤسسات كبرى يرى أنها تمثل الأدوات الأخطر في عملية اختراق المجتمعات الإسلامية، وإعادة تشكيل وجدانها الديني بما يخدم أجندة سياسية عالمية ترتبط بالصهيونية وتمويلات غربية واسعة.
في معالجة المؤسسة الأولى، يتوقف العوضي عند “بيت العائلة الإبراهيمية” الذي تأسس عام 2019، ويصفه بأنه عنوان خادع ولمّاع، يجمع مسجدا وكنيسة وكنيسا في مبانٍ متساوية شكلا وحجما ومساحة، بما يؤسس لفكرة “تكافؤ الأديان”، ويزيل الحدود بين الحق والباطل. ويشرح كيف أن المشروع يقوم بتنظيم مئات الفعاليات سنويا، مستهدفا الأكاديميين والطلبة والقيادات المجتمعية، مع جولات تعليمية، وبرامج بلغة برايل والإشارة، وسلسلة فعاليات فنية وموسيقية ضخمة، تم اختيارها لتمرير الرسالة الإبراهيمية عبر البعد الناعم الذي يخاطب الجماهير بأوسع صورها.
ثم ينتقل ذات المتحدث إلى المؤسسة الثانية: “مسار إبراهيم”، والذي تأسس بمبادرة من جامعة هارفارد ووزارة الخارجية الأمريكية، ويتخذ شكل “رحلة حج سياحية” في ظاهرها، لكنها -كما يبين- تعمل على بناء ذاكرة جديدة تعيد تشكيل علاقة المسلمين بتاريخهم ورموزهم. ويرصد العوضي بقلق كيف أن المسار يطابق تقريبا حدود “إسرائيل الكبرى”، وكيف أن أنشطته -من ورش للشباب ومحاكاة حوارية- تهدف إلى إنتاج “مواطنة إبراهيمية” تُستخدم كأداة ناعمة لفرض حضور سياسي وثقافي جديد في المنطقة، بدعم مالي ضخم يصل إلى ملايين الدولارات.
وفي المؤسسة الثالثة، يركز العوضي على “المجلس العالمي للأئمة”، ويعتبره الأخطر، لأنه يستهدف المؤسسة الدينية ذاتها، معلِّقا بسخرية مرة: “من يصلح الملح إذا الملح فسد؟”. ويوضح أن هذا المجلس الذي يضم أكثر من 1500 إمام من 80 دولة، بدأ بشعار “الإسلام المعتدل”، لكنه انخرط -من وجهة نظره- في خدمة المشروع الإبراهيمي من خلال سلسلة مواقف بارزة، مثل “إعلان أوتاوا” الذي أعلن فيه التزامه الكامل باتفاقات أبراهام، ومشاركته في تطوير مناهج تعليمية مستوحاة من تلك الاتفاقات، والمشاركة في إفطارات رمضانية مشتركة، وصولا إلى اعتماده تعريفا لمعاداة السامية احتُفي به في الكيان الصهيوني.
ثم يتناول المؤسسة الرابعة: “منظمة لمّ الشمل الإبراهيمي”، التي تأسست عام 2006، وتعمل على تجميع قيادات دينية من اليهود والمسيحيين والمسلمين والدروز، لبناء ما تسميه “الثقة الإبراهيمية”. ويشرح كيف أن المنظمة توسعت في برامجها السنوية، وأنشأت قمما للسلام تستهدف رجال الدين والمربين، وتسعى لصياغة خطاب ديني إبراهيمـي موحّد، إضافة إلى برامج الشباب التي تستقطب مئات المشاركين عبر الرحلات والورش والزيارات للأماكن المقدسة، مع ممارسات رمزية تجمع بين الصلوات والأدعية المشتركة، ما يعد تحريفا واضحا لعقيدة التوحيد.
أما المؤسسة الخامسة والأخطر، فهي “مركز الدين من أجل السلام”، الذي تأسس منذ عام 1970 في نيويورك، ويضم عشرات الديانات وأكثر من مئة دولة، ويقدم نفسه كمنصّة لتحريك القيادات الدينية نحو “السلام الإبراهيمي”. ويرى العوضي أنه يعمل على تحويل الدين إلى أداة سياسية تُستخدم لتجميل جرائم الاحتلال، وصناعة صورة شرق أوسط جديد، متسامح في الظاهر، مغيَّب عن حقائق الإبادة والعدوان في الواقع.
ويخلص الدكتور العوضي إلى أن هذه المؤسسات ليست مجرد أفكار أو نصوص، بل منظومة كاملة مدعومة بمليارات، تعمل على مدار الساعة، وتستخدم كل الأدوات الناعمة والخشنة، حتى وصلت إلى توظيف الأئمة والخطباء في مشروع صهيوني لاختراق الأمة. ويؤكد أن خطورتها تكمن في أنها تتحرك بالتوازي مع الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون، فهناك مشروعان يسيران معا: مشروع يقتل الناس، ومشروع يقتل العقيدة، وكلاهما يخدم الآخر. وينبّه العوضي إلى أن أخطر مداخل الإبراهيمية هو الاستهانة بها، أو التعامل معها كأفكار مثالية طوباوية لا أثر لها في الواقع، داعيا إلى الوعي، وإلى وضع العقيدة في صدارة سلاح المقاومة الفكرية.
هذا وقد تفاعل مع الحلقة علماء وباحثون حذروا من المخاطر العميقة لهذا المشروع، حيث عبّر د. سامي عامري عن قلقه من اتساع دائرة الدعم المالي والإعلامي والسياسي لمشروع الإبراهيمية، واعتبره محاولة متواصلة لنقض عرى الإسلام وخلق بيئة فكرية تُذيب أجيالا من المسلمين في “حوامض الهرطقة”، محذراً من الانشغال بفتات الدنيا على حساب مهمة دفع الباطل والقيام بحق البلاغ والبيان. وذكّر بأن الإسلام باقٍ، لكنّ أبناءه قد يتعرضون لتمييع خطير إن لم يوجد وعي وممانعة.
أما د. رشيد بن كيران فقد دعا إلى الاستماع الهادئ والمتبصر لحلقة د.محمد العوضي، مؤكدا أن ما يُسمّى بالدين الإبراهيمي هو مشروع منحرف يسعى لخلق دين بديل، وأن أخطر ما فيه توظيف بعض المؤسسات الدينية وخطباء المساجد في الترويج له. وذهب أبعد من ذلك حين ربط بين الإلزام بالخطبة الموحدة وعمليات التحضير لتمرير هذه الإيديولوجيا، معتبرا الأمر جزء من انخراط غير معلن في اتفاقيات أبراهام وخدمة لأجندة صهيونية عالمية، هدفها تكميم الأفواه ثم فرض رواية دينية هجينة على المسلمين.



