لعلكم تتقون..الآن

23 مارس 2023 16:55

هوية بريس – ابراهيم أقنسوس

تتحدد الغاية المثلى من رمضان، ضمن الآية التي تؤكد على مشروعية الصيام، بالنسبة إلى المؤمنين والمؤمنات، في كلمتين اثنتين، هما (لعلكم تتقون) ؛ هذه هي العبارة التي يتم تداولها بشكل كبير خلال هذا الشهر، وتتصدر جل أحاديث العلماء والوعاظ، دون أن نتمكن من الحصول على إجابة دقيقة وواقعية، عن السؤال، الذي يجب أن يتجدد، ماذا تعني التقوى اليوم ؟؟، وكيف يمكن أن تتجلى، بعد أن ينصرف المسلمون والمسلمات من دور العبادة، ويؤدوا شعيرة الصيام والقيام ؟

يسهل أن نلاحظ هذا الإقبال على عمارة المساجد، وعلى قراءة القرآن الكريم، وتلاوة الكثير من الأذكار والتبتلات، خلال هذا الشهر، لكن السؤال الذي يتجدد كل عام، ما الذي يتغير، بعد كل هذا ؟، ولماذا لا نستفيد الإستفادة المرجوة، من روحانية هذه الشعيرة التعبدية، التي يسميها العلماء، بميزان العام، والتي يفترض أن تأتي لتعيد الأمور إلى أصلها المعقول والصحيح، وتضبط التوازن الشخصي والإجتماعي للأفراد والمجتمعات المسلمة. يبدو أن علينا أن نكف عن كثرة الكلام، وتكرار ما لا يفيد من الأحاديث، ونركز رأسا على المرامي والغايات التي نريدها هذا العام، من صيام هذا الشهر الآن. أزعم، أن هناك تحديين كبيرين، إذا استطعنا أن نتجاوزهما ونعالجهما، سنكون قد حققنا الكثير في هذا الشهر الكريم والآن.

التحدي الأول مادي : ويعني علاقتنا بآفة الإستهلاك، في رمضان، إذ يلاحظ أن لدينا مشكلا كبيرا في علاقتنا بعادات الأكل، وفي رمضان بخاصة، حيث يتجلى هذا المشكل بوضوح، ويكفي التأمل في جل أحاديثنا في هذا الشهر، لنلاحظ أن ما يغلب عليها، هو ماذا أكلنا وماذا سنأكل، وكيف سنتدبر المائدة ؛ هل نحن أمة جائعة، أو تخاف الجوع ؟

بما يمكن أن تحمله هذه العبارة من معاني ؛ مامعنى هذا الإفراط في الحديث عن الأكل في رمضان، وما معنى هذا الجشع والهلع، الذي يرافق تدبيرنا لمائدة الإفطار بخاصة؟

وما معنى هذا الحرص على توفير الكثير من الأطباق في رمضان، والحرص على تناولها جميعا، بصرف النظر عن قيمتها الغذائية والصحية؟؟

ودون الإنتباه إلى كلفتها المادية الباهظة، ومع هذه الموجة العاتية من الغلاء ؛ السؤال العريض ؛ الذي يقفز هاهنا، ما علاقة رمضان بكل هذا ؟. والملاحظ أنه، بقدر ما تنتشر الأحاديث المرتبطة بالأكل والمأكولات، أو مانسميها ب(الشهيوات)، تنتشر في المقابل، الأحاديث المعنية بالسلوكات الصحية السليمة، لكن النتيجة في النهاية واحدة، مفادها، فشلنا الواضح في تدبير علاقتنا بالأكل، الذي يعني فشلنا في تدبير علاقتنا بأجسامنا، وعدم تمكننا من التعاطي معها بعلمية وإيجابية، وعدم جديتنا في حمايتها من الأسقام والعلل، المرتبطة أساسا بعاداتنا الغذائية، غير السوية ؛ وإذا لم نقم بتصحيح هذه الأخطاء في رمضان، فمتى نفعل ذلك ؟، دون أن ننسى طبعا، أن تحويلنا إلى كائنات استهلاكية لاواعية، أمر مقصود لذاته.

التحدي الثاني : ويعني جانبنا التربوي والقيمي، الذي يعج بالكثير من التناقضات، والمتعارضات التي تتطلب التحليل والفهم، إذ يستطيع الكثيرون منا بقدرة قادر، الجمع بين السلوك ونقيضه، بلا أدنى تحرج أو ندم ؛ يحرصون على إتمام صلاة التراويح مع الإمام، ثم لا يجدون حرجا بعدها مباشرة، في اقتراف العديد من الأخطاء والخطايا علانية ؛ في اغتياب الناس ؛ في ممارسة الكذب بأنواعه ؛ في التلفظ بالكلام البذيء ؛ في الغش في الأعمال ؛ في التملص من المسؤوليات، والتغيب عن الوظائف، بالنسبة للمهنيين، وفي التطفيف في الميزان، والتدليس في الصناعات، بالنسبة لأصحاب الحرف. إن هذا التناقض الصارخ، بين الأقوال والأفعال، وإن هذا الجمع غير المعقول، بين الإقبال الظاهري على العبادات، وبين سوء المعاملات، يكاد يعم جل الشرائح الإجتماعية في بلادنا، بكل مستوياتها ومسؤولياتها، وهو من أبرز أسباب تخلفنا وتراجعنا، على كل المستويات والأصعدة ؛ وإذا استطعنا في هذا الشهر الكريم، أن نعالج هاتين الآفتين الكبيرتين، المادية المرتبطة بأجسامنا وذواتنا، والتربوية المرتبطة بقيمنا الفردية والإجتماعية، وأن نجد لهما حلولا، ولو في حدودها الدنيا، سنكون بالفعل قد صمنا رمضان، وسنكون بالفعل، قد اقتربنا من الفهم الصحيح، ومن التمثل الواعي والفاعل والواقعي، لقوله تعالى : (لعلكم تتقون) سورة البقرة.(الآية : 182).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M