شهدت ألمانيا في 28 نوفمبر 2018، انعقاد النسخة الرابعة لمؤتمر “الإسلام الألماني” برعاية وزارة الداخلية الألمانية.
في الوقت الذي يركز فيه الرأي العام نقاشاته المتعلقة بالمؤتمر حول تقديم لحم الخنزير للمشاركين من المسلمين، نلاحظ غياب المسألة الرئيسية في هذا الخصوص عن الأذهان.
قبل كل شيء فإن الترجمة الصحيحة عن الألمانية لعبارة “Deutsche Islam Konferenz” ليست “المؤتمر الإسلامي بألمانيا” بل “مؤتمر الإسلام الألماني”، وهذه هي الترجمة المعتمدة باللغة التركية على الموقع الإلكتروني لإدارة المؤتمر. هذه التسمية لم يتم اختيارها بشكل عشوائي، بل اختيرت عن قصد يعكس جوهر المشروع. الهدف من هذا المشروع (كما يتم الإفصاح عنه بشكل غير متعمد)، هو قطع صلات المسلمين بعقيدة الإسلام العالمية، وإنهاء العلاقة القائمة بين المسلمين المهاجرين وبين أوطانهم، ووضعهم ضمن صيغ معينة على المدى القريب والمتوسط.
لذا فإن هذا المشروع الذي يخالف في جوهره الدستور الألماني، قد أُعد لتحقيق هذا الهدف المعلن في مناسبات مختلفة، سواء من قبل وزير الداخلية الألماني أو مستشاريه. إلا أن مناقشة المكانة التي اختارتها الجماعات الإسلامية لنفسها تجاه هذا المشروع، سيكون أفضل من الحديث عن الأهداف التي وضعتها وزارة الداخلية الألمانية.
المنطق الذي تقوم عليه استراتيجية “المؤتمر الإسلامي الألماني”، لا تتضمن بأي شكل من الأشكال تأسيس منصة للحوار المفتوح، بل من الواضح أن الهدف من تأسيس هذا المكون هو تحقيق غاية معينة من جانب واحد. هذا المنطق يقوم أولا على فتح الباب أمام الالتزامات التي ظهرت مع الوجود الدائم للمسلمين، بالتزامن مع وجود أوهام تستند إلى فرضيات أيديولوجية، بدلا من اتباع نهج معتدل ضمن إطار النظام الاجتماعي التعددي الديمقراطي. ولتغطية هذا الأمر، يتم إسناد المشاكل إلى أطراف أخرى. لهذا السبب فإن المنطق المذكور لا يستطيع تجاهل خطاب الهيمنة الخاصة به. التصورات والتسلسلات الهرمية التي تم إنشاؤها، تستهدف التقسيم والصهر عبر القضاء على الهوية، وتعريف المسلمين على أنهم “الآخر”، مع التأكيد دوما على نقائصهم، فضلا عن التفضيل عليهم عبر الوعد بقبولهم في حال التغيّر أو التشبّه وفقد التمايز.
إحدى النتائج التي أدى إليها الخيال السياسي، هو النظر إلى الإسلام على أنه عنصر تهديد. ترسيخ هذه المخاوف وتناول المسائل من الناحية السلبية فقط بدل عرقلة مثل هذه النتائج، تؤدي إلى ازدياد النتائج السلبية. وبالتالي فإن هذا النهج يدفع الناس في مجتمع تعددي، إلى التفكير بأن توسع رقعة الإسلام أمر يعادي المسيحية والتأثير المسيحي للبلاد.
“مؤتمر الإسلام الألماني” هو في الأصل عبارة عن مشروع لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني، لذا يمكن استغلال هذه المنصة في سبيل الحسابات الاستراتيجية للحزب المذكور. وتعتبر دعوة النقاد المناهضين للإسلام الذين يتفوهون بما لا تستطيع قوله الدولة الألمانية، لحضور المؤتمر، بمثابة خطوة للتظاهر تجاههم بأنهم جزء من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وذلك بغرض عرقلتهم لتشكيل حزب جديد. وبهذا يكون المسلمون قد تم استغلالهم في سبيل غايات وأهداف الحزب السياسي وحساباته الاستراتيجية. حتى أن هذا المشهد يتم الترويج له على أنه “حفاظ على الوحدة الاجتماعية والحيلولة دون الاستقطاب”.
أما مشاركة المسلمين في مؤتمر الإسلام الألماني فيضفي الشرعية عليه، إذ أنه في حال عدم مشاركتهم ستنتهي شرعية المؤتمر، وستتشكل الأرضية اللازمة لمناقشة القضايا والمسائل التي يجب الحديث عنها أصلا.
لهذا السبب فإن مشاركة الجماعات الإسلامية في ألمانيا أمر ذو أهمية بالغة بالنسبة إلى وزير الداخلية الاتحادي. لكن وللأسف، فإن بعض المؤسسات والشخصيات التي شاركت في المؤتمر، بعيدة عن أن ترى نفسها عنصرا فاعلا، بل حتى أنهم يعتبرون الدعوة لهذا المؤتمر بمثابة تفضل عليهم. وكنتيجة لمشاركتهم هذه، أضفوا الشرعية على هذا المشروع وعلى الخطابات الموجهة للمسلمين، والتي تستهدف فرض الهيمنة عليهم ضمن المجتمع الألماني. وبالتالي يكون المسلمون قد تقبلوا وجهة النظر التي تعتبرهم مشكلة بحد ذاتها.
الخلاصة، لا يمكن أن يكون “المؤتمر الإسلامي” مشروعا بناء إلا في حال إعادة تصميمه على أساس مجتمع قائم على التعددية والثقافية المعاصرة. ويجب أن يكون هذا المفهوم الجديد موافقا لالتزامات المجتمع التعددي، وأن يتضمن سياسة اعتراف تركز على البنود الآتية:
يجب التخلي عن النظر إلى امتلاك الأديان المختلفة حقوقا متساوية على أنه تهديد تجاه الوحدة الاجتماعية، إذ أن هذه الوحدة تترسخ مع حرية التنوع، والاندماج يجب ألا يعني “التشبّه وفقدان التمايز”.
الاندماج له علاقة مباشرة مع منح الحقوق المتساوية لكافة المؤسسات الاجتماعية في مجال الأعمال، والتعليم، والإعلام والسياسية وغيرها، وتأمين مشاركتها في المجتمع بشكل عادل أيضا. وانطلاقا من هذا يجب السماح للمسلمين بمزاولة كافة حقوقهم التي يتمتعون بها.
بإمكان الدولة تحديد الإطار من أجل الانصهار الاجتماعي التطوعي، لكن عليها أن تتيح البدائل أيضا، وألا تجعل الانصهار أمرا محتما عبر الطرق السياسية.
على الدولة ألا تحفز تشكيل رأي عام ضد المسلمين، وأن تحترمهم كما تفعل ذلك مع الكنائس. وأن تترك المباحثات للمجتمع المدني.
يجب مكافحة التمييز والعنصرية: يجب التصدي لمعاداة الإسلام كما يتم التصدي لكافة أنواع التمييز والعنصرية ضد الإنسان.
كما أن قوانين تحديد نمط اللباس لا مكان لها في المجتمعات الحرة، لذا يجب إزالة هذه القوانين أيضا.