الإسلام واحد ولا وجود لإسلام قُطري
هوية بريس – د.عبد الرحمن زحل
في كل مجتمع وزمان يُحدث الناسُ في معتقداتهم وأديانهم ما يخالفها، ولهذا بعث الله الأنبياء سابقا ليدعوا الناس إلى التوحيد الخالص وينهوهم عما أفسدوه به نتيجة اتباعهم وساوس إبليس التي يزين بها سوء أعمالهم.
وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بقصة أول من ترك عقيدة التوحيد من الناس وهم قوم نوح، وكيف كان توقير أجدادهم للعُبّاد الصالحين الخمسة منهم (وُدّ وسُواع ويغوث ويعوق ونسر) وسيلة إبليس لاستدراجهم لصناعة تماثيل لهم، بدعوى تذكيرهم بعبادتهم وما كانوا فيه معهم من أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، حتى ينشطوا للطاعات برؤية تماثيلهم، وكيف تحول الأمر بعد أجيال من توقير وتذكير إلى عبادة تلك التماثيل من دون الله زمان نوح.
ولذات القصد والغرض يبعث الله بعد الأنبياء مجددين على رأس كل قرن، ولذلك ادعاء كون الخرافات والمخالفات التي يقع فيها بعض المسلمين في المغرب أو المشرق أو أي مكان وفي أي زمان إسلاما خاصا بهذا المكان أو الزمان فهو جهل بعالمية الإسلام وادعاء لعدم اكتمال الدين بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وربنا جل وعلا قال: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا)، وقال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). فلا وجود إذن لإسلام مغربي أو تركي أو مشرقي أو هندي… فالإسلام دين واحد. وأما الأعراف الخاصة بأهل بلد ما غير المخالفة لشريعته وعقيدته فأقرّها الإسلام وجعلها مُحكَّمة يُعوَّل عليها في تنظيم حياة الناس والفصل بينهم في نزاعاتهم.
وكذلك الأمر عند الحديث عن توحيد القُطر على مذهب فقهي واحد، جمعا لكلمة الأمة القُطرية خاصة في ظل الدول الإسلامية القطرية، وإحقاقا للعدل بتوحيد أحكام القضاة ومثل ذلك من المصالح فلا إشكال فيه، وتُقر هذه الخصوصية لموافقتها الشرع وعدم مخالفتها لقطعياته مع ما فيها من جلب المصالح ودفع المفاسد عن عموم الأمة. ولكن مخالفة شرائعه وعقائده القطعية المجمع عليها فلا يُمكن تسويغه لا بقوة جهات رسمية ولا بقوة جماهير منحرفة، فالحق حق والباطل باطل، والحق يعرف بقوة دليله لا بكثرة أنصاره أو قوة جنده. والحمد لله رب العالمين أن قيض لهذا الدين مجددين علماء ينصرونه ويبينون أحكامه ويزيلون عنه ما التصق به من دَخن في كل زمان ومكان.