الاحتجاجات العراقية.. دلالاتها وتداعياتها (تحليل)
هوية بريس – وكالات
أسبوع كامل على بداية الاحتجاجات في مناطق جنوبي العراق دون مبادرات حكومية جادة تستجيب لمطالب المحتجين، من أجل تفادي انفلات أمني واسع سيكون حتما خارج السيطرة، طالما لا تزال الدولة عاجزة عن نزع أسلحة المجموعات الشيعية المسلحة في هيئة الحشد الشعبي وخارجها.
إضافة إلى ترسانة ضخمة من الأسلحة المتوسطة والثقيلة، تحوزها عشائر الجنوب كثيرا ما استخدمت في النزاعات العشائرية أو المواجهات مع القوات الأمنية.
وتعكس مطالب المحتجين بطابعها الخدمي، مساحة كبيرة من حالة تدني مستوى الأداء الحكومي طوال سنوات ما بعد الاحتلال، لظروف بدت موضوعية في بعض الأحيان نتيجة حالة عدم الاستقرار الأمني.
في المقابل، تفشي ظاهرة الفساد المالي والإداري على نطاق واسع دون وضع حلول جذرية لمكافحته، وهي على الأقل إلغاء المحاصصة السياسية التي تفرض على رئيس الوزراء تعيين مرشحي الكتل السياسية في مناصب سيادية بصرف النظر عن الكفاءة والخبرة، مع هامش صغير أمام رئيس الوزراء للاختيار بين أكثر من مرشح.
ويأتي حل أزمة الكهرباء على رأس أولويات المحتجين في البصرة، وعموم المحافظات الجنوبية، إضافة إلى إقامة مشاريع في المحافظة لتحلية المياه، وتوفير الطاقة الكهربائية، وتسريع نقل مصفاة البصرة لتكرير النفط، ومشاريع أخرى لإيجاد فرص عمل جديدة تحد من ارتفاع نسبة البطالة.
اتسع نطاق جغرافية الاحتجاجات الراهنة ليشمل محافظات العمارة والسماوة والناصرية التي حاصر محتجون مقر إقامة المحافظ، وكربلاء والنجف أيضا التي شهدت اقتحام مطار المدينة من محتجين غاضبين في الساعات الأولى من ليل الجمعة 13 يوليوز، وتعطيل حركة الملاحة الجوية في المطار، والتي استؤنفت بعد انسحاب المحتجين.
وتتشابه مطالب المحتجين في البصرة مع مطالب قرنائهم في محافظات الناصرية والكوت والعمارة، لكن البصرة انفردت في مطالبة الحكومة بتوظيف أبنائها في شركات النفط العاملة في المحافظة.
كما أن محافظة البصرة تنفرد عن باقي المحافظات بحزمة واسعة من الأزمات المتراكمة دون خطوات حكومية جادة لحلها، كنقص المياه الصالحة للشرب، وارتفاع نسبة الملوحة في الأراضي الزراعية، وتكرار انقطاع الكهرباء، وزيادة البطالة، وأزمة الإسكان، وإعادة تأهيل البنى التحتية لمحافظة هي من بين أكثر المحافظات التي توفر لميزانية الدولة المزيد من الإيرادات من حقول النفط والغاز والموانئ والزراعة وغيرها.
أعطى قطع مئات المحتجين للطريق البري بين البصرة ومعبر الشلامجة على الحدود مع إيران في 12 يوليوز، إشارات لدور إيراني مفترض في الأحداث التي تشهدها المحافظة منذ الاثنين 9 يوليوز.
وأدى قرار إيران إيقاف إمداد محافظة البصرة بالطاقة الكهربائية، إلى احتجاجات “مطلبية” لزيادة عدد ساعات التغذية بالكهرباء.
ركز المحتجون على القطاع النفطي بشكل أكبر من خلال استهداف المنشآت النفطية باقتحام مكاتب شركة نفط الجنوب في البصرة والسيطرة عليها، وإغلاق الطرق المؤدية إلى مصافي النفط، ونصب الخيام بالقرب من حقول النفط تعبيرا عن الاحتجاج على عدم استفادة مواطني المحافظة من الثروات النفطية، مع إقرار الدستور العراقي بحصة المحافظات المنتجة للنفط من الإيرادات.
واستعادت القوات الأمنية السيطرة على مكاتب شركة نفط الجنوب بعد ساعات من سيطرة المحتجين عليها، واعتقال ثمانية أشخاص استغلوا حالة الفوضى لسرقة بعض المعدات من حقول النفط، وسلمتهم إلى القوات الأمنية التي عززت مواقعها بعد وصول قوات من جهاز مكافحة الإرهاب لحماية المنشآت النفطية، الجمعة.
عاشت الحكومة العراقية أزمات عدة قبل الانتخابات الأخيرة، تفاقمت حدتها بعد الانتخابات في ظل انقسامات بين الكتل السياسية داخل “البيت الشيعي”، والتنافس الحاد على تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عددا لتشكيل الحكومة الجديدة.
وتأتي الاحتجاجات في محافظة البصرة ومحافظات الجنوب لتزيد من حدة الأزمات وتداعياتها.
وأثارت الأزمة قلق دول الجوار الخليجي، فدولة الكويت تتخوف من تفاقم الأزمة على حدودها الشمالية، واستقدام المزيد من المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، وهو ما يثير قلق المملكة العربية السعودية أيضا.
ولا تبدو القوات الأمنية في موقع القوة القادرة على كبح جماح انفلات المجموعات الشيعية المسلحة على الحدود مع الكويت، كما أن النفوذ الواسع لقادة تلك المجموعات في الأجهزة الأمنية يجعل قرارها مرتهنا لها إلى حد بعيد، يمنع أي تصادم مسلح أو أي محاولة لوقوف القوات الأمنية في وجه المجموعات المسلحة والتصدي لها.
ورفعت وزارة الداخلية الكويتية درجة الاستعداد في صفوف أفرادها إلى حالة الاستنفار القصوى، تحسبا لأي تطورات غير محسوبة على حدودها مع العراق أو قرب منشآتها النفطية.
وتتحسب الكويت من تصاعد الاحتجاجات واتساع نطاقها إلى محافظات أخرى، واحتمالات فقدان الحكومة المركزية سيطرتها على الأوضاع، ما قد يؤدي إلى حالات نزوح خارج قدرات دولة الكويت، وهو احتمال ضعيف لكنه غير مستبعد.
قبيل مغادرته إلى بروكسل لحضور مؤتمر التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش، أوفد رئيس الوزراء حيدر العبادي في 11 يوليوز لجنة من خمسة وزراء إلى مدينة البصرة، للاستماع إلى مطالب المحتجين وإيجاد حلول سريعة لأزمات المحافظة، من خلال سلسلة من الاجتماعات مع مسؤولي الحكومة المحلية وقادة عشائريين وممثلين عن المحتجين، أعلنت بعدها اللجنة خططا لمشاريع خدمية مستقبلية لرفع مستوى الخدمات، وتعزيز القطاعين الصناعي والزراعي.
وأعلنت اللجنة تخصيص 10 آلاف فرصة عمل لسكان المحافظة، وتقديم ملياري دولار بشكل عاجل لتطوير قطاع مياه الشرب، وزيادة عدد ساعات إمدادات الطاقة الكهربائية خلال الأيام القادمة، بعد إجراء اتصالات مع إيران التي يشتري منها العراق معظم حاجة المحافظة من الطاقة الكهربائية.
الحلول التي طرحتها اللجنة الوزارية عكست الاستجابة السريعة لمطالب المحتجين، لكن الأزمات المتراكمة التي تعيشها المحافظة لا يمكن الخروج منها بحلول “ترقيعية”، دون معالجة جذورها الحقيقية في وضع خطة تنمية مستدامة طويلة الأجل شاملة لكل العراق، بعد حزمة من الإصلاحات السياسية الجذرية المتمثلة في اجتثاث الفساد المالي والإداري، ومكافحة الفاسدين المتنفذين والذين لا يزالون خارج سلطة القانون.
من المستبعد أن تتطور الاحتجاجات التي تشهدها المحافظات الجنوبية إلى انتفاضة شعبية واسعة، تؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة أركان “البيت الشيعي” المهيمن على السلطة والموارد في العراق، كما لا توجد مؤشرات على انتقال الاحتجاجات من “مطلبية” إلى احتجاجات سياسية رافضة للنظام القائم.
ولا تزال الاحتجاجات في عمومها محصورة في نطاق جغرافية المحافظات ذات الأغلبية “الشيعية”، وليس ثمة احتمالات لمشاركة العرب السنة في مثل هذه الاحتجاجات، لاعتبارات تتعلق بطبيعة المطالب وبعدها عن “التسييس”.
رغم أن الأزمات التي استدعت خروج المحتجين هي ذاتها التي تعانيها المحافظات السنية التي تشهد مجتمعاتها المحلية حالة من الانقسام البيني، والخشية من استخدام الحكومة للقوة “المفرطة” ضد المحتجين، قياسا على المعالجة الأمنية التي اعتمدتها الحكومة في التعامل مع الاحتجاجات التي شهدتها محافظاتهم طوال عام 2013.
عندما يكون الشيعة تحت حكم السنة يعيشون في كرامة، و لانهم داااائما لا يحمدون الله مثل بعض شيعة بلجيكا المغاربة و هم قلة، تجدهم دائما يحاولون ان تحكمهم عمائم الظلام…
و بعدها الذل و الفقر و الجهل و الاغتيالات و المشانق…
الانسان الضعيف الشخصية دائما يرى في من لا يحكمه و سيلة للاستقواء