“التجسس” بين الممنوع و المباح..
هوية بريس – يونس فنيش
كثر الحديث عن “تهمة التجسس” في الصالونات و المقاهي و النوادي بين عامة الناس إلى درجة أن مصطلح “التجسس” كاد أن يفقد معناه، فكان لابد من تدخل حكيم القبيلة، في الرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة…:
“التهمة تحتاج إلى دليل. ولكن التهمة توجه لمن تحوم حوله شبهة قيامه بعمل ممنوع. و إلا فهي ليست تهمة بل كلاما فارغا. التجسس نوعان: المباح و الممنوع. و أما المباح، فهو الذي يهدف إلى تطبيق القانون بنية حسنة لمكافحة الجرائم الكبرى. و أما الممنوع طبعا و بصفة عامة، فهو الذي يقتحم الحياة الشخصية لعامة الناس بهدف تخويفهم و ترويعهم و الإنتقام منهم بدون موجب حق من طرف جهة خاصة أو لصالح جهة خاصة.
و لكن في ما يخص العلاقات بين دول العالم، فهل سبق أن خلت من “التجسس” على الأصدقاء قبل الأعداء عبر العصور و كل الأزمان…؟ و منذ متى كانت سفارات العالم بأكمله و وزارات خارجية الدول عبر الكرة الأرضية لا تتجسس؟ فهل هذا ممنوع؟ بالطبع لا، لأن ثمة وظيفة من وظائف الديبلوماسية كما هو معمول به في كوكب الأرض شئنا ذلك أم أبينا… إذا ف”التجسس” ليس تهمة في هذه الحالة.
و من زاوية أخرى، إن توجيه تهمة “التجسس”، مثلا أو افتراضا، لدولة ما من طرف جمعية من الجمعيات أو جريدة من الجرائد أو صحيفة من الصحف، كمن يتهم أحدا من العوام بشرب قهوة الصباح. فمنذ متى كانت قهوة الصباح ممنوعة؟ لا يمكن أن يكون فعل شرب قهوة الصباح ممنوعا لأن هذا شيء يقوم به الجميع و متعارف عليه و متداول. إذا فلا داعي لتهويل أبله لكلام فارغ… أم أن القهوة ممنوعة على “الصغار” فقط؟ ربما… ولكن كل “صغير” لما يكبر يصبح من حقه ارتشاف قهوته الصباحية لأنه بات كبيرا، و على “الكبار” الآخرين فقط تقبل الأمر بكل واقعية. فهل وصلت الفكرة؟
في عالم اليوم “الكبار” يتجسسون على “الصغار” بكل أريحية و على الدوام إلى درجة أن هذا الأمر لا يثير اهتمام أحد لأنه يعد “أمرا طبيعيا”. ولكن في حالة ما تجسس، افتراضا، ( -من قد يظن أنه-) “صغير” على “كبير”، فهذه تعد مصيبة و مادة صحفية دسمة جديرة بعناوين بالبنط العريض، يعني خبر ما بعده خبر، كالخبر الذي يفيد بأن “أحدهم عض كلبا” حسب ما يدرس لطلبة المعاهد الإعلامية.
إذا فالقضية تتعلق فقط بحسن التقدير و التقييم أولا، ثم التعامل بعقلية الكبار الذين يرحبون بكل كبير يلتحق بنادي الكبار، فيشربون معا قهوة الصباح التي تذيب المشاكل بينهم كقطعة سكر في فنجان قهوة.
خلاصة القول، التجسس أمر وارد سواء كان “تجسسا أخلاقيا” أو “غير أخلاقي”، و التطبيقات أو البرمجيات المعتمدة في هذا الشأن كثيرة عديدة و لا تنحصر في إسم واحد، فما على كل من يملك موبايلا من عامة الناس، مثلا، و كان لديه ما يخفيه سوى أن يستغني عنه أو أن يحجب كاميرات هاتفه مع تجنب الكلام بحرية مطلقة و كفا من صداع الرأس بلا سبب ذي فائدة، و ذلك لأن اختراع الموبايل كان من بين أهدافه تسهيل عملية “التنصت” و “التجسس”…”
لم يكمل حكيم القبيلة الحديث لأن موعد التأمل كان قد حان… ولكنه ربما سيعود ليخبرنا بمستجدات تأملاته في الرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة… تحيات كبيرة للجميع و إلى فقرة أخرى من فقرات الرواية…